أزمة جزر سليمان: التدخل الأجنبي يتوسع

أزمة جزر سليمان: التدخل الأجنبي يتوسع

30 نوفمبر 2021
تعرض الحي الصيني في هونيارا للحرق والتكسير (Getty)
+ الخط -

عادت القوات الأسترالية إلى جزر سليمان، الواقعة جنوبي المحيط الهادئ، لقيادة قوات حفظ سلام، في الأرخبيل المؤلف من أكثر من 990 جزيرة، إلى جانب أخرى من بابوا غينيا الجديدة وفيجي، بعد إنهاء مهام لها مشابهة امتدت من 2003 إلى 2017. ولا تبدو الأسباب التي حتّمت على أستراليا، التواجد عسكرياً في هذه الدولة، وهي ملكية دستورية حصلت على استقلالها من بريطانيا في عام 1978، مختلفة كثيراً بين المرتين، الأولى التي تشاركت فيها بالمهمة مع نيوزيلندا، والثانية، اليوم، سوى في "العامل الصيني"، الذي أصبح محركاً مغذياً للتوتر بين العاصمة هونيارا، مركز جزيرة غوادالكانال، وسكّان جزيرة مالايتا، الأكثر كثافة لناحية عدد السكّان.

الأحقاد ماثلة وقوية بين غوادالكانال ومالايتا منذ وقت طويل

وإذ كانت جذور الأزمة التي أدّت إلى اندلاع احتجاجات وأعمال شغب عنيفة الأسبوع الماضي في هونيارا، وأوقعت 3 قتلى وجدت جثثهم محروقة في الحيّ الصيني، تكمن في الخلافات الإثنية، والاجتماعية – الاقتصادية، في جزر سليمان، الفقيرة والتي يعتاش أهلها من الزراعة والصيد، فإن البعد الجيوسياسي، لا يمكن نكرانه، حيث يتصاعد الصراع في الهادئ بين الولايات المتحدة والصين، اللتين يملك كل منهما نفوذاً في الجزر، ومعهما قوى ودول تصب في فلكيهما، وأبرزها جزيرة تايوان وأستراليا. هكذا، تأخذ جزر سليمان، الواقعة على أطراف بحر الصين الجنوبي، نصيبها من هذا الصراع، على شكل توترات عنفية، قد تعود بعدما خفتت نهاية الأسبوع الماضي، لتبقى هذه الجزر، والتي غالباً ما يطلق عليها الخبراء اسم الجزر المنسية، تتأرجح بين الجزر "السعيدة" و"الفاشلة".

واندلعت احتجاجات عنيفة في جزر سليمان، الأسبوع الماضي، امتدت لثلاثة أيام، وتحديداً في هونيارا، وأدت إلى عمليات تكسير وسرقة متاجر وإحراق مبان، خصوصاً في الحي الصيني، بالإضافة إلى محاصرة مقر رئيس الوزراء، ماناثي سوغافاري، الموجود في الحكم منذ عقدين. وقاد الاحتجاجات سكان من مالايتا، المُعارضة لسوغافاري، ولسياسته المقربة من بكين بحسبهم، خصوصاً بعد إلغاء حكومته في عام 2019، الاعتراف بتايوان "دولة مستقلة"، لصالح الصين التي تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها.

من جهتها، تحظى مالايتا بدعم الولايات المتحدة، وأستراليا، حتى أن سوغافاري كان طالب قبل التخلي عن الاعتراف بتايوان، بتحويل المساعدات الأميركية مباشرة إلى هونيارا، وليس إلى حكومة مالايتا. ودفعت أعمال الشغب، رئيس حكومة جزر سليمان، إلى طلب الدعم من دول الجوار، حيث أرسلت أستراليا، التي تعتبر الجهة الأكثر مساهمة في موارد تنمية الأرخبيل الفقير، 100 جندي وضابط الجمعة الماضي، لاستعادة الأمن وحماية المباني الرسمية في العاصمة، تبعتها بابوا غينيا الجديدة. وأمس الإثنين، أعلن رئيس وزراء فيجي، فرانك باينيماراما، أن بلاده ستنشر 50 جندياً في الجزر، ما يجعل عديد هذه القوة يصل إلى نحو 200 جندي وشرطي.

وكان المحتجون، الذين اقتحموا البرلمان أيضاً الأسبوع الماضي، قد طالبوا باستقالة سوغافاري، لكنه أكد أول من أمس الأحد، أنه يعتزم البقاء في السلطة، معتبراً أنه انتخب لـ"يحمي الديمقراطية"، متهماً جهات دولية بأنها من دبّر تلك الحوادث. وقال سوغافاري إن "قوى عظمى أخرى تشجع للأسف على ما يحصل. لن أذكر أسماء، سأتوقف عند هذا الحد، لكننا نعرف من هي هذه الأطراف".

تحظى جزيرة مالايتا بدعم الولايات المتحدة وأستراليا

وكان الحاكم العام لجزر سليمان ديفيد فوناغي، قد أعلن الجمعة عن فرض حظر تجول ليلي في الجزر، يمتد إلى "حين رفع القرار". وأعلنت الشرطة المحلية السبت، أن أكثر من مائة شخص اعتُقلوا لصلتهم بأعمال الشغب، كما أعلنت في اليوم ذاته العثور داخل مبنى محترق في هونيارا على جثث ثلاثة أشخاص لاقوا حتفهم جرّاء الاضطرابات، حيث تمّ العثور على جثثهم متفحّمة داخل متجر في الحيّ الصيني، الذي دخله المحتجون مسلحين بفؤوس وسكاكين. ومنذ السبت، سارع الشرطيون والجنود الأستراليون الذين وصلوا إلى البلاد، إلى التدخل لإعادة النظام وحماية بعض المباني، مسّيرين دوريات في شوارع هونيارا. وكان المتحدث باسم الخارجية الصينية تشاو ليجيان، قد أعرب عن "قلق بالغ" على مصالح بلاده، داعياً حكومة جزر سليمان إلى "اتّخاذ كل الإجراءات الضرورية لتأمين حماية الرعايا الصينيين والمؤسسات الصينية".

ويشتكي سكان مالايتا البالغ عددهم أكثر من 150 ألف نسمة (يبلغ عدد سكان الأرخبيل حوالي 800 ألف نسمة)، من تهميش الحكومة المركزية لهم، وعدم التوزيع العادل للإيرادات، ومن التقرب من بكين، التي فتحت مصالح لها في الأرخبيل، يعمل فيها أجانب على حساب المواطنين. ويتهم رئيس الحكومة بأنه تخلى عن الاعتراف بتايوان، التي تحظى بعلاقات قوية مع حكومة مالايتا، بسبب رفض واشنطن تحويل دعمها مباشرة إلى حكومته.

وكان إغلاق الجزيرة لمدة عامين بسبب كورونا، قد فاقم أيضاً الوضع الاقتصادي الهشّ أساساً، في الأرخبيل، ما منع بروز مردود المصالح الصينية التي تتنامى في الجزيرة. وكانت الصين قد سعت إلى استئجار جزيرة تولاغي في الجزيرة، في عام 2019، ولمدة 75 عاماً، وأبرمت فعلاً عقد استئجار مع حكومة تولاغي، لكن الادعاء العام في جزر سليمان أبطل العقد. وبحسب رئيس الحكومة، فإن الاحتجاجات الأخيرة قد تسببت بخسائر تقدر بـ200 مليون دولار، وأفقدت نحو ألف شخص وظائفهم.

وإثر استدعاء قوات حفظ سلام إلى الأرخبيل، أبدت المعارضة (الممثلة في مالايتا)، والتي تتهم الحكومة المركزية بالفساد، امتعاضها من الخطوة الأسترالية، والاستجابة لطلب سوغافاري. وقال سلسوس تاليفيليو، مستشار رئيس وزراء مالايتا دانيال سويداني الذي كان منع الشركات الصينية من العمل في الجزيرة، لوكالة "رويترز"، إن الأخير غير راض عن وصول قوات أسترالية وأجنبية إلى البلاد، معتبراً أن "وجودهم يعطي دفعاً قوياً لسوغافاري وحكومته". وتوجه إلى القوات الأسترالية بالقول "إنهم هنا بطلب من سوغافاري، كيف يمكن أن تكونوا حياديين؟". وأضاف أن سكان مالايتا "مفاجأون، فنحن نعد آخر من يقف لحماية الديمقراطية في البلاد، وكنا نعتقد أن أستراليا ستفهم موقفنا".

وكان رئيس وزراء أستراليا، سكوت موريسون، قد أكد الأحد، أن كانبيرا "لا تتدخل في ديمقراطية" جزر سليمان، وهي "تريد تأمين مناخ مستقر لكي يتمكن السكان من حل مشكلتهم سلمياً"، علماً أن المعارضة كانت دعت إلى التصويت بحجب الثقة عن حكومة سوغافاري، من دون أن تكون واثقة من توافر عدد كاف من الأصوات لعزل الأخير. ولن يتمكن البرلمان الذي تسلم طلباً بحجب الثقة من النائب المعارض ماتيو وال، من مناقشة الطلب قبل 7 أيام.

وتذكر الأزمة التي اندلعت أخيراً في جزر سليمان، بأزمة 1998 – 2003، التي عاشها الأرخبيل، بين غوادالكانال ومالايتا، وراح ضحيتها حوالي 200 شخص، حيث تكمن جذور التوتر في ما أفرزته فوارق النسيج الاجتماعي لعقود، والمبني على خلافات بين الجزر وبين الإثنيات. وكانت غوادالكانال قد استفادت لعقود بعد الحرب العالمية الثانية، من تبعات الحرب، التي ساهمت في علو شأنها، ما أدى إلى غزوها للعمل من قبل سكان مالايتا، الذين ينظر إليهم سكان غوادالكانال بأنهم "مستعمرون". ويرى متابعون أن التوتر الجيوساسي، قد أسهم في اندلاع شرارة الأحداث الحالية، لكنه ليس المحرك الرئيسي، على اعتبار أن الأحقاد ماثلة وقوية بين الطرفين منذ وقت طويل، وقد غذّاها تفاقم الفقر والجوع، وكذلك النفور من الوجود الصيني، حيث كان قد جرى إحراق الحي الصيني بالكامل في واقعة سابقة حصلت عام 2006.

جرى الاعتراف بالصين على حساب تايوان، في 2019، من دون الكثير من التشاور السياسي

وقال الصحافي المحلي، جينا كيكي، لوكالة "أسوشييتد برس"، إن الانتقال للاعتراف بالصين على حساب تايوان، قد جرى في 2019، من "دون الكثير من التشاور السياسي"، وهو "واحد من مروحة واسعة من الأسباب التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات، حيث يوجد تذمر قوي من أن الشركات الأجنبية لا توفر للسكان وظائف". وترتبط أستراليا وجزر سليمان باتفاقية أمنية ثنائية وقعت عام 2017، في أعقاب انتهاء مهمة قوات حفظ السلام السابقة بقيادتها في 2013 (مهمة التأمين الإقليمي لجزر سليمان - رامزي)، ما يمنحها قاعدة قانونية لدخول قواتها الجزر بشكل سريع.

وكانت التوترات الإثنية بين غوادالكانال ومالايتا بدأت في أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما أطلق سكان غوادالكانال الأصليون حملة لطرد سكان مالايتا من الجزر، قد أدت إلى بروز مليشيات من كلا الطرفين، وانقسام الشرطة والقوات العسكرية. وفي أواخر عام 2000، أقدمت مليشيا "قوات الصقر" التابعة لمالايتا، على اختطاف رئيس الوزراء آنذاك، بارتولومي أولوفالو، وهو من مالايتا، متهمة إياه بعدم الوقوف إلى جانب الجزيرة بعد توقيع اتفاقية سلام مع غوادالكانال. واضطر الأخير للاستقالة للحصول على حريته، ما أوصل رئيس الوزراء الحالي إلى السلطة.
(العربي الجديد، رويترز، أسوشييتد برس)