سياحة الجزائر تخوض تجربة "الإيواء لدى الساكن"

سياحة الجزائر تخوض تجربة "الإيواء لدى الساكن"

30 نوفمبر 2021
بيت ريفي بالقرب من مليانة الجزائرية (Getty)
+ الخط -

تضع السلطات الجزائرية منذ سنوات القطاع السياحي ضمن أولويات خطط الإنعاش الاقتصادي للبلاد، وتحرير الاقتصاد من التبعية للنفط، ومعالجة مشاكل القطاع السياحي في المناطق الداخلية والمدن الأثرية والصحراء.

وأطلقت أخيراً تجربة نموذجية للسياحة الشعبية باسم "الإيواء لدى الساكن"، والتي تسمح بتجهيز مالكي البيوت في المناطق السياحية شققهم السكنية وتأجيرها وفق شروط محددة، بهدف تشجيع السياحة الشعبية وتعزيز استكشاف التراث الثقافي للمناطق، خصوصاً تلك التي لا تضم منشآت فندقية. وتواكب التجربة النمط العالمي الخاص بالإقامات السياحية المطبقة في دول عدة.
واختارت وزارة السياحة مدينة منعة في قلب منطقة الأوراس بولاية باتنة، التي تبعد 620 كيلومتراً من العاصمة الجزائر شرقاً وتضم ثروة سياحية وتاريخية كبيرة ومقوّمات تجعلها وجهة للزوار، نموذجاً أولاً لتجربة "الإيواء لدى الساكن". وشجعت السكان على تجهيز منازلهم لاستقبال السياح موسمياَ أو على مدار السنة. 
وتتميز منعة، التي يطلق عليها باللهجة الشّاوية الأمازيغية اسم "ثيقليعث نمنعة"، بأحيائها التاريخية، أهمها الدشرة أو القرية القديمة التي تحتوي بيوتاً مبنية من طوب، وأيضاً بمعالمها التاريخية مثل دار الشيخ وزاوية سيدي بلعباس التي بنيت عام 1660، وقرى أمدوكال وثاقوست والرحاوات، لكنها تفتقر إلى مرافق لاستقبال السياح، ما يمنعهم من البقاء فيها أكثر من يوم.

محاولة إنعاش
ويتوقع أن توفر هذه التجربة السياحية الشعبية مصادر دخل وعائدات مالية لأصحاب المنازل وورش الصناعات التقليدية والحرف التي ستستفيد من وسيلة جديدة لتسويق منتجاتها، وتعزز أعمال المطاعم التي تقدم مأكولات شعبية. كما ستعيد إحياء عادات وتقاليد السكان، وتطلق مهرجانات تستقطب آلاف الزوار، ما يخلق فرص عمل ويسهم في تراجع البطالة.
يرحب محمد عكيشة، الذي يسكن في منعة، بتجربة السياحة الشعبية، ويأمل، على غرار باقي أهالي المنطقة، في أن تخلق أجواء تساعد في إنعاش المجتمع وتسويق المنتجات الثقافية والحرفية. لكنه يستدرك بأن "الوضع الاجتماعي لسكان كُثر لا يسمح بخوضهم التجربة، لأنهم لا يستطيعون تمويل إجراءات تجهيز بيوتهم لاستضافة السياح وتأمين متطلبات إقامتهم فيها للتمتع بالجمال الطبيعي للمنطقة، خصوصاً في وادي تاسريفت، الذي تأخرت السلطة كثيراً في تقدير قيمته السياحية".
وتشرح الأستاذة المتخصصة في علوم التراث والسياحة في جامعة باتنة وريدة يخلف، لـ"العربي الجديد"، أن "اختيار منطقة منعة نموذجاً لتجربة الإيواء لدى الساكن يرتبط بواقع كونها مركزاً سياحياً ذا قيمة كبيرة، فتاريخها يعود إلى أكثر من عشرة قرون، وموقعها استراتيجي في إطلالته على البساتين. كما تتميز عن باقي مناطق الجزائر بنمط معماري يلحظ استخدام حجارة حمراء ومواد طبيعية في البناء، وبتنظيمها احتفالات سنوية تحيي بعضها أعياداً تراثية خاصة، بينها رأس السنة الأمازيغية (عيد الناير) المؤرخ في 13 يناير/ كانون الثاني، وعيد الربيع في مارس/ آذار، ما يجعلها وجهة سياحية قادرة على استقطاب الزوار من كل مكان. وفي كل الأحوال، تحتاج المنطقة إلى مراكز لإيواء السياح تحافظ على خصوصيتها".

تستهدف التجربة الأولى في الجزائر تحريك الركود السياحي وتدارك النقص في مرافق الإيواء، وتلبية احتياجات ارتفاع الطلب عليها خلال فترات العطل وفي نهاية الأسبوع، إذ تتعذر غالباً زيارة العائلات المناطق السياحية، خصوصاً المدن الأثرية، أو الإقامة فيها. 
وتتحدث نصيرة آيت حمي التي تهتم بتاريخ المدن، لـ"العربي الجديد"، عن صعوبة الانتقال إلى المناطق الأثرية المشهورة بمعالمها التاريخية، بسبب بُعدها عن المدن وعدم وجود مراكز إيواء فيها، وتقول: "رغبت مرات في زيارة قرى كثيرة كي أتمتع بجمالها الذي أشاهد صوره ولقطاته على مواقع التواصل الاجتماعي، أو تلك التي تتضمن زوايا ومساجد ومواقع احتضنت أحداثاً تاريخية، لكنني أتردد دائماً في زيارتها بسبب نقص المرافق، وصعوبة الاستمتاع بإجازة نهاية الأسبوع أو العطل المدرسية".
ويرى الخبير في التراث المهندس عبد الله فرحي الذي ينشط في جمعية للحفاظ على المدن الأثرية في منطقة تبسة (شرق)، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تشجيع السلطات مواطني المناطق السياحية والأثرية على تحويل مساكنهم إلى مراكز لإيواء السياح واستقبالهم "تجربة جيدة قد تعمم على كل المناطق السياحية في البلاد، وتحفز مختلف الوكالات والجمعيات والنوادي المحلية التي تهتم بالسياحة والتراث على تسويق منتجات لإنعاش القطاع، وجذب الزوار إلى المناطق التي تتوفر موارد تاريخية وثقافية وتراثية فيها، إضافة إلى موارد طبيعية قد تجلب استثمارات".

جسر يحبس الأنفاس في مدينة قسنطينة (Getty)
جسر يحبس الأنفاس في مدينة قسنطينة (Getty)

وأخضعت الحكومة تجربة الإقامات السياحية إلى قانون صدر قبل أسابيع، يضمن سلامة المستأجِر والسياح من خلال فرض حصول الراغبين في تجهيز شققهم للاستخدام السياحي على رخص خاصة، وتوفيرهم التأمين المطلوب ضد السرقة والحرائق، ووسائل المكوث الخاصة بالفرش ومستلزمات النظافة. وشدد القانون على أهمية مطابقة السكن شروط الإيواء بالكامل، فيما ألزم التصريح عن هوية كل شاغلي المنزل القادمين من خارج المنطقة للسياحة، وأولئك من جنسيات أجنبية، لدى المصالح الأمنية المختصة. وفي حال عدم التصريح عن السياح، يعاقب المخالف بدفع غرامة مالية تتراوح بين 100 و300 يورو (114 و342 دولاراً).
وعموماً، يواكب تحرك السلطات لوضع إطار قانوني للإقامات السياحية عبر تجربة "الإيواء لدى السّاكن" ظاهرة استئجار أشخاص شققاً سكنية في مناطق سياحية وساحلية خلال فصل الصيف، علماً أن التجربة ستقلص صعوبات القيام برحلات سياحية في مناطق داخلية كثيرة تعرف بطبيعتها الخلابة التي تستحق الزيارة، مثل المدية وبوسعادة (وسط) وتلمسان وتيسمسيلت (غرب)، وقسنطينة وجيجل والقل (شرق)، وقرى ومدن منطقة القبائل، وتيميمون وبني عباس (جنوب). كما ستشجع التجربة المستثمرين على إنشاء فنادق في المناطق السياحية والداخلية ومختلف مناطق الصحراء، التي يصعب على الزوار المكوث فيها بسبب غياب المرافق. 

المساهمون