عسكرة سيناء... إلهاء الأهالي بالوقود والاتصالات

عسكرة سيناء... إلهاء الأهالي بالوقود والاتصالات

26 أكتوبر 2021
تزداد الحياة صعوبة في شمال سيناء (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يُحدث قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منح وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي المزيد من الصلاحيات لتطاول كل شيء في شبه جزيرة سيناء ضجةً على المستوى الشعبي توازي حجم القرار. وخشية انتباه المواطن المصري في سيناء إلى السيطرة المطلقة للجيش على حريته وتفاصيل حياته سارعت قواته لاتخاذ سلسلة من التسهيلات التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر. هكذا، تحول الحديث من تشديدات الجيش وطبيعة المرحلة المقبلة، والمخاطر المحدقة بسيناء في ضوء القرار السيادي والتفويض واسع النطاق، إلى مجرد تفاصيل حياتية لا تتجاوز الحد الأدنى من حقوق أي مواطن.
وفي تفاصيل الوضع الميداني والتسهيلات الأخيرة، يقول أحد وجهاء مدينة العريش، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن قوات الجيش المسؤولة عن تأمين محطات المحروقات وتوزيع الكميات على المواطنين قررت تخفيض مدة تعبئة الكمية الممنوحة لكل سيارة من 10 أيام إلى أسبوع، لتحصل كل سيارة على 40 لتراً من الوقود أسبوعياً. ولهذا الخبر تأثير مباشر على حياة المواطنين في المحافظة، إذ لا يمكنهم تعبئة أي لتر من الوقود خارج إطار الحصة الممنوحة، والتي كانت تعطى كل أسبوعين قبل أن تنخفض إلى 10 أيام ثم أسبوع في الوقت الحالي. وهناك وعود بأن تصبح مرتين أسبوعياً في المرحلة المقبلة، كما أفادت القيادات الميدانية العسكرية المنتشرة على المحطات في مدينة العريش.

قضايا وناس
التحديثات الحية

يضيف الوجيه أن القرارات الجديدة تتمثل أيضاً في إعادة عمل محطات إرسال الاتصالات في مدن المحافظة، لا سيما مدينة الشيخ زويد وأطراف مدينة العريش، وتشغيل خدمة الـ 4G، وإعادة خطوط الاتصال إلى مناطق واسعة من المحافظة التي كانت محرومة من هذه الخدمة على مدى سبع سنوات، الأمر الذي قابله المواطنون بإيجابية. بل إن كثيرين أعربوا عن امتنانهم للنواب والمحافظ بسبب الجهود التي بذلوها في سبيل تحقيق ما يعتبره أهالي سيناء حلماً طال انتظاره. كما يلفت الوجيه إلى إلغاء كمين الميدان الذي كان يعتبر معبر الدخول والخروج من وإلى مدينة العريش، وكمين الريسة سيئ السمعة الذي كان بمثابة معبر للدخول نحو مدينتي رفح والشيخ زويد، بالإضافة إلى معبر رفح البري.
يشار إلى أن القرار الذي أصدره السيسي عملياً هو الأول من نوعه الذي يفوّض فيه زكي لفرض عشرة تدابير استثنائية وقتما يشاء، بناء على توجيهات الرئيس نفسه، على مستوى كل مناطق شبه جزيرة سيناء، وليس فقط في شمال شرقها، الذي يشهد ذروة المعارك ضد العناصر المسلحة وسيطرتهم على بعض المناطق العصية حتى الآن على الجيش. بالتالي، يحوّل القرار شبه الجزيرة بالكامل إلى منطقة أقرب إلى الطبيعة العسكرية بعدما أصبح زكي بمثابة الحاكم الأعلى لها، ويتمتع بصلاحيات تفوق رئيس الوزراء والمحافظين. وسيترتب على التدابير أعلاه تداعيات من قبيل تطبيق قانون حماية المنشآت العامة والحيوية على كل تلك المناطق، الأمر الذي يسمح بإحالة المدنيين المخالفين للتعليمات إلى المحاكمات العسكرية بعيداً عن القضاء المدني، بالإضافة إلى تحصين القرارات الصادرة بموجب تلك التدابير من رقابة القضاء.

الصورة
دبابات للجيش المصري تتجه إلى شمال سيناء (خالد دسوقي/ فرانس برس)
آليات للجيش المصري تتجه إلى شمال سيناء (خالد دسوقي/ فرانس برس)

وبموجب القرار، أصبح من حق وزير الدفاع إصدار قرارات حظر التجول، وتحديد مواعيد فتح المحلات العامة وإغلاقها، وإخلاء بعض الأماكن أو المناطق، وحظر الإقامة أو الاقتراب أو التردد على أماكن معينة، وحظر استخدام وسائل اتصال معينة، أو غيرها من تقنيات البحث عن الأشخاص والمنشآت أو منع حيازتها. كما أن من حق الوزير حظر حيازة الأسلحة النارية المرخّصة، وحظر حيازة أجزاء الأسلحة النارية وكواتم أو مخفضات الصوت والتلسكوبات المعدة لتركيبها للأسلحة النارية، فضلاً عن حظر سير الدراجات البخارية ومركبات الدفع الرباعي أياً كان نوعها. ومن صلاحيات الوزير أيضاً، حظر استخدام المواطنين والأجانب للطائرات المسيّرة "درون" سواء بتصريح أو من دونه، وحظر تداول المواد ثنائية الاستخدام والتي تستخدم في صناعة المواد المتفجرة.

تعقيباً على ذلك، يقول باحث في شؤون سيناء لـ "العربي الجديد"، إن ما يقدمه النظام المصري من تسهيلات حياتية مؤقتة في سيناء، هو بمثابة ذر للرماد في عيون أهالي سيناء، من خلال محاولة إلهاء المواطنين عن الملف الخطير المتمثل في تفويض الجيش المصري ووزير الدفاع على وجه الخصوص زمام القرار والمبادرة في كل أنحاء سيناء. والهدف الأساسي من التضييق على المواطن في سيناء هو تهجيره، ما يمكن النظام المصري من تنفيذ أي مشروع أو مخطط مهما كانت انعكاساته بكل سهولة في ظل توفر الأرضية والمقومات وبغطاء قانوني واسع النطاق وفره السيسي من خلال قبة البرلمان وموافقة الحكومة وإلهاء المواطنين بتفاصيل هامشية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

كما يشير إلى أن من المتوقع أن يتجه النظام المصري من خلال قوات الجيش إلى منح السكان المزيد من التسهيلات في المرحلة المقبلة، لإشعارهم بالطمأنينة والأمان، وأنهم أصحاب الأرض والدولة تهتم بشؤونهم كما أنها معنية بوجودهم في سيناء. لكن الحديث عن النوايا المبيتة للمنطقة يخالف هذا الموقف؛ فقد عانى سكان شمال سيناء على مدار سبع سنوات من القتل والإصابات والخطف والتهجير وإنهاء أوجه الحياة، ما يعني أن الخوف من قرارات السلطات منطقية، إذ تجعلهم يشككون في مساعيها إلى إعادة الحياة للمواطنين نفسهم الذين تأذوا منها خلال المرحلة السابقة، من باب أن الخطر ما زال ظاهراً في سيناء بحجة مكافحة الإرهاب وحماية الحدود الشرقية للجمهورية من المخاطر الداخلية والخارجية، بحسب الرواية الرسمية المصرية. كما أن حديث أهالي سيناء عن المشاريع الحيوية والكبرى التي تقيمها الدولة حالياً في شمال سيناء ليست من أجل عيونهم، بحسب الباحث، بل لها أهداف أخرى ستظهر للعيان بمرور الوقت.

المساهمون