الحريات والحقوق في تونس بخطر: تطمينات قيس سعيّد لا تكفي

الحريات والحقوق في تونس بخطر: تطمينات قيس سعيّد لا تكفي

02 اغسطس 2021
منظمات تونسية تشكّل لجنة لرصد التجاوزات ضد حقوق الإنسان (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

ما زالت الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد، في 25 يوليو/تموز الماضي، بما في ذلك تعليق عمل البرلمان لمدة 30 يوماً، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان)، وما تلاها من خطوات إضافية، عدت بمثابة انقلاب على الدستور والنظام السياسي، تلقي بظلالها على المشهد في البلاد. وتثير التطورات المتلاحقة في تونس مخاوف من ضرب الحريات وحقوق الإنسان، بسبب تعدد التوقيفات لشخصيات سياسية في الأيام الأخيرة، وذلك على الرغم من التطمينات المتتالية التي يقدمها سعيّد في كل خطاباته.
وأعلنت عدة منظمات وطنية في تونس عن تكوين لجنة لمتابعة هذه الإجراءات، وخصوصاً مدى احترام حقوق الإنسان والحريات ورصد التجاوزات، فيما أعربت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن قلقها إزاء الوضع في تونس، منذ أن تولى سعيّد كامل السلطات واعتقال نائب مستقل معروف بانتقاده للجيش والرئيس. وقال مدير المنظمة لشمال أفريقيا، إريك غولدستين، أمس الأول، إنّ اعتقال النائب ياسين العياري "يؤكد ما كان يُخشى منه من أنّ الرئيس سعيّد قد يستخدم سلطاته غير العادية ضد معارضيه". كما أعربت المنظمة عن قلقها إزاء اعتقال أربعة أعضاء من "النهضة"، بينهم عضو بمجلس الشورى للحركة وآخر ينتمي لطاقم التشريفات (البروتوكول) التابع لرئيس الحركة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وثالث كان حارسه الشخصي سابقاً، لفترة بزعم السعي إلى "ارتكاب أعمال عنف" أمام البرلمان.

آمنة قلال: الأفعال ستؤكد مدى احترام حقوق الإنسان

وقالت مديرة مكتب "هيومن رايتس ووتش" في تونس آمنة قلال، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ أبرز مخاوفهم تكمن في تجمع السلطات بيد شخص واحد، ما قد يقود إلى التفرد بالسلطة ونوع من الاستبداد، مؤكدة أنه يؤمل أن يكون هذا الحل وقتياً، وألّا تتحول هذه التدابير الاستثنائية إلى طريقة لإدارة الشؤون العامة بصورة دائمة. وأعلنت قلال أنّهم يتابعون الوضع بشكل كبير، ولا بد من احترام حقوق الإنسان، مشيرة إلى أنّه حتى خلال التدابير الاستثنائية لا يجب أن يكون هناك انحراف بالحقوق والحريات التي نص عليها الدستور. وبينت أنّه لا بد من احترام شروط المحاكمات العادلة، والامتناع عن تصفية الحسابات، فليس هذا المطلوب في تونس، بل لا بد من محاسبة حقيقية على جميع المستويات، وبعيداً عن الإفلات من العقاب، لأنّها تؤدي إلى تعفن المناخ عموماً، معتبرة أن المحاسبة يجب أن تشمل الجميع، وحتى الأمنيين، وجلّ قضايا الفساد والإرهاب.
ولفتت قلال إلى أنّ التوقيفات وتحرك النيابة العمومية جاءا بعد رفع الحصانة، وبالتالي كان هناك محرك سياسي مباشرة بعد قرارات رئيس الجمهورية التي تقضي باتخاذ تدابير استثنائية. وأعلنت أنّه لا بد من التثبت من الإجراءات، إن كانت سليمة أو لا، وهل احترمت الشروط المنصوص عليها من حضور المحامي واحترام حقوق الأشخاص الموقوفين؟ وأشارت إلى أنّ هناك قضايا سيتم التثبت منها، فهل هي مرفوعة في السابق أم تمت إثارتها فقط الآن؟ وأوضحت أنّه سيتم النظر في الملفات حالة بحالة.

وأشارت إلى أنّهم يتابعون قضية النائب ياسين العياري، والقضية نفسها لا تخلو من إشكالات، كما أنّ محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية مرفوضة، وأيضاً محاكمات الرأي بصفة عامة. وحول التطمينات التي قدمها سعيّد بخصوص احترام الحقوق والحريات، أوضحت قلال أنّ التطمينات جيدة، ومن المهم أن يكون هناك تطمينات، لكنّ الأفعال هي التي ستؤكد مدى احترام الحريات وحقوق الإنسان، وبالتالي سيتم انتظار الأيام المقبلة لتُبين هل أنّ هذه التصريحات كانت كافية أم لا.
من جهته، قال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمال مسلم، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ منظمات وطنية عقدت اجتماعاً مشتركاً، أخيراً، وقررت تكوين لجنة لمتابعة مدى احترام حقوق الإنسان والحريات خلال التدابير الاستثنائية. وأكد أنّه خلال التدابير الاستثنائية قد لا يقع احترام الحريات والحقوق، مشيراً إلى أنّه سيتم رصد السياسات العامة، وإذا تمت ملاحظة تجاوزات فسترسل مباشرة إلى رئاسة الجمهورية. وأوضح أنّه خلال الظروف الاستثنائية، وعندما تجتمع السلطات بيد شخص واحد، تصبح المخاوف مشروعة نظرياً، مبيناً أنّه لا بدّ من المتابعة واقعياً. وأشار إلى أنّه عندما تم منع ممثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ونائبة رئيس نقابة الصحافيين من دخول التلفزيون الوطني تدخلت الرابطة وطالبت بفتح تحقيق في الحادثة، فالمرفق العام يجب ألّا يكون عرضة للتجاذبات، وحرية التعبير لا يجب التعدي عليها.
وبيّن مسلم أنّه تم الاتفاق، داخل اللجنة، على آليات الإبلاغ عن التجاوزات ومتابعة الشكاوى، مؤكداً أنّ اللجنة بصدد رصد التوقيفات والإحالة على المحاكمات، ولا بدّ من احترام معايير التوقيف والمحاكمة العادلة بعيداً عن الانتقام والتشفي. وأشار إلى أنّ البعض قد يستغل الفرصة للانتقام من الخصوم، مؤكداً أنّه لا يجب ظلم أيّ كان، وموضحاً أن دورهم كرابطة هو الدفاع عن أي مظلوم. وتابع: لا بد من احترام القانون التونسي والدولي، ولا بد من محاكمات عادلة دون التدخل في القضاء. وأشار إلى أن الرئيس أكد لهم أنه سيضمن شخصياً احترام الحقوق والحريات، وأن يتم إبلاغه بأي تجاوزات، لكنّ الفعل العملي هو الفيصل، وإن تم الإبلاغ ولم يقع التفاعل فسيكون هذا مؤشر خطير، إذ لا ضمانات مطلقة تؤكد عدم المس بالحقوق والحريات للتونسيين والتونسيات.

تجمع السلطات بيد شخص واحد قد يقود إلى نوع من الاستبداد

وأكد رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الرحمن الهذيلي، أنّهم يتابعون بانشغال كبير التدابير الاستثنائية المتخذة وتطورات الوضع في البلاد. وقال لـ"العربي الجديد" إنّ البلاد تعيش منذ فترة أزمة اجتماعية واقتصادية، وسيتم متابعة الوضع، وإن كانت هناك إجراءات جديدة بالتوازي مع الجانب السياسي. ولفت الهذيلي إلى أنّهم سيركزون في المنتدى على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، إذ إنّ هناك ملفات متشابكة عدة، وأغلبها يعود إلى التنمية وتفاقم البطالة والهجرة السرية، والعاطلين عن العمل، وجلها ملفات تنتظر مبادرات وحلحلة للأزمة، خصوصاً أنّها عالقة منذ أكثر من 10 أعوام، وظلت تتراكم، وهناك خشية من أن يزيد الوضع تعقيداً.
من جهته، رأى رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب فتحي جراي، أنّ هاجسهم في دولة القانون والمؤسسات أن يأخذ القانون مجراه، واحترام الدستور. وقال لـ"العربي الجديد" إنّ الضمانات الهامة التي تكفل حماية الحقوق والحريات والمكتسبات الفردية والجماعية للثورة هي ضرورة احترام السقف الزمني لإنهاء العمل بالإجراءات الاستثنائية التي وضعها الرئيس لمدة شهر. واعتبر أنّنا اليوم أمام أمر واقع، لكنّ المطلوب ضمانات لكي يأخذ القانون مجراه، مشيراً إلى ضمان المحاكمة العادلة لكلّ من ستشملهم المحاسبة، وضرورة حضور المحامي أثناء التحقيق، واحترام استقلالية الهيئات الدستورية والعمومية وتيسير عملها، واحترام الدستور واستقلالية السلطة القضائية.
ولفت جراي إلى أنّه تم طرح مقترحات، منها طمأنة التونسيين والفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، ووضع مجلس حكماء استشاري لدى قيس سعيّد للاستفادة من أفكارهم والاستئناس بها. وأكد أنّ من الضمانات الأخرى المطلوبة البدء بإدارة حوار وطني، ووضع أجندة موحدة وتجانس بين الفاعلين رغم الاختلاف، مع مراجعة قانون الانتخابات ونظام الحكم، إلى جانب وضع خريطة طريق، واحترام السقف الزمني المحدد لتعود الحياة إلى نسقها، وتستكمل المؤسسات الدستورية دورها.

المساهمون