انتخابات الدوما تختتم اليوم: "التصويت الإلكتروني" بروفا للرئاسيات

انتخابات الدوما تختتم اليوم: "التصويت الإلكتروني" بروفا للاستحقاق الرئاسي

19 سبتمبر 2021
اتّسع نطاق التصويت من المنازل عن السنوات الماضية (يفغيني سوفييشوك/Getty)
+ الخط -

تختتم في روسيا، مساء اليوم الأحد، عملية التصويت في انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي، التي من المنتظر أن تسفر عن فوز حزب "روسيا الموحدة" الحاكم بأغلبية المقاعد. ويراهن الكرملين على هذا الاستحقاق الانتخابي لتثبيت الواقع السياسي الجديد، القائم منذ تعديل الدستور الروسي في العام الماضي و"تصفير" عدد ولايات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي بات في إمكانه الترشح لولايتين إضافيتين في عامي 2024 و2030. وتختلف الانتخابات الحالية عن سابقتها من جهة مجموعة من العوامل، بما فيها حملة تضييق غير مسبوقة على المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة، مع مشاركة واسعة لسكان منطقة دونباس (تضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك) الواقعة في الشرق الأوكراني، ممن حصلوا على الجنسية الروسية. واستمر التصويت على مدى ثلاثة أيام، مع اعتماد نظام التصويت الإلكتروني عبر موقع "غوسوسلوغي" للخدمات الحكومية في عدد من الأقاليم، بما فيها العاصمة موسكو. وهو ما رأى فيه البعض أحدث أساليب السلطة لمراقبة التصويت، خصوصاً من قبل الموظفين في الدولة، في ظلّ التراجع غير المسبوق في نسبة تأييد "روسيا الموحدة" إلى نحو 35 في المائة فقط بين من اعتزموا التصويت. وتجري الانتخابات بمشاركة 14 حزباً، بنظام القوائم النسبية التي تضم ما مجموعه نحو 3800 مرشح، بالإضافة إلى حوالي ألفي مرشح بالدوائر الفردية، في ظل العودة إلى النظام المختلط للانتخابات منذ عام 2016.


تراجع تأييد حزب "روسيا الموحّدة" إلى نحو 35%

وعلى الرغم من خوض هذا العدد من الأحزاب سباق الانتخابات، إلا أن نتائج استطلاعات الرأي تظهر أن الكتل في البرلمان الجديد ستكون مماثلة للأحزاب المتمثلة في التشكيلة الحالية، أي أحزاب "روسيا الموحدة" والشيوعي والليبرالي الديمقراطي و"روسيا العادلة - الوطنيون - من أجل الحقيقة"، بعد منع أنصار المعارض المعتقل مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، أليكسي نافالني، من المشاركة في الحياة السياسية، عن طريق تصنيف منظماته كـ"متطرفة".

في هذا الإطار، يعتبر مدير "مجموعة الخبراء السياسيين" (منظمة روسية تضم خبراء ومحللين ومستشارين سياسيين)، قسطنطين كالاتشوف، أن انتخابات الدوما الحالية تشكل بروفا للانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2024، من دون أن يستبعد احتمال تنظيم تظاهرات رافضة للتصويت الإلكتروني بعد الانتخابات. ويقول كالاتشوف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "النظام السياسي في روسيا تكوّن بشكل عام، ولكن نتائج هذه الانتخابات قد تؤثر على النظام الانتخابي. وفي حال نجاح التصويت الإلكتروني، سيتم اعتماده بديل للتصويت التقليدي في الانتخابات الرئاسية في عموم أنحاء البلاد مع الإبقاء على مراكز الاقتراع، وقد يتم الحفاظ على نظام التصويت على مدى ثلاثة أيام".
وحول المستقبل السياسي لـ"روسيا الموحدة" المتراجعة شعبيته، يضيف: "قد يؤدي تراجع نسبة تأييد روسيا الموحدة إلى عودة الكتل في انتخابات الدوما في عام 2026، وقد يخوض الحزب سباق الانتخابات ضمن كتلة أو تحت مسمى آخر. وفيما يتعلق بتوازن القوى داخل السلطة، فسيعتمد الأمر بدرجة كبيرة على شخصية رئيس الدوما، التي ستعكس تنامي أو تراجع نفوذ الشخصيات داخل النخبة ومجموعات النفوذ".

وفي الوقت الذي وجهت فيه الصحافة المستقلة الروسية انتقادات لتوسيع نطاق التصويت الإلكتروني نظراً لصعوبة مراقبة نزاهته، لا يستبعد كالاتشوف خروج تظاهرات رافضة لنتائجه، ويتابع: "يمكن أن نتوقع خروج تظاهرات مناهضة للتصويت الإلكتروني، ولكن رسالة السلطة بسيطة، ومفادها أنه لا يمكن الانتصار عليها في الانتخابات، وإذا خرجتم إلى الشوارع، سيتم تفريق التظاهرات، مثلما تم ذات يوم في الصين حتى لا تجتمعوا لعقود. قد تغير هذه الانتخابات الأمزجة في البلاد، إذا خرج الناس بنتيجة مفادها أن الانتخابات لم تعد تعمل كأداة التغيير".

وبحسب بيانات لجنة الانتخابات المركزية، فإن نحو 2.7 مليون ناخب سجلوا أنفسهم للتصويت الإلكتروني (أكثر من مليونين منهم في موسكو)، وقد أدلى أكثر من 30 في المائة منهم بأصواتهم في أول يوم للتصويت، أول من أمس الجمعة. وكان بوتين من بين المصوتين إلكترونياً على ضوء خضوعه للعزل الذاتي، بعد اكتشاف عدد من المصابين بكورونا في محيطه.

وبوشر العمل بالتصويت الإلكتروني، في السنوات الأخيرة، خصوصاً في انتخابات البلدية عام 2019، ثم جرى اعتماد هذا التصويت في سياق الاستفتاء على التعديلات الدستورية العام الماضي. واستمرّ الأمر في العام الحالي، وفقاً لوكالة "رويترز"، التي كشفت أنه في مسألة التعديلات، كان التصويت عن بعد متاحاً لجزء صغير من الناخبين الروس، أما في الانتخابات التشريعية فقد اتّسع نطاقها. وقالت رئيسة لجنة الانتخابات المركزية الروسية، إيلا بامفيلوفا، إنه خلال هذه الانتخابات سيستخدم التصويت الإلكتروني عن بعد لأول مرة على نطاق واسع. لكن السلطات الروسية، في المقابل، عملت على إغلاق تطبيق نافالني "التصويت الذكي"، لكونه ساهم في فوز المعارضين ببعض المقاعد البلدية عام 2019.

وحذفت شركتا "آبل" و"غوغل" من متجريهما تطبيق "التصويت الذكي" في روسيا، أول من أمس الجمعة. ووفقاً لموقع قناة "بي بي سي" البريطانية، هددت السلطات الروسية بتغريم الشركتين، إذا امتنعتا عن حذف التطبيق الذي كان يدلّ مستخدميه على المرشحين المنافسين لمرشحي الحزب الحاكم. وهدد مسؤولون بارزون في هيئة تنظيم الاتصالات بفرض غرامات كبيرة على أي شركة "تنتهك بشكل ممنهج" مطالب الهيئة، يوم الخميس الماضي. وذكر الموقع أن شركات تقنية المعلومات في روسيا تلقت تحذيراً مفاده أن رفْض حذف التطبيق سيتم النظر إليه على اعتبار أنه تدخّل غير قانوني في عملية التصويت. وفي ليل الخميس، سقطت مستندات غوغل في بعض المناطق، وتعرضت آلية التصويت الذكي على منصة تليغرام لهجوم قوي تسبب في تعطيلها. والتقى ممثلون عن "غوغل" و"آبل" لجنة مجلس الاتحاد الروسي (الغرفة العليا للبرلمان) يوم الخميس الماضي. وقال إيفان غدانوف، حليف نافالني، إن الشركتين ارتكبتا خطأ جسيماً.


يشارك سكان دونباس في الشرق الأوكراني بكثافة في الانتخابات الروسية

من جهته، يرى مدير برنامج "المؤسسات السياسية والسياسة الداخلية الروسية" في مركز "كارنيغي" في موسكو، أندريه كوليسنيكوف، أن أهمية الانتخابات الحالية للسلطة تكمن في خلقها الشرعية بعد "تصفير" عدد ولايات بوتين. ويقول كوليسنيكوف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "هذه الانتخابات مهمة للسلطة من جهة خلقها الشرعية أو تجديد تأكيدها مرة أخرى بعد تصفير بوتين، ولكنها لا تغير أموراً كثيرة في جوهر النظام السياسي. على الأرجح، ستبقى هناك أربعة أحزاب بالبرلمان، وسيكون المجلس قابلا للتحكم فيه ومساعدة بوتين في الانتخابات الأكثر أهمية في عام 2024".

وبدوره، يعتبر عضو المجلس العلمي بمركز "كارنيغي"، نيكولاي بيتروف، أن أهم الأحداث لن تهدأ، بل ستبدأ بعد الانتخابات، مرجحاً أن تشبه هذه العملية أحداث احتجاجات عام 2012، حين كانت السلطة "تؤدب" المجتمع وتعزز السيطرة على النخب لمنع التلاحم بين المواطنين المحتجين ومجموعات نخب ما، ولكنها تستبق هذه المرة الغضب في النخبة بـ"تعقيم الفضاء الإعلامي والمدني".

وفي مقال بعنوان "ما هو دور انتخابات الدوما في التحول السياسي في روسيا؟"، يلفت بيتروف إلى أن روسيا تعيش وستظل تعيش لفترة ما في زمن التغيير الذي بدأ في يناير/كانون الثاني 2020 بالإصلاح الدستوري، مدشناً تحول النظام السياسي الروسي الذي لم يعد المنطق الموحّد كافياً لتفسيره، بل أصبح هناك منطق طويل المدى وآخر قصير المدى.

ويلخص كاتب المقال منطق قصير المدى في مواجهة وباء كورونا وتسميم نافالني وكيفية التعامل مع الاحتجاجات في مدينة خاباروفسك في أقصى الشرق الروسي وجمهورية بيلاروسيا المجاورة في العام الماضي. أما المنطق بعيد المدى فيتعلق بعلاقة النخب والمجتمع المدني، وكذلك بحق وسائل الإعلام.


أزالت شركتا "آبل" و"غوغل" تطبيق نافالني من منصاتهما

ويصف انتخابات الدوما الحالية بأنها "حلقة هامة من التحول السياسي" رغم تقليصها إلى إجراء يكاد يكون غير ملحوظ وتميز بضغوط قوية حتى على المعارضة النظامية، مع استخدام وسائل بدائية مثل توزيع الأموال، في إشارة إلى الإعانات التي تم صرفها للمتقاعدين وأفراد الجيش والجهات الأمنية وطلاب الكليات العسكرية عشية الاستحقاق.
ويخلص الباحث السياسي الروسي إلى أن الدوما بتشكيلته المستجدة سيكون هو "جهة السلطة الوحيدة التي تمتد صلاحياتها إلى ما بعد عام 2024 المحوري للمنظومة"، وستؤدي دور "الضامن السياسي للترانزيت"، مهما كان معنى ذلك في الظروف الروسية الحالية.

من جانبها، تقلّل المحللة السياسية الروسية، تاتيانا ستانوفايا، في مقال بعنوان "هل هناك حياة بعد الانتخابات؟ ثلاثة أسباب لزيادة القمع بعد حملة الدوما" نُشر بصحيفة "ريبابليك" الإلكترونية، من الادّعاءات أن القمع خلال الحملة كان يعود فقط إلى خوف السلطة من الهزيمة. وتُعيد ستانوفايا السبب الأول والرئيسي إلى أن القمع السياسي يسوده منطق "تعزيز الأمن القومي" بالقوة، ولا يمكن ربطه بالدورة الانتخابية وحدها.

أما السبب الثاني، فهو احتمال تحوّل الانتخابات إلى عامل محفز لموجة القمع حتى بعدها، مشيرة إلى رفع لجنة التحقيق الروسية قضية جنائية على خلفية "الدعوة إلى أعمال الشغب" أثناء الانتخابات. ويتجلى السبب الثالث في تزايد التوترات الجيوسياسية، مما يضطر السلطات الروسية إلى تبني مواقف أكثر دفاعية مرة تلو الأخرى في العلاقات مع الغرب. ومن اللافت، وفقاُ للكاتبة، أن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا رفضت إيفاد مراقبيها إلى انتخابات الدوما، بعد قرار السلطات الروسية تقليص عدد المراقبين المعتمدين بمقدار عشرة أضعاف مقارنة مع انتخابات عام 2016.

المساهمون