بايدن وعودته الاستنسابية إلى "مجلس حقوق الإنسان"

بايدن وعودته الاستنسابية إلى "مجلس حقوق الإنسان"

17 أكتوبر 2021
السبب الذي أخرج ترامب من مجلس حقوق الإنسان هو ذاته ما أعاد بايدن إليه (Getty)
+ الخط -

فور عودتها، الخميس، إلى "مجلس حقوق الإنسان"، سارعت إدارة جو بايدن إلى التأكيد أنها ستعمل من داخله لمنعه من "استهداف إسرائيل"، التي لا يغيب "تركيزه المنحاز ضدها عن جدول أعماله"، كما صرحت الخارجية الأميركية. التهمة المزعومة نفسها التي سبق وتذرّعت بها إدارة دونالد ترامب للانسحاب من المجلس قبل حوالي ثلاث سنوات. وكان انسحابه حالة استثنائية، خلافاً للقاعدة المعمول بها، والتي تقول إن "وجود واشنطن داخل المجلس طالما خدم مصالح الولايات المتحدة وأدى إلى انخفاض هام في قراراته المنحازة ضد إسرائيل"، حسب ما جاء في دراسة صادرة عن "مجلس العلاقات الخارجية" الذي يعتبر أحد أبرز المراكز المؤثرة في صناعة القرار الخارجي. وبذلك يكون رجوع إدارة بايدن إلى المجلس، ليس فقط تصحيحاً لخروج سلفه على المألوف في هذا المجال، بل أيضا عودة إلى التعامل الاستنسابي مع موضوع حقوق الإنسان، خاصة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

صحيح أن المجلس ليس أكثر من منبر سياسي دولي بدون صلاحيات تنفيذية، فهو ليس من اختصاصه معاقبة الجهات التي تنتهك حقوق الإنسان. دوره يقتصر على التصويت على قرارات تكمن أهميتها في قوتها المعنوية الضاغطة التي تسلط الأضواء على الانتهاكات، وتذكير أصحابها بأن المجتمع الدولي يواصل ملاحقته لها من خلال المجلس الذي يعتبر أهم وأعلى جهة دولية معنية بموضوع حقوق الإنسان.

مع ذلك، يبقى للمجلس المؤلف من 47 دولة يجري التصويت على عضويتها فيه كل ثلاث سنوات، أهمية رمزية بالنسبة لرئاسة بايدن الذي سبق وتعهد بجعل حقوق الإنسان أحد العناصر الرئيسية لسياسته الخارجية. لكنه لا ينفرد بمثل هذا التعهد، فقد سبق لإدارات كثيرة أن تحدثت بهذه اللغة، لكن التزاماتها بقيت في أحيان كثيرة حبرا على ورق. ولهذا الموضوع قصة طويلة مع واشنطن.

النصوص حول هذه الحقوق غزيرة في التجربة الأميركية، لكن التطبيقات ما زالت حتى الآن منقوصة، بل ومتردية. أبرزها "ميثاق الحقوق" الذي جرى إلحاقه بالدستور مع بدايات الجمهورية، لضمان وحماية حقوق الإنسان الرئيسية من حق التعبير إلى حق المعتقد. ثم قبل 65 سنة تبنّت الولايات المتحدة "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الذي نص على كافة الحقوق المدنية المعمول بها عموما في عالم اليوم. لكن بالرغم من ذلك، بقي الالتزام الأميركي بهذه الأساسيات دون المطلوب.

كثير من الحقوق والحريات ما زالت منقوصة في أميركا. أبرزها بقايا العنصرية التي ما زالت تشكل اللطخة المستعصية. ويعود ذلك إلى "الانتقائية" في التطبيق، ما أدى إلى "توسيع الفجوة بين تبنّي النص وترجمته" على أرض الواقع، حسبما يقول العارفون، الأمر الذي أدى إلى تراجع أميركا في أكثر من ناحية تتعلق بحقوق الإنسان، منها أنها صارت في المرتبة 25 من بين الدول الديمقراطية، وفق إحصاء نشرته الوحدة المختصة في مجلة "إيكونومست" عام 2020.

وينسحب هذا القصور أيضا على صعيد السياسة الخارجية. الولايات المتحدة حتى اليوم لم تصدّق بعد، ومعها الصومال، على معاهدة "حقوق الطفل"، كما رفضت الانضمام إلى اتفاقية روما حول المحكمة الجنائية الدولية. أما فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني فحدّث ولا حرج. منذ أوسلو لم تتغير النغمة، سواء بشأن التوسع الاستيطاني والتعديات شبه اليومية على حياة وأرزاق وحريات وحقوق الفلسطينيين. وفي كل مرة الجواب في الخارجية وغيرها هو نفسه. يكتفي المسؤولون بدعوة الطرفين- للمساواة ضمنا بين المحتل والواقع تحت الاحتلال- عن اتخاذ خطوات تزيد من التوتر وتعرقل الجهود الرامية إلى تعزيز فرص حل الدولتين، مع التركيز على الحرص على تحسين أوضاع الشعب الفلسطيني المعيشية، طبعا من غير التلفظ بكلمة إدانة، ناهيك عن لغة التحذير. علما أن إدارة بايدن اعترفت مؤخرا، وبعد كثير من الإلحاح عليها، بأن الضفة أرض محتلة. أمس الجمعة، سئل المتحدث الرسمي في الخارجية، نيد برايس، عن موقف الإدارة من التوسع الاستيطاني الجاري في القدس الشرقية، وعن تعديات المستوطنين على أصحاب الأراضي الفلسطينيين خلال جني موسم الزيتون، فكان الجواب نفس المعزوفة المعروفة. وفي ذلك ما ينسجم مع غرضها من العودة إلى "مجلس حقوق الإنسان": حماية إسرائيل منه لئلا يلاحقها في قضية حقوق الفلسطينيين. وفي هذا الخصوص لا يختلف بايدن عمن سبقه.