تركيا "الرومانية"... بحث دائم عن كنوز الحضارة

تركيا "الرومانية"... بحث دائم عن كنوز الحضارة

23 سبتمبر 2021
سياح بموقع برغاما الروماني في إزمير (محمود سردار/ الأناضول)
+ الخط -

كل ما تبقّى من آثار الرومان فوق التراب التركي وتحته، سواء من حقبة الحكم الروماني نفسه أو إمبراطورية البيزنطيين الشرقية بعدها، يدل على حضارة إعجازية يصعب مماثلة منشآتها ومعالمها في العصر الحالي للآلات والتكنولوجيا.
كلما استقر الأتراك على قصة التاريخ الأقدم لأرضهم، اكتشفوا آثاراً تغيّر الزمن المحدد. فمن قالوا إن مدينة طروادة شكلت بداية تاريخ هذا البلد بدّلوا رأيهم بعد اكتشاف تلة "أرصلان تبه" بولاية ملاطية، ثم "قبر مدينة ديار بكر" قبل أيام، ما أعاد المنطقة إلى العصر الحجري.
لكن ما تركه الرومان في عموم الولايات التركية خلال حكمهم الذي امتد 14 قرناً يشكل البصمة الكبرى التي لم تمحَ حتى اليوم، وهو ما يحرص الأتراك على إبرازه، فمن يتابع مسلسلات الدراما الخاصة بهم على سبيل المثال يرى استعراضاً لأسوار مدينة إسطنبول، والتركيز على قناطر قناة "فالنس" التي يحسبها بعضهم جزءاً من أسوار القسطنطينية، لكنها أقنية لنقل الماء منذ عهد الرومان.
يقول أستاذ التاريخ في جامعة ماردين، رشيد شيخو، إن "الاكتشافات والأبحاث تشير إلى أن تاريخ تركيا يعود إلى أكثر من 10 آلاف عام. وتعتبر طروادة الأقدم تاريخياً، وبعدها الحضارة الحيثية في الأناضول، ثم اليوراتوس الذين اتخذوا ولاية وان عاصمة لهم، وبعدهم حضارة الفريكيان وعاصمتها غورديون.

قضايا وناس
التحديثات الحية

لكن شيخو يرى أن "الحضارة الرومانية في تركيا تختلف عن سابقاتها، على صعيد طول فترتها الزمنية وآثارها الباقية حتى اليوم. فمنذ الملك أتالوس خلال القرنين الأول والثاني ميلادي، بدأ أوج الحضارة الرومانية في الأناضول، وتلتها الحضارة الرومانية الشرقية أو البيزنطية بعد سقوط روما عام 476، في حين ظلت القسطنطينية عاصمة الرومان الوحيدة وذلك حتى القرن الثالث عشر، ثم دخل الصليبيون إسطنبول الحالية، وطردوا الإمبراطور قسطنطين، وتأسست المملكة اللاتينية".
ويشير شيخو إلى أن آثار الرومان في إسطنبول بقيت خلال دولة السلاجقة ثم السلطنة العثمانية، بعدما دخل محمد الفاتح الولاية عام 1453، علماً أن وجودها لا ينحصر في إسطنبول رغم أنها تحتوي أبرز معالمها، فقلعة زرزوان بولاية ديار بكر جنوب تركيا عمرها أكثر من 3 آلاف عام، وتؤكد عمليات التنقيب التي أجريت في موقعها أنها كانت حامية عسكرية للإمبراطورية الرومانية".
يضيف: "قلعة زرزوان كنز حقيقي، خصوصاً بعدما اكتشف باحثو الآثار قبل عامين معبد الديانة الميثرائية السرية التي اتبعها نبلاء وأباطرة الرومان وانتشرت من القرن الأول إلى القرن الرابع ميلادي. وهو المعبد الوحيد لهذه الديانة التي قامت على عبادة إله الشمس (ميثرا)، مع ملاحظة بناء المعابد تحت الأرض، على الحدود الشرقية للإمبراطورية الرومانية".
ويكشف شيخو أن "تركيا تخطط لاستمرار التنقيب خلال الأعوام الخمسين المقبلة في موقع قلعة زرزوان، خصوصاً بعد اكتشاف قنوات مياه ومساكن لجنود ومقابر صخرية وكنيسة. وقد اختار المجلس الدولي للآثار قلعة زرزوان بين 4 أماكن تاريخية حول العالم لتصوير سلسلة أفلام وثائقية".

الصورة
جانب من أسوار القسطنطينية في إسطنبول (دي أغوسطيني/  Getty)
جانب من أسوار القسطنطينية في إسطنبول (دي أغوسطيني/ Getty)

أسوار القسطنطينية
من جهته، يعتبر الدليل السياحي سردار دونميز في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "أسوار القسطنطينية نقطة جذب رئيسة للسياح من أنحاء العالم خلال زيارتهم إسطنبول، إلى جانب آثار رومانية أخرى بينها دينية مثل آيا صوفيا ومتحف تشورا، في حين يسعون أقل إلى زيارة الآثار العثمانية رغم أن أهميتها لا تقل عن الرومانية".
ورغم أن مصادر تاريخية تحدد بدء بناء أسوار القسطنطينية خلال عهد حكم الإمبراطور قسطنطين الكبير، لكن شكلها المنيع الحالي يعود إلى مطلع القرن الخامس الميلادي حين أمر الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الثاني بجعلها حصناً منيعاً لحماية إسطنبول والدفاع عنها ضد هجمات الأعداء، إذ هدف تصميمه إلى جعل اجتيازها أمراً شبه مستحيل من البر أو البحر. ويفسّر ذلك كيف صمدت القسطنطينية أكثر من 1500 عام في وجه الغزاة من عرب وروس وبلغار.
وتمتد أسوار القسطنطينية على مسافة 23 كيلومتراً، بينها 8 كيلومترات في البر، و6 كيلومترات على جهة المدينة المطلة على خليج القرن الذهبي، و9 كيلومترات تطل على بحر مرمرة. وهي على شكل مثلث هي خريطة إسطنبول القديمة. ورغم مرور الزمن والتعرض لزلازل لا تزال أجزاء كبيرة من الأسوار بحلتها البيزنطية صامدة حتى اليوم.

الصورة
أفس موقع آثري مهم في تاريخ المسيحيين (ويلي ايفينبرغر/ Getty)
أفس موقع أثري مهم في تاريخ المسيحيين (ويلي ايفينبرغر/ Getty)

أفس أهم نقاط الجذب
ويوضح دونميز أن مدينة أفس غرب تركيا تتقدم نقاط الجذب لدى الحديث عن الآثار الرومانية في تركيا، فمسرحها وأعمدتها تعود إلى العصر الحجري، أي إلى 6 آلاف سنة قبل الميلاد، ما يدل على ازدهارها بين القرنين الثالث والخامس قبل الميلاد، علماً أن أهميتها كبيرة بالنسبة إلى المسيحيين تحديداً، لأن الإنجيل المقدس يذكر اسمها "أفسس" وشعبها، ما يجعلها اليوم أهم وجهة للسياح الغربيين، وتستقبل أكثر من مليون سائح سنوياً".
وتنتشر الآثار الرومانية في معظم أراضي تركيا، فيما أوصى موقع "ميدل إيس آي" البريطاني أخيراً بزيارة 5 مواقع أثرية في البلاد من أجل التعرف عليها. وقد أضاف المرشد السياحي دونميز إلى هذه المواقع مدينة أفروديسياس الأثرية في ولاية أيدن التي يشتُقّ اسمها من اسم آلهة الحب والجمال الإغريقية أفروديت، وكانت في العصر الروماني مكانا مهماً للعبادة، ولا تزال آثارها القديمة حاضرة حتى اليوم.

وتشمل المواقع الخمسة التي أورها "ميدل إيس آي" لأهم آثار رومانية في تركيا، معبد أبولو بولاية أنطاليا الذي بناه الرومان نحو عام 150 ميلادي، في ظل حكم الإمبراطور أنطونيوس بيوس، وقناة فالنس المائية في إسطنبول التي استهل تشييدها خلال عهد الإمبراطور قسطنطين وأنجزت عام 368 ميلادي خلال عهد الإمبراطور فالنس الذي أطلق اسمه عليها.
كما تضم قائمة الموقع البريطاني صهريج البازيليك في إسطنبول الذي شيّد خلال عهد الإمبراطور البيزنطي جستنيان، وجرى الحفاظ لقرون على الأعمدة الـ 336 التي تدعمه، ومسرح اسبندوس في أنطاليا (جنوب) الذي بُني خلال حكم الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس، ويُعد بين أفضل المسارح الأثرية المحفوظة في العالم، إضافة إلى عمود قسطنطين أو عمود المحرقة في منطقة الفاتح بإسطنبول الذي يرتفع بطول 50 متراً، وبُني لتكريم الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول عام 330 ميلادياً.

المساهمون