توقيفات "خارج المعاهدات الدولية" في تونس

توقيفات "خارج المعاهدات الدولية" في تونس

02 اغسطس 2021
توقيفات كثيرة في تونس لأسباب مختلفة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

تتمسك تونس بمواكبة المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وأوضاع السجناء، لكن حال مراكز الاعتقال في أراضيها سيئة جداً، كما أن تنفيذ قوانين الاحتجاز يشهد انتهاكات خضعت أخيراً لحجج مرتبطة بوباء كورونا

تشكل الأوضاع في مراكز التوقيف والسجون في تونس موضع اهتمام منظمات حقوقية عدة منذ سنوات، لا سيما في ما يتعلّق باكتظاظ الزنزانات فيها، والذي فاق أحياناً 300 في المائة من قدراتها الاستيعابية. وما يزيد الوضع سوءاً واقع أن مباني غالبية السجون الـ28 التي تضمها البلاد قديمة جداً، ولا تلبي احتياجات توقيف عدد كبير من المعتقلين والمحكومين. وبالطبع، لا يتلاءم الواقع السائد في السجون اليوم مع انتشار فيروس كورونا، الذي يفاقم المخاوف من انتشار الوباء بين أكثر من 30 ألف سجين. 

وتعزو غالبية المنظمات الحقوقية أسباب الاكتظاظ إلى عدم تفعيل العقوبات البديلة، وإصدار القضاء أحكاماً بالسجن حتى في جرائم مصنّفة بأنها صغيرة، ويمكن إبقاء المشبوهين فيها في حال إطلاق سراح مع إخضاعهم لمراقبة مشددة أو إجراءات مثول دورية أمام أجهزة الأمن. كما تربط الاكتظاظ بتباطؤ سير المحاكمات وارتفاع عدد المتهمين الموقوفين احتياطياً بنسبة 60 في المائة. 

والحقيقة أن مدة التوقيف الاحتياطي لمتهمين لم تكن محددة قبل صدور القانون رقم 70 في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987، الذي وضع للمرة الأولى في تاريخ تونس ضوابط لفترة التوقيف الاحتياطي ضمن فترة ستة أشهر، مع إمكان تمديدها مرة واحدة بالنسبة إلى تهم الجنح، ومرتين بالنسبة إلى تهم الجناية، شرط ألاّ تتجاوز فترة كل تمديد ستة أشهر. ولاحقاً، خفّض القانون رقم 114 الصادر في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1993 مدة التوقيف الاحتياطي عند التمديد، إذ منح المشرعون قاضي التحقيق سلطة تمديد فترة التوقيف "في حال اقتضت مصلحة التحقيق ذلك لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر بالنسبة إلى الجنح، ولمدّة أربعة أشهر بالنسبة إلى الجنايات، وهو ما يمكن تطبيقه مرتين". ومعلوم أن قرار تمديد فترة التوقيف الاحتياطي قابل للاستئناف.

أما بند الاحتجاز لاستكمال التحقيق، فيسمح لمسؤولي تطبيق العدالة، من ضباط شرطة ورؤساء مراكز أمنية وضباط في جهاز الحرس الوطني ورؤساء مراكز ومعاونين أمنيين، بتوقيف المشبوهين لمدة 3 أيام في حالات تفرضها متطلبات التدقيق في وقائع المخالفات المرتكبة، مع وجوب إعلام وكيل النيابة العدلية. وهذه المدة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط بموجب قرار صادر من وكيل النيابة العدلية أو قاضي التحقيق المناوب.

ويعرّف البند 84 من قانون الإجراءات الجزائية الاحتجاز لاستكمال التحقيق بأنه "يشمل مشبوهين في ارتكابهم جرائم جنائية وجنح، وذلك في حال توافر أدلة قوية تستلزم التوقيف الذي يعتبر وسيلة لتجنب ارتكاب جرائم جديدة، أو لضمان تنفيذ العقوبة، أو لتأمين سلامة التحقيق".

وينصّ البند 85 من قانون الإجراءات الجزائية على "أنّه يتحتم الإفراج عن المشبوهين، بضمان مكان إقامتهم أو من دونه، بعد 5 أيام من استجوابهم، في حال لم يسبق الحكم عليهم بأكثر من ثلاثة أشهر سجناً، وكان الحد الأقصى للعقوبة الخاصة بالتهمة المرتكبة التي ينظر فيها السجن سنة واحدة".

يكشف تقرير أصدرته المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أن "عدد السجناء المحكومين يبلغ 22,900، والموقوفين احتياطياً 13 ألفاً. أما عدد المحكومين بالإعدام فهو 138، ينتظر 80 منهم تنفيذ الأحكام النهائية ضدهم. 

يحدد رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب فتحي جراي لـ"العربي الجديد" عدد السجناء بلا محاكمات بـ13 ألفاً. ويوضح أن هذا الأمر "مرتبط ببطء المسار القضائي وإجراءاته الطويلة". 

الصورة
مطالب دائمة بإطلاق موقوفين وسجناء (شاذلي بن إبراهيم/ فرانس برس)
مطالب دائمة بإطلاق موقوفين وسجناء (شاذلي بن إبراهيم/ فرانس برس)

من جهته، يشير عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي لـ"العربي الجديد" إلى أن "سجناء كُثراً تجاوزت فترة توقيفهم احتياطياً سنة ونصف السنة، ما يشكل خرقاً للقانون. وهو ما يبرره الجسم القضائي باكتظاظ المحاكم وارتفاع عدد الدعاوى، وتأثير جائحة كورونا على سير عمل المحاكم، علماً أن القضاة نفذوا إضراباً عن العمل لمدة تجاوزت الشهر احتجاجاً على ظروف العمل داخل المحاكم، وغياب إجراءات الوقاية خلال الجائحة". 

من جهتها، تشير الناشطة الحقوقية مريم منور، في حديثها لـ "العربي الجديد"، إلى أن "عملية التوقيف الاحتياطي تطرح إشكالات، في ظل احتجاز مشبوهين كُثر فترة تجاوزت السنة ونصف السنة، وهو ما يؤكده محامون كثيرون. والتوقيف الاحتياطي في نهاية المطاف إجراء ظالم في قضايا عدة، ولا يلتزم مبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته".

في بيان مشترك أصدرته أخيراً، دعت 12 منظمة وطنية وجمعية، بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين ونقابتا الأطباء والصحافيين والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الرئيس قيس سعيّد إلى العفو عن أكبر عدد من السجناء "من أجل تدارك أي أمر طارئ يتعلق باحتمال تفشي وباء كورونا داخل السجون".

وطالبت المنظمات الرئيس أيضاً بتوسيع المعايير المعتمدة في إقرار عفو خاص، عبر تطبيق شرط تنفيذ نصف العقوبة، والاستغناء عن معايير أخرى أكثر صرامة من أجل حماية أكبر عدد من الأشخاص. كما اقترحت المنظمات "توسيع لائحة الجرائم التي قد يشملها العفو، وتفعيل آلية تقليص فترة العقوبات لجرائم غير مدرجة على لائحة الإفادة من هذا الإجراء في الظروف العادية". ولفتت أيضاً إلى أهمية منح أكبر عدد من الموقوفين احتياطياً حق الإفراج عنهم، وتخفيف شروط احتجازهم.

وكانت وزارة العدل أعلنت، في يونيو/ حزيران 2020، أنّها تعدّ دليلاً لتوضيح إجراءات التوقيف الاحتياطي التزاماً بمعاهدات دولية في هذا الشأن. وأكدت أن الآليات البديلة لهذه العملية، مثل السوار الإلكتروني، "محاولة للحفاظ على حقوق الإنسان وتطوير المنظومة القانونية في البلاد".

المساهمون