سورية: المرض والبرد يبقيان التلاميذ في البيوت

سورية: المرض والبرد يبقيان التلاميذ في البيوت

05 ديسمبر 2021
قد يكون من المفضّل بقاؤهم في المنزل تفادياً للأمراض (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أنّ ثمّة تزايداً في توجّه العائلات السورية إلى عدم إرسال أبنائها إلى المدارس هذه الأيام، بمناطق سيطرة النظام السوري، بسبب انخفاض درجات الحرارة وعدم توفّر التدفئة وانتشار أمراض عدّة، لا سيّما في ظلّ تفشّي فيروس كورونا ومتحوّراته والفيروس المخلوي التنفسي.
تقول مها جاد الكريم (35 عاماً) وهي أمّ لولدَين في مرحلة التعليم الأساسي، لـ"العربي الجديد": "جدياً، قرّرت عدم إرسال طفلَي إلى المدرسة، فالمرض لا يفارقهما. في الشهر الماضي، زرنا الطبيب مرّتَين، وفي كلّ مرّة كان التشخيص واحداً: إصابة بفيروس يتسبّب في التهاب البلعوم والزكام واحتقان الأذن، ما يضطرهما إلى تناول مضادات حيوية وخافض حرارة".

وتلفت جاد الكريم إلى أنّ "المشكلة تكمن في إمكانية الحصول على مضادات حيوية. هذا أمر صعب جداً، وإن توفّرت، فهي تُباع بأضعاف سعرها الرسمي بذريعة النقص في واردات معامل الأدوية". تضيف جاد الكريم أنّ "زيارة الطبيب مرّتَين في الشهر تعني أن أدفع أكثر من نصف راتبي الشهري. والمشكلة الأكبر أنّني أخشى تراجع مناعة طفلَي نتيجة كلّ الأدوية التي يتناولانها، خصوصاً أنّهما لا يكادان يتعافيان ثم يصابان من جديد".
من جهته، يقول عادل ريشاني (43 عاماً) وهو أب لثلاثة أولاد في المرحلة التعليمية الأساسية، لـ"العربي الجديد" إنّ "واقع المدارس مزرٍ على الصعيد الصحي كما التعليمي. فلا تتوفّر أيّ إجراءات وقائية، خصوصاً أنّ هذا موسم الأمراض الصدرية والإنفلونزا. وحتى اليوم، لا تتوفّر تدفئة في مدارس كثيرة، كذلك لا يتوفّر أيّ تباعد جسدي بين التلاميذ. فالشعبة التي ينصّ القانون على احتوائها 20 تلميذاً، يوضَع فيها 40 أو 50 تلميذاً".

يضيف ريشاني أنّ "النظافة هي في حدودها الدنيا، ويشمل ذلك المرافق الخدمية وصنابير مياه الشرب. كذلك لا تدقيق في احتمال إصابة أيّ من الأطفال بمرض ما أو بارتفاع الحرارة، على الرغم من أنّ التعليمات تشدّد على ضرورة قياس درجة حرارة التلاميذ قبل دخول المدرسة".

ويلفت إلى أنّه يفكّر جدياً في الامتناع عن إرسال أطفاله إلى المدرسة، "لكنّني في المقابل أخشى أن يفوتهم كثير من الدروس. أمّا إرسالهم إلى مراكز تعليمية خاصة أو التعاقد مع مدرّسين خصوصيّين، أمران مكلفان مادياً بشكل كبير، لذلك فإنّ الخيار المتاح أمامنا هو إمّا البقاء في المدرسة على الرغم من مخاطر إصابتهم بأمراض عدّة، وإمّا ملازمة المنزل متحمّلين النتائج الكارثية لانقطاعهم عن الدراسة".

تلاميذ في مدرسة في دمشق في سورية وسط كورونا (لؤي بشارة/ فرانس برس)
تلاميذ في مدرسة في دمشق وسط كورونا (لؤي بشارة/ فرانس برس)

في سياق متصل، تقول مدرّسة في مؤسسة تربوية حكومية في دمشق طلبت عدم الكشف عن هويتها، لـ"العربي الجديد": "نطلب دائماً من الأهالي عدم إرسال أولادهم الذي يشعرون بتوعّك صحي أو يعانون من ارتفاع في الحرارة، إلى المدرسة. لكنّ ثمّة عائلات ترسل أبناءها على الرغم من مرضهم. كذلك، اكتشفنا أنّ ثمّة تلاميذ أصيب أفراد من عائلاتهم بكوفيد-19، وعلى الرغم من ذلك لم يلتزموا بالحجر الصحي وحضروا إلى المدرسة بحجّة عدم ظهور أيّ أعراض ذات صلة عليهم".

وترى المدرّسة أنّ "تدنّي نسبة الوعي في المجتمع تساهم في انتشار أمراض صدرية عديدة وأخرى موسمية، بالإضافة إلى تراجع مستوى المناعة لدى الأطفال من جرّاء تراجع مستوى تغذيتهم. فسوريون كثر اليوم محرومون من الفواكه واللحوم والبيض والحليب وغيرها من المواد الغذائية". وتتابع المدرّسة أنّه "من غير الممكن التحكّم بالأمور 100 في المائة، إذ إنّه إلى جانب تدنّي مستوى التعقيم والوقاية نظراً إلى ضعف الإمكانيات، تأتي صعوبة التحكّم بدوام أطفال يعانون من مرض ما. أمّا الحل فهو إمّا إغلاق المدارس حالياً وتغيير الدوام ليكون في فصل الربيع والصيف، وإمّا تعزيز التعقيم والفحوص ومناعة الأطفال".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وفي الفترة الماضية، سُجّل ارتفاع في معدّلات مرض الأطفال، بحسب ما أفادت مصادر طبية "العربي الجديد"، مضيفة أنّ ذلك "كان واضحاً من جرّاء ارتفاع عدد مراجعي عيادات الأطباء المتخصصين في الأنف والأذن والحنجرة وكذلك في الأمراض الصدرية".

وفي هذا الإطار، كانت رئيسة قسم العزل في مستشفى الأطفال في دمشق سوسن علي قد صرّحت في حديث إلى صحيفة محلية في وقت سابق من الأسبوع الجاري، بأنّ نسبة الأشغال في المستشفى بلغت 100 في المائة، سواء في ما يتعلق بالأطفال المصابين بفيروس كورونا الجديد وعددهم حالياً ثمانية، أو المصابين بالفيروس المخلوي التنفسي وغيرهما من الفيروسات، ولفتت إلى أنّ ثمّة أطفالاً توفّوا نتيجة مضاعفات كوفيد-19، كذلك توفي آخرون نتيجة التهابات في الرئتَين، وغيرهم نتيجة اختلاجات في الدماغ، مؤكدة أنّه لا يمكن استقبال أيّ طفل في المستشفى الآن لعدم توفّر أجهزة أوكسجين.
وحول احتمال إصابة الأطفال بمتحوّر أوميكرون من فيروس كورونا الجديد الذي ظهر أخيراً، بيّنت علي أنّ متحوّر دلتا من الفيروس سبق أن أصاب أطفالاً، بالتالي فإنّه من غير المستبعد أن يتعرّض الصغار إلى إصابة بأيّ متحوّر. أضافت أنّ الأطفال بشكل عام معرّضون للإصابة بكوفيد-19 لكنّ إصابتهم تأتي أخفّ من الكبار. وشدّدت هنا على ضرورة تحقيق التباعد الجسدي بين الأطفال، خصوصاً في المدارس، إذ إنّ أكثر الأطفال الذين يصابون اليوم بفيروس كورونا الجديد وكذلك الفيروس المخلوي التنفسي المنتشر حالياً بين الأطفال، وغيرهما، تتراوح أعمارهم ما بين خمسة أعوام و12 عاماً، أيإنّهم من المتمدرسين.

ورأت علي أنّه كان يفضّل تعليق الدوام المدرسي إلى حين تراجع الذروة الحالية لفيروس كورونا الجديد وغيره،  لا سيّما مع الاكتظاظ في المدارس، الأمر الذي قد يتسبّب في نقل طفل مريض العدوى إلى كلّ زملائه. وتابعت علي أنّه في إمكان أطفال أن يلتقطوا عدوى من أهلهم ويحملوها إلى المدرسة، وبالتالي قد يُسجَّل تفشٍّ كبير.

المساهمون