المصارف الغربية تُراكم النقود خوفاً من التضخم وفقاعة الأسهم

المصارف الغربية تُراكم النقود ... جي بي مورغان يكتنز نصف ترليون دولار

17 يونيو 2021
يواصل مصرف "جي بي مورغان" الأميركي مراكمة السيولة النقدية منذ شهور تحسباً للمستقبل (Getty)
+ الخط -

باتت صورة مستقبل النمو الاقتصادي العالمي ومعها المشهد الاستثماري غامضة ومربكة أمام أصحاب الثروات والمدخرات، سواء كانوا مستثمرين ومؤسسات مالية أو مصارف تجارية، وبات معها اتخاذ القرار الاستثماري صعبا ومعقدا، في ظل تناقض المؤشرات والتوقعات.

ومع هذا المشهد تراوح قرارات المستثمرين بين الحفاظ على السيولة النقدية، على أمل حصد العوائد المرتفعة بسبب توقعاتهم لدورة التضخم المرتفع، وبين مواصلة المغامرة والاستثمار في "فقاعة الأسهم" التي تضخّمت أصولها وربما تنفجر في أية لحظة.

وحتى الآن يضغط ارتفاع الطلب على المعادن فوق المعروض، وزيادة سعر المشتقات النفطية، واستمرار مشاكل سلاسل الإمداد، على السلع والمنتجات ويرفع أسعارها في الاقتصاديات الكبرى.
وبينما يرى مصرف الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" أنّ ارتفاع معدل التضخم الحالي حالة طارئة وسيستمر لفترة قصيرة يحذر العديد من كبار المصرفيين ومديري صناديق الاستثمار في أميركا وأوروبا من مخاطر تجاهل التضخم، ويرون أنه سيستمر لفترة طويلة، ويتحسبون لذلك في استراتيجية استثماراتهم بالأصول في الشهور الأخيرة.

ويرى محللون أن ارتفاع أسعار المشتقات وتوقعات تحليق الخامات النفطية وتأثيرها على الأسعار لا يمكن للمصارف المركزية الغربية تجاهلها في حساب التضخم الذي ارتفع إلى 5% بالولايات المتحدة في مايو/ أيار الماضي.

في هذا الصدد، يواصل مصرف "جي بي مورغان" الأميركي مراكمة السيولة النقدية منذ شهور تحسباً للمستقبل.

وقال الرئيس التنفيذي للمصرف الاستثماري، جيمي ديمون، في مؤتمر مورغان ستانلي، عقد يوم الاثنين عبر الفيديو، إن مصرفه يحتفظ بالسيولة النقدية وأن "النقد هو الملك" في الوقت الراهن.

وأشار ديمون إلى أن المصرف يواصل مراكمة السيولة بدلاً من استثمارها في شراء سندات الخزانة الأميركية أو الأدوات الاستثمارية الأخرى.

وقال ديمون في المؤتمر " لدينا الكثير من السيولة النقدية والقدرات وسنكون صبورين، لأننا نعتقد أن التضخم سيكون أكثر من طارئ وسيستمر لفترة طويلة". وذكر أن لدى "جي بي مورغان"، أكبر المصارف الأميركية، نصف تريليون دولار من السيولة النقدية يدخرها للاستثمار مستقبلاً في الأصول "ذات العوائد المرتفعة".
ومصرف "جي بي مورغان" ليس وحده الذي يدخر السيولة في الوقت الراهن فهنالك العديد من المصارف الأميركية التي خفضت من معدل قروضها واحتفظت بالسيولة ومراقبة توجهات السياسة النقدية وتداعيات التضخم على أسواق المال التي حققت أعلى ارتفاعاتها خلال العام الماضي وواصلت ارتفاعاً قياسياً خلال الأشهر الخمسة الأخيرة رغم الهزات.
في ذات شأن مراكمة السيولة، قال مصرف "يو بي أس" السويسري إن المستثمرين يدخرون السيولة ولا يوظفونها تحسباً للمستقبل وما يترتب على التضخم وتداعياته على الأصول.

وقال المصرف في مسح بين المستثمرين إنهم يدخرون نحو 10% من أصولهم في الحسابات المصرفية النقدية.

وذكر في المسح أن المستثمر المتوسط يحتفظ بنحو 22% من أصوله في السيولة النقدية. والملفت أن الاحتفاظ بالسيولة في فترة الفائدة المنخفضة والصفرية وحتى تحت الصفرية لا يدرّ عائداً على الاستثمارات، ولكن رغم ذلك، فإن التوجه نحو السيولة يواصل الارتفاع وربما يعكس المخاوف من المستقبل في فترة التعافي من جائحة كورونا.

وبحسب مصرف "يو بي أس" فإن بعض المستثمرين يحتفظون بالسيولة تحسباً للطوارئ وآخرين خوفاً على أموالهم من دورة تراجع أسواق الأسهم.

هنالك العديد من المصارف الأميركية التي خفضت من معدل قروضها واحتفظت بالسيولة ومراقبة توجهات السياسة النقدية وتداعيات التضخم على أسواق المال

ويرى العديد من الخبراء أن الضخ المتواصل لأموال التحفيز والفائدة المصرفية المنخفضة التي استمرت لسنوات طويلة منحت المستثمرين "ثقة زائفة" في البورصات، ساهمت في ارتفاع أسعار الأصول السوقية كثيراً فوق مستوياتها الحقيقية.

ولاحظ مستثمرون أن البنوك المركزية باتت خلال السنوات الأخيرة من كبار المستثمرين في البورصات عبر تملك حصص استراتيجية في الشركات عبر شراء سنداتها، وبالتالي ليست لديها مصلحة في عمليات "تصحيح أسعار الأصول".
وفي المقابل فإن الحكومات الغربية التي واصلت ضخ التريليونات في الاقتصادات خلال العام الماضي ورفعت من حجم الديون السيادية بمعدلات خرافية لا ترغب هي الأخرى في زيادة معدل الفائدة، لأن ذلك سيرفع من خدمة الديون.

وفي أميركا فإن رفع معدل الفائدة من معدلها الحالي "صفر و0.25%" إلى واحد في المائة سيعني مضاعفة خدمة الديون البالغة أكثر من 24.5 تريليون دولار بنهاية إبريل/ نيسان 2021.

وكانت خدمة الفائدة على الديون الأميركية قد بلغت 550 مليار دولار حتى قبل وصول الرئيس جوزيف بايدن إلى الحكم، وذلك وفقاً لبيانات معهد الميزانية التابع للكونغرس الأميركي.

يذكر أن مؤشر "ناسداك" ارتفع في العام الماضي بنسبة 61%، كما ارتفع مؤشر "أس آند بي" بنسبة 45% ومؤشر داو جونز بنسبة 41%. ويتخوف خبراء من انفجار "فقاعة الأسهم" ما يهدد بأزمة مالية جديدة.

في هذا الصدد، دعا مسؤول الاستثمار بالسندات الأميركية بشركة "بلاك روك"، ريك ريدر، في تعليقات نقلتها قناة "سي أن بي سي" أمس الأربعاء، مجلس الاحتياط الفدرالي لوقف برنامج شراء السندات.

وينتقد العديد من خبراء الاقتصاد سياسة ضخ الأموال الرخيصة التي تتواصل في أميركا ودول الاتحاد الأوروبي ويرون أنها تخاطر بدورة اضطراب اقتصادي ومالي.

لكن في المقابل فإن هنالك العديد من المستثمرين يشجعون سياسة ضخ الأموال، وذكر مسح مصرف "بانك أوف أميركا" الشهري الصادر يوم الثلاثاء أن 72% من المستثمرين الذين شملهم المسح لا يرون أن التضخم الحالي خطر عليهم، كما أن 68% منهم يستبعدون حدوث ركود اقتصادي قبل عام 2024.

المساهمون