صراع ترامب وبايدن: معركة حول "الامتياز التنفيذي"

صراع ترامب وبايدن: معركة حول "الامتياز التنفيذي" لحجب وثائق اقتحام الكونغرس

27 أكتوبر 2021
ترامب مصافحاً بايدن في يوم تنصيبه رئيساً عام 2017 بحضور أوباما (مارك رالستون/فرانس برس)
+ الخط -

تستمر خلافات الرئيسين الأميركيين، السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن، بعد الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والتي كانت من الأصعب في تاريخ الرئاسيات الأميركية. ويتعلق الخلاف الحالي باقتحام أنصار ترامب الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، خصوصاً بعد اعتراف الرئيس السابق بتوجهه في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي إلى إدارة الأرشيف الوطني بطلب عدم تقديم الوثائق حول ما قام به أنصاره، إلى لجنة الكونغرس الخاصة التي تحقق في تلك الأحداث. ولم يكتفِ ترامب بذلك، بل رفع دعوى قضائية في 18 أكتوبر الحالي لمنع نشر الوثائق والمستندات المرتبطة بواقعة الاقتحام، تحت شعار "الامتياز التنفيذي" للرؤساء الأميركيين. لكن الإدارة الاميركية رفضت خطوة ترامب. وكشفت مستشارة البيت الأبيض، دانا ريموس، في رسالة حصلت عليها شبكة "إن بي سي نيوز"، أن بايدن اعتبر أن إبقاء ترامب الوثائق بعيداً عن الكونغرس "لا يصبّ في مصلحة الأخير". و"الامتياز التنفيذي" هو من صلاحيات الرؤساء الأميركيين، للحفاظ على الاتصالات السرية تحت ظروف معينة داخل السلطة التنفيذية، فضلاً عن مقاومة بعض مذكرات الجلب والإشراف، خلال مساعٍ تشريعية للكونغرس أو قضائية خلال إجراء تحقيقات خاصة تتضمّن نشر معلومات أو وثائق عن أفراد، بحجة "السرية". ويعتبر قانونيون أن الكشف عن معلومات ما يُضعف "الامتياز التنفيذي". ومع أن مبدأ "الامتياز التنفيذي" غير منصوص عنه في الدستور الأميركي، إلا أن المحكمة العليا قضت بأنه يكرّس مبدأ "فصل السلطات" في مقابل صلاحية "الإشراف" الممنوحة للكونغرس، ويسمح في ترسيخ سيادة كل طرف دستورياً.


يخشى ترامب الإيقاع ببانون في تحقيقات يوم الاقتحام

 

وسبق أن هدد ترامب باستخدام "الامتياز التنفيذي" أثناء التحقيق في مسألة التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، لمنع استماع لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ إلى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي" السابق جيمس كومي للإدلاء بشهادته. لكن ترامب تراجع بعد ذلك، واستمعت اللجنة لكومي. إلا أن الرئيس الجمهوري عاد واستخدم هذه الصلاحية أثناء "تحقيق مولر" الخاص بالتدخل الروسي بالانتخابات والذي قاده المحقق روبرت مولر. أما في القضية الحالية، فقد تضمنّت دعوى ترامب منع حصول "لجنة 6 يناير"، المؤلفة من تسعة نواب، سبعة ديمقراطيين واثنين جمهوريين، على الدفعة الأولى من الوثائق من الأرشيف. وجاء في الدعوى أن "لا سلطة للجنة في التحقيق ولا في الحصول على الوثائق"، وأن "السجلات محمية بامتياز تنفيذي". مع العلم أن اللجنة طلبت الوثائق مرتين، في شهري مارس/آذار وأغسطس/آب الماضيين. لكن بايدن يعتبر أن الامتياز الذي يعلّل به ترامب دعواه، "لا ينبغي تطبيقه في هذه الحالة"، أي الاقتحام غير المسبوق. ويشي هذا الخلاف بأن ذيول المعركة الانتخابية لم تنتهِ بعد، بل مرشحة للتصاعد قبل محطتين رئيسيتين: الانتخابات النصفية في 8 نوفمبر 2022، والرئاسية في 5 نوفمبر 2024. ومثّل تدخل بايدن دعماً للجنة التحقيق في سياق وقف اندفاعة ترامب، مستوى جديدًا من الصراع بين الرجلين. مع العلم أنه في السابق، شهدت الولايات المتحدة نزاعات بين رئيس سابق وآخر حالي، لكنها لم تصل إلى المستوى الذي وصل إليه بايدن وترامب. ويعود السبب إلى مسؤولية الرئيس الجمهوري السابق، بعد إقناعه الملايين من ناخبيه بعدم "شرعية انتخاب بايدن"، معتمداً عبارة "حصول عمليات تزوير". وتتماشى محاولته عرقلة عمل "لجنة 6 يناير"، مع جهوده المتكررة لتجنّب عواقب سلوكه المناهض للديمقراطية. ولن تؤدي المواجهة مع بايدن إلا إلى تغذية محاولات ترامب لتحويل جهود التحقيق في النهاية المضطربة لرئاسته، إلى وقود لعودة سياسية، مع تحويله معركة الانتخابات النصفية إلى منصة خطابية له مكرّراً مصطلحات مثل "سُرقت الانتخابات مني".

كما أن ترامب يحاول تركيز الاتهامات على بايدن بأنه "يحاول الانتقام مني"، لخلق هالة من المظلومية تسمح له بعودة انتخابية مظفّرة. ويحاول ترامب نصب الفخاخ لبايدن، معتبراً أن حجب وثائق الاقتحام "يحمي نزاهة مكتب الرئاسة"، بالتالي فإنه في حال واصل بايدن الدفاع عن لجنة التحقيق، فإنه سيناقض أساس حملته الانتخابية في العام الماضي، وهي "ضرورة هزيمة ترامب إنقاذاً للديمقراطية الأميركية"، على اعتبار أن الكشف عن الوثائق سيُتيح في المستقبل للجان الكونغرس المطالبة بالكشف عن وثائق أخرى لرؤساء سابقين، ما قد يهدّد بنيان النظام الأميركي. لكن ذلك لن يمنع الأرشيف الوطني من البدء في تسليم الوثائق المطلوبة إلى "لجنة 6 يناير"، في موعدٍ أقصاه 12 نوفمبر المقبل، ما لم يحصل ترامب على أمر من المحكمة بوقف العملية. وتتضمن الوثائق كل اتصالات البيت الأبيض في 6 يناير، مثل سجلات المكالمات والجداول الزمنية واجتماعات كبار المسؤولين والمستشارين الخارجيين، بمن في ذلك رودي جولياني، محامي ترامب الرئيسي. ولا يبدو أن موضوع الوثائق هو الخلاف الوحيد بين الرجلين في قضية اقتحام الكونغرس، بل طلب ترامب أيضاً من العديد من كبار مساعده السابقين، بمن في ذلك رئيس موظفي البيت الأبيض السابق مارك ميدوز، الادّعاء بعدم قدرتهم على الامتثال لأوامر الاستدعاء الصادرة عن "لجنة 6 يناير"، للأسباب نفسها المتعلقة بحماية مبدأ "الامتياز التنفيذي". ويحاول ترامب في إطار رفضه الكشف عن الوثائق، منع الإيقاع بكبير مستشاريه السابق ستيف بانون، الذي وجّه إليه الكونغرس تهمة "الازدراء الجنائي". ويعتبر خبراء قانونيون أن ادّعاءات بانون، بأنه "لم يكن مسؤولاً في الإدارة" في يوم اقتحام الكونغرس، ضعيفة. مع العلم أن "لجنة 6 يناير" ترغب في استجوابه بشأن إجرائه اتصالات مع منظمي التظاهرة التي سبقت الاقتحام، وليس فقط محادثاته مع ترامب. ويعود السبب إلى إعلان الصحافيين في صحيفة "واشنطن بوست" بوب وودوارد وروبرت كوستا في كتابهما "خطر"، أن بانون كان شخصية رئيسية في "غرفة الحرب" في فندق ويلارد في العاصمة واشنطن، والتي كان جولياني حاضراً فيها أيضاً، حيث جرت اتصالات عدة بترامب. وعدا يوم الاقتحام، فقد حاول بانون الضغط على نائب الرئيس السابق مايك بنس، لرفض التصديق على انتخاب بايدن في الكونغرس. وتدرس "لجنة 6 يناير" حالياً، ما إذا كان بالإمكان مقاضاة بانون في إجراء قانوني آخر، مختلف عن قضية الاقتحام. وهو إجراء يقع على عاتق وزارة العدل. وكما درجت العادة، عبر "اكتشاف" الأميركيين وغيرهم في مرحلة ترامب، صلاحيات كانت موجودة، لكنها كانت نادرة الاستخدام، فإن تحويل "الامتياز التنفيذي" إلى بند أساسي في دعوى يرفعها رئيس سابق إلى المحكمة، هو الأول من نوعه مع ترامب. ومن غير المعروف مدى قوة هذه الصلاحية في أروقة القضاء. مع العلم أنه تقليدياً، كان الرؤساء السابقون يتشاورون مع الفريق القانوني في البيت الأبيض التابع للرئيس الذي يخلفهم، الذي بدوره يقوم بتأكيد "الامتياز التنفيذي" من دون نقضه أو ردّه، على اعتبار أن صلاحية الرئيس الحالي أقوى من الرئيس السابق. وبناء عليه، جاء ردّ بايدن بدعوة "لجنة 6 يناير" للاستمرار في تحقيقها، وعدم التوقف على "الامتياز التنفيذي" لترامب، في إشارة إلى إمكانية نقضه هذا الامتياز، لضرب خصمه، عبر الإفصاح عن كامل وثائق يوم الاقتحام.


"الامتياز التنفيذي" من صلاحيات الرؤساء الأميركيين
 

وشهدت قضية "الولايات المتحدة ضد الرئيس ريتشارد نيكسون (1969 ـ 1974)" نموذجاً في مسألة "الامتياز التنفيذي". وحكمت المحكمة العليا في 24 يوليو/تموز 1973، على تجاوز "الامتياز التنفيذي"، وقضت بـ"عدم دستورية استخدام الرئيس لسلطته التنفيذية لحجب أجزاء من الأشرطة"، والتي تمّ الكشف عنها في 30 يوليو من العام نفسه. وبرز "الامتياز التنفيذي" في عهد الرئيس دوايت آيزنهاور (1953 ـ 1961)، الذي شهد محاكمة السيناتور جوزيف مكارثي بتهمة "التزوير والفساد" أثناء عمله على محاربة الشيوعية في الولايات المتحدة. واستخدم آيزنهاور "الامتياز التنفيذي" لمنع "توفير أي بيانات حول المحادثات الداخلية أو الاجتماعات أو المراسلات بين الموظفين". بدوره، استخدم الرئيس رونالد ريغان (1981 ـ 1989) في عام 1982 "الامتياز التنفيذي"، لمنع حصول الكونغرس على معلومات محددة، معتبراً أن صلاحية الكونغرس تتوقف عند حدود "الامتياز". أما الرئيس بيل كلينتون (1993 ـ 2001)، فاستخدم هذا الامتياز 14 مرة. وفي عام 1998، كان أول رئيس يخسر هذا الامتياز في القضاء، بعد نيكسون، أثناء قضية مونيكا لوينسكي. وحينها تمّ الاستماع إلى شهادة مساعدي كلينتون في القضية. كما استخدم الرئيس جورج بوش الابن (2001 ـ 2009) "الامتياز التنفيذي" 6 مرات، أبرزها لرفض الكشف عن تفاصيل اجتماعات نائبه ديك تشيني مع المديرين التنفيذيين في مجال الطاقة. كما لجأ بوش إلى الامتياز نفسه، رداً على مذكرات استدعاء للكونغرس في عام 2007، يطلب فيه وثائق من مستشارة الرئيس السابقة هارييت مايرز والمديرة السياسية السابقة سارة تايلور، لدورهما في استقالة وزير العدل ألبرتو غونزاليس في العام نفسه. أما الرئيس باراك أوباما (2009 ـ 2016)، فاستخدم "الامتياز التنفيذي" من أجل حجب بعض وثائق وزارة العدل المتعلقة بعملية "السرعة والغضب"، التي هرّب فيها تجار أسلحة قانونيون السلاح بشكل غير قانوني إلى المكسيك، ضمن عملية أمنية للوزارة.