غياب عبد الكريم الكابلي.. ذاكرة للموسيقى السودانية

غياب عبد الكريم الكابلي.. ذاكرة للموسيقى السودانية

05 ديسمبر 2021
(عبد الكريم الكابلي، 1932 - 2021)
+ الخط -

على مدار ستين عاماً، برز اسم الفنان السوداني عبد الكريم الكابلي (1932 – 2021) الذي رحل مساء الخميس الماضي بعد صراع مع المرض في ولاية ميشيغان بالولايات المتحدة، حيث جمع بين كتابة الأغاني وتلحينها وأدائها بصوته المميز، إلى جانب دراساته في التراث الموسيقي لبلاده.

في جزيرة سواكن المطلّة على الساحل الغربي للبحر الأحمر، نشأ الراحل في سرايا عائلته ذات الأصول الأفغانية التي استقرّت في السودان منذ مئات السنين، وفي طفولته كان يقضي ساعات أمام البحر، منصتاً إلى هدير الموج يرتطم بجدران السرايا،؛ النغمات الأولى في حياته، كما كان يستمع إلى عزف والده عبد العزيز، المحبّ للشعر على آلة العود، والذي أقام صالوناً للأدب والفنون.

بين مدن بورتسودان وسواكن وطوكر والقلابات والقضارف في شرق البلاد، تنقّل الكابلي في بدايات حياته، وتلقّى الدروس الأولى في دراسته في خلوة الشيخ الشريف الهادي حيث استهوته الطقوس الصوفية وتعالقاتها مع الإنشاد واللحن، وتعلّم في سنّ مبكرة العزف على الصفّارة (آلة نفخية تقليدية) واستطاع أن يحفظ مئات الألحان العربية، مصرية وسودانية، ويؤديها دون اطلاعه على النوتة، في الأنشطة المدرسية.

في تلك السنوات كذلك، استمع بشغف إلى أعمال أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش، بالإضافة إلى الأغاني الشعبية لدى القبائل اليمنية المقيمة في سواكن أو لدى نظيرتها من قبائل شرق السودان، وشكّل هذا الموروث المتعدّد ذاكرته الأولى، وبدأ يحاكي المطربين السودانيين في جلسات خاصة احتضنت الأقرباء والأصدقاء.

درَس الكابلي التجارة في مدينة أم درمان، وعمل كاتباً قضائياً في وزارة العدل سنة 1951 في الخرطوم، وترقّى في سلك الوظيفة حتى شغل منصب مفتشي إدارة المحاكم عام 1977، حيث صعد اسمه في تلك الفترة بوصفه فناناً يمتلك ثقافة رفيعة مكّنته من التعامل مع الأغنية الشعبية بأسلوب متطوّر، ما أهّله لتسجيل أغانيه في الإذاعة السودانية، حيث شهدت الستينيات أولى ما ألّف من ألحان.

في عام 1960، غنّى قصيدة "آسيا وأفريقيا" للشاعر تاج السرّ حسن في حضور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر خلال زيارته للسودان، وكان ظهوره الأول أمام الجمهور، الذي لاقى استحساناً كبيراً، واهتماماً من الأوساط الفنية، لكونه لحّن القصيدة أيضاً التي تقول كلماتها: "عندما أعزف يا قلبي الأناشيد القديمة/ ويطل الفجر في قلبي على أجنح غيمة/ سأغني وأغني آخر المقطع للأرض الحميمة...".

شقّ الكابلي طريق النجاح مع تقديمه قصائد للعديد من شعراء السودان مثل صديق مدثر، وعبد العزيز جمال الدين، وتوفيق صالح جبريل، وإسحاق الحلنقي، وعوض أحمد خليفة، والحسين الحسن، ومحمد الفيتوري، وعمر الطيب الدوش، ومهدي فرح، وميرغني عبد الباسط، وحسن عباس صبحي، والتجاني حاج موسى، وعبد العزيز سيد أحمد وآخرين، كذلك غنّى قصائد لأبي فراس الحمداني ويزيد بن معاوية وأحمد شوقي وعلي محمود طه وعباس محمود العقاد.

وقدّم أغاني من تأليفه لا تزال محفوظة في الذاكرة السودانية مثل زمان الناس، وزينة وعاجباني، وبراق العيون، وأكيد أكيد حنتقابل، وكل الجمال، وأدور حولك بإحساسي، وكنت في حفلة ليلة، وأمير، ونسيم الصبا، وعيون تبكي وأغني، وكل يوم معانا، ويا هاجر، وليس في الأمر عجب، ويا قمر دورين، ونشيد فلسطين، ونشيد عيد بلادي، وغيرها.

في عام 1974، سافر إلى الولايات المتحدة في جولة غنائية، وألقى - آنذاك - محاضرات ودراسات في التراث السوداني بالعديد من الدول العربية والأوروبية، حيث استطاع نشر الأغنية السودانية في جميع أنحاء العالم.
 

المساهمون