العراق: مبادرة من الكاظمي لتحييد سلاح الفصائل قبل الانتخابات

العراق: مبادرة من الكاظمي لتحييد سلاح الفصائل قبل الانتخابات

24 يونيو 2021
تخشى المناطق الخاضعة لسيطرة "الحشد" من تأثير السلاح (فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر سياسية في العاصمة العراقية بغداد، أمس الأربعاء، عن عزم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على خوض جولة لقاءات مع مختلف قادة الكتل السياسية الرئيسية في البلاد، للاتفاق على وثيقة تؤكد على أهمية منع تدخل الفصائل المسلحة في العملية الانتخابية بأي شكل أو صورة. ويتطلع الكاظمي أيضاً إلى تجريم استخدام الخطاب الطائفي والعنصري داخل المجتمع، في خطوة استباقية تهدف لتعزيز ثقة الشارع بأهمية المشاركة في الانتخابات المقررة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وتشير المصادر إلى أن الحراك سيتم قبل انطلاق الحملات الانتخابية المقررة في مطلع شهر سبتمبر/ أيلول المقبل. وحول خطوات رئيس الحكومة، يقول نائب بارز لـ"العربي الجديد"، إن الحراك يحظى بدعم زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، ورئيس "تيار الحكمة" عمار الحكيم، ورئيس تحالف "النصر"، رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، إلى جانب بعثة الأمم المتحدة في بغداد. ويهدف بالمحصلة إلى التوصل لعقد سياسي أو وثيقة، تتضمن منع الفصائل المسلحة من التدخل في العملية الانتخابية، بدأ من مرحلة الدعاية الانتخابية مروراً بعملية الاقتراع ولغاية إعلان النتائج مهما كانت طبيعتها. ويكشف النائب أن قوى وكتلاً سياسية نقلت مخاوفها للأمم المتحدة بشأن تنامي نفوذ فصائل مسلحة في مناطق ترشحها ودوائرها الانتخابية، خصوصاً في نينوى وديالى وصلاح الدين وبغداد وبابل، وتأثيرها على الناخبين. وينقل عن تلك القوى خشيتها من ترشح كتل تمتلك أساساً أجنحة مسلحة لها في تلك المناطق، مثل كتلة "صادقون" التابعة لجماعة "عصائب أهل الحق"، وكتلة "بدر" التابعة لـ "منظمة بدر"، وكتلة "سند" التابعة لفصيل "جند الإمام"، وكتلة "عطاء" بقيادة رئيس "هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض، عدا عن تشكيلات ومليشيات أخرى قررت عدم خوض الانتخابات لكنها لا تخفي دعمها لكتل محددة.


يتطلع الكاظمي أيضاً إلى تجريم استخدام الخطاب الطائفي والعنصري

ووفقاً للنائب ذاته، فإن الوثيقة تتضمن تأكيداً على أهمية تفعيل قوانين مفوضية الانتخابية في تجريم الخطاب الطائفي والعنصري بالحملات الانتخابية وإبعاد المرشح الذي يثبت عليه ذلك، فضلاً عن مسألة استخدام المال العام والتأثير الحكومي في الحملات الانتخابية. ويأتي الحديث عن نوايا التحرك الحكومي الجديد، بعد أسابيع من إعلان عدد من الكتل والقوى المدنية، التي تشكلت حديثاً من رحم التظاهرات الشعبية جنوبي العراق ووسطه وفي بغداد، مقاطعتهم للانتخابات المقبلة. كما قررت قوى أخرى تعليق مشاركتها مؤقتاً، مثل الحزب الشيوعي العراقي، احتجاجاً على استمرار عمليات قتل الناشطين والمتظاهرين وعجز الحكومة عن إيقاف ذلك أو الكشف عن الجهات المتورطة.

وينتشر أكثر من 80 فصيلاً مسلحاً ضمن "الحشد الشعبي"، في شمال وغرب ووسط العراق، كما تتوزّع مكاتب وممثليات ومعسكرات لتلك الفصائل في مناطق الجنوب والوسط وبغداد، تمارس أنشطة سياسية واجتماعية ودينية واقتصادية.

وكان البرلمان العراقي قد أقرّ في عام 2015 "قانون تنظيم الأحزاب"، المعروف بقانون رقم 36، وهو أول قانون تمت صياغته لتنظيم عملية تشكيل الأحزاب في البلاد وعملها. وتضمّن القانون بنوداً عدة، من بينها حظر تأسيس الأحزاب على نطاق طائفي أو عنصري، وكذلك الارتباط بالخارج، وحظر مشاركة الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة بالعملية السياسية. لكن القانون انضم إلى باقي القوانين العراقية المعطلة، إذ شاركت كثير من الفصائل المسلحة التابعة لـ"الحشد الشعبي" في الانتخابات التي جرت في مايو/ أيار 2018، كما مررت المفوضية الحالية للانتخابات طلبات خوض الكتل ذاتها للانتخابات المقبلة.

من جهته، يعتبر عضو تيار "الحكمة"، النائب محمد اللكاش، أن الحديث عن أي تحرك سياسي أو حكومي لتصحيح مسار الانتخابات وضمان نزاهتها، خطوة ممتازة وضرورية. ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "حتى لو تأكدت هذه المبادرات، وتم التوقيع على مذكرات أو وثيقة شرف خاضعة لمدى التزام الأطراف الموقعة بها، إلا أن المظاهر المسلحة والترويج الطائفي والعنصري خلال فترات الانتخابات أدت سابقاً إلى تشكيل نماذج سيئة من التشكيلات الحكومية، لم يجنِ منها الشعب العراقي أي مكتسبات إيجابية. لذلك لا بد من منع السلاح المنفلت من التدخل أو التأثير على الانتخابات بأي شكل من الأشكال، وطريقة المنع لا تكون عبر استخدام القوة، بل بالحوار والتفاوض".


لا يمكن المشاركة في الانتخابات طالما هناك سلاح  وعصابات ومليشيات وفصائل مسلحة

وفي شأن المقاطعة الانتخابية، يشير حسين الغرابي، وهو رئيس حركة "البيت الوطني"، إحدى التكتلات السياسية المدنية المنبثقة من ساحات التظاهرات خلال الأشهر الأخيرة، إلى أن "القوى السياسية التي انسحبت من المشاركة في الانتخابات لديها أسبابها الكثيرة. ومن أبرز هذه الأسباب استمرار قتل الناشطين والمرشحين للانتخابات من المدنيين والعلمانيين المستقلين والوطنيين، لذلك فإن الانتخابات المقبلة قد تكون أكثر دموية من أي انتخابات مضت". ويشدّد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، على أنه "لا يمكن المشاركة فيها ودعمها طالما أن هناك سلاحاً منفلتاً وعصابات ومليشيات وفصائل مسلحة، بعضها مدعومة من قوى سياسية ومن أطراف خارجية أيضاً". وحول وضع حكومة الكاظمي، يقول الغرابي إن "موقفها ضعيف تجاه معالجة أو مواجهة هذا الملف حتى لو نالت تأييداً سياسياً لوثيقة الشرف، لكن من مسؤوليات الحكومة أيضاً توفير بيئة وأجواء آمنة للسياسيين المستقلين وحماية الناخبين من التأثيرات المسلحة".

ويعتبر الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الشريفي أن "توجه حكومة الكاظمي أو الأمم المتحدة إلى الأحزاب والكيانات العراقية التي تمتلك أجنحة مسلحة، ومحاولة الاتفاق معها على حصر سلاحها مؤقتاً وخلال فترة الانتخابات فقط، يمثل فشلاً سياسياً وأمنياً". ويسأل في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "لماذا تتوجه الحكومة إلى الاتفاق مع الفصائل المسلحة من أجل عدم التأثير على الناخبين، في ظل وجود دستور وقوانين تمنع هذه الفصائل من فرض التأثيرات السياسية؟". ويرى أن "الكاظمي ربما بات يعرف أن انسحاب القوى الوطنية والمدنية من السباق الانتخابي، سيؤثر على حجم المشاركة، وهو يريد أن تعود بعض هذه القوى إلى السباق، في سبيل ضمان المباركة الدولية على الأقل للانتخابات المقبلة".