عام على الحكومة الصومالية: حصيلة حروب أهلية سياسية

عام على الحكومة الصومالية: حصيلة حروب أهلية سياسية

24 سبتمبر 2021
رئيس الوزراء البريطاني ونظيره الصومالي في لندن، يوليو الماضي (تولغا أكمن/Getty)
+ الخط -

انقضى عام على تكليف الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، في 17 سبتمبر/ أيلول 2020، محمد حسين روبلي برئاسة الحكومة الفيدرالية، بعد سحب البرلمان الثقة من رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري في يونيو/ حزيران 2020، لترث حكومة روبلي تركة ثقيلة من الخلافات السياسية بين الحكومة والولايات الفيدرالية، إلى جانب مواجهة التحدي الأمني والمعيشي، نتيجة تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الهشّ للبلاد. 

دشّن روبلي مرحلة جديدة من المفاوضات الشاقة مع رؤساء الولايات الفيدرالية للاتفاق على إجراء الانتخابات

وجاء التكليف مترافقاً مع تفاقم حدة هجمات المعارضة السياسية (اتحاد المرشحين للرئاسة) على الحكومة الفيدرالية، بدعوى سرقة الانتخابات الديمقراطية وتهيئة الأجواء لإعادة انتخاب فرماجو. كما اصطدمت الحكومة بخلافات حادة بين الرئيس الصومالي ورئيسي ولايتي بونتلاند، سعيد دني، وجوبالاند، أحمد مدوبي. ووصل ذلك إلى تمديد أقرّه البرلمان لنفسه ولولاية فرماجو، لمدة عامين، وذلك في إبريل/ نيسان الماضي، بعد انتهاء الفترة الدستورية للبرلمان (في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي) وولاية الرئاسة (فبراير/ شباط الماضي)، إلا أن هذه الخطوة أثارت ردود فعل واسعة رافضة محلياً وإقليمياً ودولياً، ما دفع البرلمان إلى إلغاء التمديد في مايو/ أيار الماضي. وعزّزت كل هذه الأجواء مخاوف مرشحي الرئاسة الصومالية، من تمسك الرئيس فرماجو بتمديد ولايته عامين إضافيين، لإعادة انتخابه لولاية جديدة.

وبموجب قرار الرئيس الصومالي وتصويت البرلمان بالإجماع، أواخر إبريل الماضي، تسلّم رئيس الحكومة الفيدرالية محمد حسين روبلي ملفي الأمن والانتخابات، ما خفّف التوترات السياسية والأمنية التي كانت مقديشو قد شهدتها، بعد بروز فصائل مسلحة رافضة لتمديد ولايتي الرئاسة والبرلمان. وجنّب تقلص التوترات الصومال مزيداً من التدهور السياسي والأمني، ليدشّن روبلي مرحلة جديدة من المفاوضات الشاقة مع رؤساء الولايات الفيدرالية، حيث نجح في عقد اجتماع في 27 مايو الماضي لإعلان التوصل إلى اتفاق لإجراء انتخابات غير مباشرة، يشارك فيها زعماء القبائل، لترشيح ممثليهم الذين يحقّ لهم انتخاب أعضاء البرلمان، إلى جانب تشكيل لجان فيدرالية انتخابية أصدرت جداول زمنية عدة لتنظيم انتخابات برلمانية في البلاد. ووفق هذه الخريطة، انتخب أول نائب في مجلس الشيوخ في إقليم جوبالاند في يوليو/ تموز الماضي، ما مهّد الطريق لإمكانية تنظيم الانتخابات النيابية في عموم البلاد، والتي يتوقع أن تنتهي مع حلول ديسمبر المقبل.
تضارب صلاحيات
لكن في خضم هذا المشهد الانتخابي النيابي المتواصل في الصومال، انفجر مع بداية شهر سبتمبر الحالي، بركان خلافات سياسية جديدة، وأزمة دستورية بين رئيس البلاد ورئيس الحكومة الفيدرالية، وهي أزمة خرجت في السابق إلى العلن أيضاً، وترجع أسبابها إلى تضارب الصلاحيات الدستورية بين رئيس البلاد ورئيس الحكومة، والخلاف بشأن شرعية القرارات المتناقضة الصادرة عن كلّ منهما. ويعيد كثير من القانونيين سبب ذلك إلى أن صلاحيات الرئيس فرماجو لا تستند إلى بنود في الدستور، أي أنها غير دستورية، مع انتهاء ولايته الرئاسية في فبراير الماضي، فيما تتمتع قرارات رئيس الحكومة بصفة الشرعية، كون حكومته هي حكومة تصريف أعمال، ويحقّ لرئيسها اتخاذ كافة القرارات لتوجيه البلاد نحو تداول سلمي للسلطة. 

تعود أسباب الأزمة الراهنة إلى تضارب الصلاحيات الدستورية بين فرماجو وروبلي، والخلاف بشأن شرعية القرارات المتناقضة الصادرة عن كلّ منهما

لكن الرئيس الصومالي المتمسك بصلاحياته الدستورية، كونه رئيس البلاد، يواصل إصدار بيانات صحافية واتخاذ قرارات جديدة، آخرها تعليق صلاحيات روبلي مؤقتاً، بذريعة أن الأخير خالف الدستور وخرق القوانين. واعتبر مراقبون أن هذه الخطوة التصعيدية من جانب فرماجو، من شأنها توسيع هوة الخلافات بين الرجلين، محذّرين من جرّ البلاد إلى نفق الفوضى السياسية والأمنية، ما يهدّد منجزات المجتمع الدولي الداعم لاستقرار الصومال.
كما حذّرت أوساط محلية ودولية من مغبة استمرار الأزمة الدستورية في الصومال، والتراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة بين الرئاسة والحكومة، ما يهدد جهود تعافي الاقتصاد الصومالي، في ظلّ توقعات دولية بأن يقفز النمو الاقتصادي في هذا البلد إلى 2.4 في المائة في نهاية هذا العام، بعد عامين من جائحة كورونا التي أثرت سلباً على قطاع التحويلات والزراعة بشكل كبير في الصومال.
وفي السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الوطنية الصومالية فرحان يوسف أن رئيس الحكومة محمد حسين روبلي حقّق إنجازات مهمة دفعت البلاد نحو انتخابات نيابية، بعدما تمكن من استكمال بنود اتفاقية 17 سبتمبر 2020 حول الانتخابات (بين فرماجو ورؤساء الولايات الفيدرالية الخمس)، إلى جانب دخوله في مفاوضات مثمرة مع رؤساء الولايات الفيدرالية، تكللت بالنجاح في مايو الماضي، والتوقيع على اتفاقية تاريخية للمضي قدماً في تنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية، والتي انطلقت في عموم البلاد. كما أجرى روبلي محادثات مع قيادات المعارضة، بهدف الوصول إلى مواقف بناءة تجاه عملية الانتقال السلمي للسلطة، ودعم جهود حكومته لتنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية، بحسب يوسف.
وأشار أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الوطنية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن روبلي أعاد بوصلة السياسة الخارجية إلى مسارها بعد تطبيع العلاقات مجدداً مع كينيا، إثر زيارته الأخيرة إلى هذا البلد، في أغسطس/ آب الماضي، بعد وساطة قطرية لتخفيف حدة التوتر بين البلدين الجارين، الذي استمر لنحو عام، بسبب خلافات حدودية بحرية، وأزمة سحب السفيرين في أواخر 2020. كما زار رئيس الحكومة الصومالية مصر للدفع بالعلاقات الثنائية بين البلدين. ويمكن اعتبار هذه الخطوات من ضمن إنجازات روبلي التي تحسب له على صعيد السياسة الخارجية، بعد فترة توترات دبلوماسية لمقديشو مع دول في الجوار وفي المحيط العربي.

تبرز مخاوف وسط الأزمة من حدوث تصدعات وانقسامات داخل المؤسسة العسكرية الصومالية

وأعرب يوسف عن اعتقاده بأن منح الاستقلالية لجهاز القضاء الصومالي في بتّ قضية اختفاء الضابطة الصومالية في جهاز الاستخبارات إكرام تهليل (23 عاماً)، والتي أثارت خلافات وأزمة دستورية، يمكن أن يحلّ جزءاً من هذه الخلافات بين فرماجو وروبلي، إلى جانب أن يلتزم الرئيس الصومالي بالدستور، وبعدم التدخل بالصلاحيات التنفيذية لرئيس الوزراء، والكف عن سعيه الحثيث إلى عرقلة العمل بالدستور. وبحسب يوسف، فإن على رئيس الحكومة أيضاً احترام القوانين والدستور، وعدم إصدار قرارات مخالفة له، ووقف تدخله في مسار تحقيق العدالة في قضية الضابطة في مواجهة مسؤولي الرئاسة الصومالية، ما من شأنه أن ينزع فتيل الخلافات العميقة بين الرئاسة والحكومة الفيدرالية.
تهديد أمني
وبحسب مراقبين، تواجه الحكومة الفيدرالية في الصومال اليوم معضلة أمنية، تتمثل في التهديدات الدائمة لحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تنفذ هجمات انتحارية في مقديشو ومدن عدة في وسط وجنوبي البلاد، وهي تهدد استحقاق الانتخابات النيابية (مقاعد مجلس الشعب)، مع بروز مخاوف من حدوث تصدعات وانقسامات داخل المؤسسة العسكرية الصومالية.
وفي هذا الصدد، رأى الصحافي الصومالي عدنان علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن خطوة تمديد البرلمان لنفسه ولولاية الرئيس في إبريل الماضي، خلقت أجواء خوف من إمكانية عودة البلاد إلى مربع الحرب الأهلية، نتيجة انقسامات داخل الجيش الصومالي، بعد تفكك كتائب في الجيش بين مؤيد ومعارض للرئاسة الصومالية، وهو ما يؤجج النزاع العسكري داخل المؤسسات الأمنية. كما أن الخلافات الأخيرة بين الرئيس الصومالي ورئيس الحكومة يمكن أن تحدث صدامات بين قيادات جهاز الاستخبارات والأمن الوطني والشرطة الصومالية والجيش، بحسب علي.
ويعتبر متابعون للشأن الصومالي أن تولي رئيس الحكومة ملفي الأمن والانتخابات يشكّل عامل قلق للرئاسة الصومالية، ما يمثل تحدياً آخر أمام الحكومة الفيدرالية، بين تنفيذ رغبة فريق الرئاسة وتحقيق وعود الحكومة لمرشحي الرئاسة الصومالية بأن تجري الانتخابات الرئاسية في أجواء نزيهة وشفّافة. وكان "نادي" مرشحي الرئاسة يتهم روبلي بأنه واجهة انتخابية لفرماجو، كما أن تحدي العجز الاقتصادي الذي يخنق الحكومة يعرقل سير عملية تنظيم الانتخابات النيابية، على الرغم من وعود المجتمع الدولي بمنح ملايين الدولارات لسد هذا العجز وإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في نهاية العام الحالي.
ومع تفاقم حدة الخلافات السياسية بين رئيس الحكومة ورئيس البلاد، يشدّد متابعون على أن طريق الحوار هو المخرج الوحيد لإنهاء الاحتقان السياسي بين السلطتين الأقوى في الدولة. ودعت أوساط محلية وإقليمية ودولية لإنهاء الخلافات عبر الحوار، وتجنيب البلاد مزيداً من الفوضى السياسية والأمنية، مع ضرورة الإسراع في تمكين الصومال من تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية، حفاظاً على مسارات التحول الديمقراطي التي شهدها هذا البلد خلال السنوات الأخيرة.
وأكد الصحافي عدنان علي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الدستورية الراهنة هو الحوار، إذ لا طريق آخر لحماية الاتفاقيات الأخيرة بين رؤساء الولايات الفيدرالية والحكومة الصومالية، والحفاظ على العملية الانتخابية، على أن تشرع الحكومة الفيدرالية في تنفيذ تعهداتها للمجتمع المحلي والدولي بالإسراع في استكمال إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية، التي انطلقت منذ نحو شهرين.

المساهمون