الاقتصاد الصيني يواجه تحديات الديون والتفاوت الطبقي وأثرياء التقنية

الاقتصاد الصيني يواجه تحديات الديون والتفاوت الطبقي وأثرياء التقنية

23 سبتمبر 2021
الرئيس شي يُحكم قبضته على الحزب الشيوعي (Getty)
+ الخط -

بينما يُحكم الحزب الشيوعي قبضته على النشاط الاقتصادي في الصين، ويسعى الرئيس شي جين بينغ إلى ابتداع ثورة شيوعية جديدة في البلاد أوما يطلق عليه البعض "الشيوعية الثانية"، تواجه صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم هزات مالية متواصلة خلال العام الجاري، أدت إلى خسائر أسواق المال في البلاد أكثر من تريليون دولار حتى منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، كما تراجعت ثروات الأثرياء بنحو 100 مليار دولار خلال العام الجاري، وفقاً لتقديرات صحيفة "وول ستريت جورنال".

وطرحت هذه الخسائر والهزات المتواصلة التي بدأت بتراجع أسهم شركات التقنية وامتدت إلى قطاع العقارات، شكوكاً حول نجاح استراتيجية الرئيس شي الجديدة التي ابتدعها للتحول الاقتصادي في البلاد، خاصة في أعقاب انهيار عملاق العقارات، شركة "إيفرغراند"، التي تقف على الهاوية، وربما تعلن إفلاسها في أية لحظة.
وشركة "إيفرغراند" ربما تكون نقطة البداية لمتاعب عديدة يواجهها القطاع الخاص الصيني خلال السنوات المقبلة، على الرغم من النمو السريع والمتواصل الذي حققته البلاد طوال أكثر من 13 سنة، وبنسبة بلغت في المتوسط 15%، حسب بيانات صينية رسمية. في هذا الصدد، يعترف المستشار في بنك الشعب (البنك المركزي الصيني)، لي دواوا كوتي، في تعليقات لقناة "سي أن بي سي" الأميركية أمس الأربعاء، بأن "تداعيات تخلف إيفرغراند ستؤدي إلى تباطؤ قطاعات أخرى في الاقتصاد".
لكن بنك التنمية الآسيوي لم يغير كثيراً توقعاته للنمو الاقتصادي الصيني، رغم متاعب ديون إيفرغراند، إذ توقع نمو الاقتصاد الصيني بنحو 8.1% في عام 2021، و5.5% في العام المقبل 2022.
لكن العديد من خبراء الاقتصاد يعتقدون أن النمو الاقتصادي السريع في الصين حدث بكلف مالية عالية، على رأسها ارتفاع الديون الصينية التي أخذتها الشركات الخاصة والحكومية بالعملات الصعبة لتمويل التوسع الاقتصادي في الصادرات. وبالتالي، ربما تعاني الشركات الصينية المثقلة بالديون الدولارية من أزمات مالية، في حال رفع مصرف الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) سعر الفائدة على الدولار.
وتقدّر صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" التي تصدر في هونغ كونغ، إجمالي ديون الصين بالعملات الصعبة بما في ذلك بالدولار، بنحو 2.4 تريليون دولار في نهاية عام 2020. كما تقدر إجمالي ديون الصين بما في ذلك الديون المحلية باليوان وديون الشركات والدولة والأفراد بنحو 270.1% من إجمالي الناتج المحلي، أي نحو 35 تريليون دولار. وربما يكون هذا الحجم الضخم من الديون هو الذي يزعج القيادة الصينية ودعاها إلى تبني منظور جديد للاقتصاد. وهو المنظور الذي أعلن عنه الرئيس شي لـ"الصين الجديدة"، في 17 أغسطس/آب الماضي.

ويتمحور منظور الرئيس شي حول إعادة توزيع الثروة التي يرى أنها تركزت في يد فئة قليلة من الشعب الصيني، وأن الفجوة في الدخول تفاقمت، وباتت ثروة البلاد حكراً على مجموعة من الأغنياء، بينما الفقر لم يتراجع بالمعدلات المطلوبة، رغم النمو المتواصل الذي حققه الاقتصاد الصيني.
يُذكر أن الصين هي الدولة الكبرى الوحيدة التي تمكّن اقتصادها من النمو بنسبة تراوحت بين 2% و3.0% خلال عام الجائحة 2020 الذي تراجعت فيه الاقتصادات الكبرى وتكبدت انكماشات ضخمة في النمو.
وحسب دراسة لـ"مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، فإن إصلاحات الرئيس شي تتناول ثلاث نقاط رئيسية: الأولى هي إحداث تغيير جوهري في نمط النمو الاقتصادي الصيني، من نمو يعتمد على ارتفاع الصادرات إلى نمو قائم على الاستهلاك المحلي. وهذا يتطلب زيادة متوسط دخل المواطن الصيني عبر رفع الأجور وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين، حتى تتمكن البلاد من زيادة حجم القوة الشرائية التي ستقود النمو الاقتصادي. والمعروف أن الصين بلد مكتظ بالسكان، حيث يتجاوز عدد سكانه 1.3 مليار نسمة، ولا تزال نسبة الفقر بالبلاد كبيرة جداً مقارنة بحجم الثروات المتراكمة.
أما ثاني النقاط في إصلاحات شي، فهي أن الحزب الشيوعي بدأ يضغط على شركات الملكية الخاصة في الصين وعلى كبار الأثرياء في البلاد، عبر زيادة الضرائب عليها، ومطالبة مالكيها بالتبرع بجزء من ثرواتهم وأرباحهم لصالح الشعب.
يُذكر أن الحزب الشيوعي فرض على شركة علي بابا، كبرى شركات التقنية في البلاد، وحدها، التبرع بنحو 15.5 مليار دولار. كما تبنّى الحزب، خلال الشهور الماضية، إجراءات جديدة شددت من اكتتاب شركات التقنية ومراقبة عملياتها، كما أوقفت هيئة البورصات الصينية تسجيل العديد من شركات التقنية. ويرى محللون أن هذه الضغوط أدت إلى تباطؤ الاكتتابات، وربما تقود إلى حرمان شركات التقنية من بعض التدفقات المالية في المستقبل، أو حتى هجرة بعض أصحابها إلى خارج البلاد.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وثالث الإصلاحات التي يركز عليها الرئيس الصيني يتمثل في الاستثمار المكثف في دول آسيا الوسطى، حيث تأمل الصين في تحويل الصناعات الثقيلة والملوثة للبيئة من البر الصيني إلى دول آسيا الوسطى في المستقبل، والتركيز على الصناعات رفيعة التقنية، ذات العائد الإضافي العالي، مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي والشرائح، وذلك وفقاً لدراسة لجامعة جورج واشنطن الأميركية. وقد استثمرت الصين أكثر من 70 مليار دولار في ثلاث دول بآسيا الوسطى، وهي كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان، حتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حسب الدراسة.
لكن خبراء يرون أن الصين ربما تستخدم استثماراتها في آسيا الوسطى في المستقبل لحل مشكلة الأقليات المسلمة في إقليم شينجيانغ، وربما تهجيرهم بصفة عمال في المصانع الصينية المكثفة في دول آسيا الوسطى. وتواجه الصين اتهامات غربية بارتكاب إبادة جماعية لجماعة الإيغور في شينجيانغ، عبر عدد من الوسائل، بينها تحديد النسل قسرياً، وحرمانهم من أداء الشعائر الدينية، وإغلاق المساجد، وعزل صغار السن عن عائلاتهم.

المساهمون