واحة الراهب: الأفلام التي تطرح قضايا عميقة تُهمش

واحة الراهب: الأفلام التي تطرح قضايا عميقة تُهمش

17 يونيو 2021
الراهب: "لم نجد دعماً خارجياً لأفلام سورية روائية تطرح القضية بأبعادها الواقعية" (Getty)
+ الخط -

بروز الدراما كوجه من أوجه الثقافة السورية، لم يكن كذلك بالنسبة للسينما السورية التي لم يكتب لها التطور رغم تحقيق حضور مقبول في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. ومع تقدم الدراما السورية وانتشارها في العالم العربي، وحتى الجوار الإقليمي غير العربي في فترة من الفترات، كانت السينما السورية تتراجع رغم كل محاولات مساندتها، ولا سيما على المستوى الرسمي، بإنشاء المؤسسة العامة للسينما، ومن ثم إحداث لجنة لصناعة السينما تحظى باهتمام من قبل وزارة الثقافة سابقاً، وذهبت المؤسسة نحو اختيار مواضيع لا تهم المتلقي السوري لدعم إنتاجها، فيما اضطرت لجنة صناعة السينما للانجرار مع سوق الدراما والإنتاج الدرامي بشكل كبير، وبقيت السينما السورية فاقدة للإنتاج المقبول من حيث الحجم، وعدم القدرة على المجاراة العربية من حيث النوع.

بعد اندلاع الحرب السورية، كانت هناك تجارب سينمائية سورية حظيت باهتمام مقبول لإخراجها إلى الوجود، لكن تلك التجارب تتهم بمراعاة قواعد نخبوية لتحجز مكاناً لها في المهرجانات الدولية، ذات الجوائز المجزية، من دون أن يكون لها حيز للعرض في الصالات والقنوات السينمائية، فقدت بذلك السينما عمودها الرئيس لاستمرارها والحافز على تطورها وهو الجمهور السوري الذي يجد في الدراما أكثر واقعية وملامسة لمشاكله وتفاصيل حياته في حين يسيطر على الإنتاج السينمائي مواضيع وأفكار بعيدة عن الواقع، أو أن طرحها يكون بطريقة بعيدة نوعاً ما عن المفترض أن تكون، ببساطتها، للمتلقي العادي، غير المكترث بالجوانب النقدية والقواعدية التي تراعي شروط المهرجانات والفعاليات العالمية النخبوية.

كما أن هناك جانباً أكثر إشكالية يواجه السينما السورية، يتعلق بمنصات العرض؛ إذ لجأ صناع السينما في سورية، على قلتهم، سواء في الداخل أو الخارج، لإنتاج أعمال حصرية العرض في مهرجانات وفعاليات فقط، من دون أن يكون لها طريق العرض سواء في صالات السينما أو القنوات أو حتى المنصات الرقمية على الإنترنت، وهذا ما جعل المتلقي السوري الراغب بمشاهدة سينما محلية، غير قادر على الوصول إلى هذا الإنتاج لتقييمه، سواء بالسلب أو الإيجاب، بالاستعانة بما وفرته وسائل التواصل لهذا الغرض، من تناول بالنقد على المستوى الشعبي للأعمال الفنية على اختلافها، وبقي الكثير من الأعمال حبيس أدراج المهرجان التي صنعت من أجلها، ويفرج عنها فقط، عند إقامة فعالية ثقافية ما، ليست ذات اهتمام سينمائي، يعرض الفيلم على هامشها، بحضور جمهور على الغالب غير مهتم، وقليل العدد أساساً.

"العربي الجديد" سألت الممثلة والمخرجة السينمائية واحة الراهب عن أسباب استمرار هذه الإشكاليات التي تواجه السينما السورية التي أشارت بدورها إلى أن "للقضية وجهين مختلفين، لكنهما يصبان بمصب واحد، وجه محلي، ووجه عالمي"، وتابعت: "محلياً منذ إنشاء المؤسسة العامة للسينما السورية كقطاع عام يحتكر الإنتاج، في رد فعل على سطحية أفلام القطاع الخاص التجارية التي تروج لمقولة: الجمهور عايز كده. فتبنت شعارات إنتاج أفلام موجهة وتوعوية وملتزمة، لكن باحتكارها الإنتاج السينمائي، ألغت المنافسة بين القطاعين وبين الأفلام الخاصة مع بعضها التي كانت مضطرة بحكم حاجتها لتحقيق الربح ولاستمراريتها كصناعة، إلى أن ترقى بمستوى المنافسة وتقدم أفضل ما عندها لتجتذب المشاهد وتحقق الربح. بينما تباينت مستويات أفلام القطاع العام، بسبب إلغاء المنافسة المحفزة للبحث عما يرغبه الجمهور، لصالح تحقيق شعارات كثيراً ما تكون جوفاء ودعائية لصالح سياسة ما، لكنها أنتجت أيضاً أفلاماً قيمة".

تضيف الراهب: "جاء التوجه العالمي للسيطرة على الثقافات العامة للشعوب والتحكم بمبدعيهم، عبر تحويل السينما المحكومة بدعمهم وتمويلهم، كإحدى أدوات الثقافة الرئيسية لإحكام ارتهان المبدعين وأفلامهم لشروطهم، وأغلبها بات يشجع فقط على الأفلام المبسطة المسطحة للقضايا الإنسانية والهموم البشرية المشتركة، لتحويل السينما كأداة تطرح قضية جزئية، بينما تهمش الأفلام الملحمية التي تطرح قضايا عميقة ومصيرية كبرى تتغلغل بجذر المشاكل وتربط القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية ببعضها البعض، وهو ما عانيته في فيلمي السابق (رؤى حالمة) تمويلياً وعرضاً وتوزيعاً، لأنه يربط الاستعمار الخارجي بالداخلي كوجهين لعملة واحدة".

وتعتقد الراهب أنه "بهذا التوجه يتم التحكم بتوزيع الجوائز ايضاً. كما أن الكثير من الأفلام باتت توحي بأنها ممولة من تجار المخدرات لكثرة ما يتم الترويج للمخدرات بها كبديل للتبغ الذي تمت محاصرة تدخينه. وللأسف صناع السينما السورية باتوا كغيرهم يحاولون تلبية بعض هذه الشروط لإيجاد تمويل لهم، لذلك لم نجد دعماً خارجياً لأفلام سورية روائية، حين تطرح القضية السورية بأبعادها الواقعية، وليس بشكل مجتزأ ومبسط يكتفي بطرح جزء مفكك من قضيتنا المصيرية الشائكة، الأخطر تأثيراً على العالم".

وعن عزوف المتلقي السوري عن سينما بلاده، وإمكانية جذبه لها، تشير الراهب إلى أنه "يمكن بالتأكيد استدراج المتلقي لسينما ذات معايير أخرى مختلفة أكثر عمقاً وتعبيراً عن قضاياه وعالمه الحقيقي، فهو يقبل بحسه الفطري على الأفلام الحقيقية الصادقة في التعبير عن واقعه، بدل تضييعه أكثر في عالم الأوهام المتجزئ والمسطح للواقع، لكن السينما صناعة تتطلب الربح لتحقيق استمراريتها، وتتطلب بالأساس تمويلاً مادياً وتحقيق التكامل بين عناصر إنتاجه الأساسية كصناعة، كتوفير الإنتاج والتوزيع والعرض للفيلم المنتج باتت تسيطر عليهم مؤسسات كبرى، لكن التطور التكنولوجي الحالي سهَل قليلاً إمكانية توفر هذه العناصر الثلاثة وتكاملها لتحقيق بعض الربح بالإنتاج، عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتبقى الحاجة التي لا تعوض لتحقيق متعة المشاهدة الجماهيرية في صالات العرض السينمائي، يمكن تحقيقها عبر خلق تضافر لشركات إنتاج وتوزيع مستقلة التمويل، لتحقيق تكامل عناصر الإنتاج السينمائي وبالتالي تحقيق الربح المطلوب لتحقيق استمرارية الإنتاج السينمائي".

المساهمون