اتّهام بالسرقة وترشيحٌ للـ"أوسكار": عاصفةٌ إيرانية حول "بطل" فرهادي

اتّهام بالسرقة وترشيحٌ للـ"أوسكار": عاصفةٌ إيرانية حول "بطل" فرهادي

26 نوفمبر 2021
أصغر فرهادي في "كانّ 2021": الجائزة الكبرى (فاليري هاش/ فرانس برس)
+ الخط -

 

في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021، اختارت لجنة إيرانية فيلم "بطل" ("قهرمان"، العنوان الفارسي) للإيراني أصغر فرهادي، لتمثيل السينما الإيرانية في التصفيات الأولى لجائزة "أوسكار" أفضل فيلم دولي، في النسخة الـ94 (27 مارس/آذار 2022). تضمّ اللجنة فنانين مُقترحين من "دار السينما" (شبيهةٌ بنقابة السينمائيين)، بينهم محمد مهدي عسكربور، المخرج ومدير "مهرجان فجر السينمائي الدولي"، والمخرجين رسول صدر عاملي وفريدون جيروني.

منذ الصيف الماضي، بعد فوز "بطل" بالجائزة الكبرى (مناصفة مع "المقصورة رقم 6" للفنلندي يوهو كوسمانِن) للدورة الـ74 (6 ـ 17 يوليو/تموز 2021) لمهرجان "كانّ" السينمائي، يتعرّض أصغر فرهادي لحملة ضدّه، بدأت في وسائل التواصل الاجتماعي، وازدادت صخباً، يوماً بعد يوم. أساس الحملة اتّهام مخرجة شابّة لفرهادي بـ"سرقة" موضوع "بطل" من مشروع فيلمٍ وثائقي لها.

الهمس وصل إلى أحد مدراء المهرجانات الأوروبية، الصيف الماضي، ومعه شريط فيلم المخرجة آزاده مسيح زاده، فتمّت المقارنة بين الفيلمين، وكانت صدمة ودهشة، وطُرحت تساؤلات مشروعة عن التشابه بينهما، كما صرّح البعض لـ"العربي الجديد"، التي قالت المخرجة لها إنّها كانت طالبة لدى فرهادي منذ سنوات، في ورشة عمل، وإنّه استخدم فيلمها ليؤسّس عليه فيلمه، من دون أنْ يسألها. كما أنّه لم يشكرها ولم يدفع لها حقوقاً، ولم يضع اسمها في "شارة الفيلم". تحاول مسيح زاده إسماع صوتها، لكنّ صوتها لا يصل إلاّ إلى عدد محدود، فالكفّة لصالح الأشهر والأقوى في عالمٍ لا اسم لها فيه، ولا مؤيّد.

في البداية، لم تتمّ الإشارة إلى القضية في الصحافة الإيرانية، بل فقط في وسائل التواصل الاجتماعي. لاحقاً، تغيّر الحال، إذْ أعلنت نكار اسكندرفر، مديرة "معهد الثقافة والفن (كارنامه)"، لموقع "هنر أو لاين" (وكالة الفنون الإيرانية للأنباء)، أنّ هناك مطالبات للإدلاء بتصريحٍ عما يجري (1 نوفمبر/تشرين الثاني 2021). فالمعهد، الذي نظّم سابقاً ورشة عمل مع المخرج الإيراني، اختار الصمت منذ البداية، "تجنّباً لردود فعل متعجّلة"، لكنّه يجد أنّ عليه اليوم "مسؤولية أخلاقية واجتماعية، لإعطاء الوثائق والملفات حول القضية"، لمن يطلبها من قضاء أو نقابة. أضافت اسكندرفر أنّ "فيلم امروز" (مجلة سينمائية مشهورة في إيران) حاورتها لتروي ما تعرفه من تفاصيل الخلاف، لكنّ المجلة أوقفت النشر بناءً على نصيحة المحامي. مع هذا، سيُنشر الحوار في "إعلام حر ومستقل" لاحقاً، كما صرّحت المديرة، لرفع الغموض عن القضية، وتهدئة الأجواء. كما أوضحت أنّ حقوق ملكية أيّ عمل ينتجه طالب في الورشات "تكون له لا للمعهد أو الأستاذ".

مصدر إيراني من الوسط السينمائي، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لـ"العربي الجديد" إنّ محامي فرهادي صرّح لمقرّبين بأنّ مبلغاً من المال دُفع للمخرجة، لشراء الحقوق. لكنّ فرهادي ينكر تماماً "استيحاء" الفكرة من الطالبة، "في تناقضٍ واضح"، كما قال المصدر الإيراني، الذي أضاف أنّ اسمها، في أي حال، ليس على شارة الفيلم.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

مانيا أكبري، فنانة "فيديو آرت" مُقيمة في لندن، والممثلة الأساسية في "عشرة" (2002) لعباس كيارستمي، ومخرجة "عشرة زائد 4" (2007)، تقوم بحملة على صفحتها الفيسبوكية للدفاع عن حقوق المخرجة الشابة ومساندتها. في تعليقٍ لها، قالت إنّ أصغر فرهادي "سرق" النصّ من طالبته في "كارنامه"، مُضيفةً التالي: "أعرف كلّ التفاصيل حول آزاده. فرهادي استخدم سلطته، وسرق فيلمها. من سيُصدّق شابةً لا صوت لها في المجتمع الإيراني؟". اتّهمت أكبري النظام كلّه هناك بأنّه مُعادٍ للمرأة، وقالت إنّها تعرف فرهادي جيّداً، وتعرف كيف أنّ الغرب مع إيران "بَنَيا اسمه"؛ وأنّ مبرمجي المهرجانات والصحافيين خارج إيران لا يعرفون البلد، ولا يُدركون مدى تعقيدات النظام هناك؛ وأنّ أعمال فرهادي تعطي الغرب عنواناً خاطئاً عن إيران".

هناك من كتب على صفحاته الفيسبوكية أنّ مشاهدة فيلم آزاده يكشف بوضوح احتواءه على "مواد أصلية" بُني عليها فيلم "قهرمان".

المخرج وحيد صداقت ـ صانع فيلمٍ وثائقي عن فرهادي بعنوان "مشاهد من انفصال" (2019)، تابع فيه تصويره "انفصال" (2011)، مُبيّناً طريقة عمله وتدوينه لما يصادفه من مشاهدات وملاحظات ـ كتب في "إنستغرام"، في يوليو/تموز الماضي، أنّ أصل فكرة النقاش مع الطلبة جاء من فرهادي، حين طرح عليهم في ورشة العمل مواضيع "أغراض مفقودة" و"السجن" و"ما يجري وراء القضبان". كما أنّه ناقش معهم مفهوم البطولة وزيفه، في بعض الحالات، وطلب منهم معالجة الفكرة من زوايا ووجهات نظر عدّة. أضاف صداقت أنّ الطلاب يُنجزون عادة فيلماً وثائقياً بإشرافه، ولا يضعون أسماءهم عليه، وهذا معروف.

من جهتها، بثّت مسيح زاده فيلمها على "يوتيوب"، في محاولة منها لفت الأنظار إليه، مع ملخّص يقول: "شكري في السجن بسبب دَيْنٍ لم يتمكّن من تسديده. يوم خروجه من السجن، وجد محفظة سوداء مليئة بالنقود، وحاول العثور على صاحبها، لإعادة المال إليه". في ملخّص "بطل" فرهادي، كُتب: "رحيم في السجن بسبب دَيْنٍ عجز عن تسديده. في إجازة لمدّة يومين، حاول إقناع دائنه بسحب شكواه، بدفع جزء من المبلغ. لكنّ الأمور لا تسير كالمخطَّط لها".

حصلت مشكلة "بطل" بالتوازي مع مشكلة أخرى، تتعلّق باختيار إيران له في تصفيات "أوسكار". منذ مهرجان "كانّ 2021"، ومع فوز فرهادي سابقاً بجائزتي "أوسكار" أفضل فيلم دولي، عامي 2012 عن "انفصال"، و2017 عن "البائع" (2016)، يتعرّض فرهادي لانتقادات أطرافٍ عدّة، متناقضة في توجّهاتها السياسية. من جهة، يُتَّهم بمسايرته حكومة "الجمهورية الإسلامية في إيران"، وبعدم إعلانه مواقف صريحة إزاء ما يجري في البلد؛ ومن جهة أخرى، يتّهمه أطراف من النظام وإعلامه، لا سيما الصحيفة المتطرّفة "كيهان"، بأنّه يُعطي صورة سيئة عن بلده للغرب.

مؤخّراً، صدرت تصريحات من مقرّبين من "الحرس الثوري الإيراني"، تصفه بالذكاء، كونه "يعرف كيف يمتلك الجهتين، الحكومة والغرب"، وهذا أغضب فرهادي، وجعله يُصرّح على "إنستغرام" (16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري)، قائلاً: "كيف يُمكنك أنْ تنسبني، بشكل مخادع، إلى حكومةٍ، لم يدّخر إعلامها المتطرّف جهداً لتدميري وتهميشي، في الأعوام الماضية؟". أضاف: "لأعوامٍ عدّة، بقيت صامتاً، مُفضّلاً التركيز على كتاباتي وأفلامي. لكنّ هذا الصمت جعل البعض يظنّ أنّه يُمكنه قول كلّ شيء في حقّي، مُعتقداً أنّي لنْ أجيب. لأكنْ واضحاً: ضقت بهذا ذرعاً". وأعلن أنّه مستعد لسحب فيلمه من المنافسة على "أوسكار"، قائلاً: "لم أعد أهتم بمصير الفيلم الذي صنعته من كلّ قلبي، سواء في إيران أو خارجها. هذا الفيلم أنجز، وإذا كانت له روح فسيبقى، وإلاّ فسيتمّ نسيانه".

المساهمون