المبيدات المحظورة... منتجات آمنة للتصدير وسموم على موائد المغاربة

mm
07 يونيو 2021
+ الخط -

تصدر دول أوروبية مبيدات محظورة إلى المغرب وتباع أخرى منتهية الصلاحية، رغم مخاطرها العالية على صحة الفلاحين والمستهلكين والبيئة، لكن محاصيل التصدير للاتحاد تتسم بالجودة والأمان، على عكس تلك المخصصة للسوق المحلي.

- أصيب المزارع المغربي محمد إدسالم، بسرطان البروستاتا في عام 2015، بعد 17 عاماً من العمل في البيوت البلاستيكية المغطاة في إقليم اشتوكة آيت باها جنوب المغرب، نتيجة التعرض لجرعات مكثفة ومتراكمة من مبيدات الآفات الزراعية، وهو ما يؤكده الدكتور أحمد المرابط، المتابع لحالة إدسالم، قائلا لـ"العربي الجديد": "التعرض للمبيدات على مدار السنين يزيد من احتمالية إصابة المزارعين بسرطانات الدم النخاعي والبروستاتا والرئة". 

وأصيب 11 عاملا في الإقليم ذاته بأمراض جلدية والحساسية والربو والسرطان وفشل في الكلى، جراء استخدام بعض المبيدات بما فيها المحظورة في عمليات الإنتاج، ومنهم المغربية خديجة شنا التي أصيبت بطفح جلدي في الوجه والعنق بعد رش المبيدات بأحد البيوت البلاستيكية التابعة لشركة بيريروك (Perriroc) الإسبانية، وفق ما وثقته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، ويوضح الحسين أولحوس، رئيس فرع الجمعية في اشتوكة آيت باها، أن جماعة خميس آيت عميرة بالإقليم، تعد الأكثر استقطابا للاستثمارات الزراعية وكذلك المركز الفلاحي الأكثر استعمالا للمبيدات، وهو ما أسفر عن وفاة عامل زراعي بإحدى الضيعات الفلاحية بخميس آيت عميرة بعد إصابته باختناق شديد جراء استنشاقه مادة سامة أثناء تحضير مبيدات كيماوية استعدادا لرشها في المزرعة في يناير/كانون الثاني 2019، كما يقول محمد كيماوي، رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات حماية المستهلكين بالمغرب لـ"العربي الجديد". 

الحياة وسط السموم 

تكشف دراسة أجراها متخصصون من قسم أمراض الدم بالمركز الاستشفائي الإقليمي الجامعي في مدينة تور الفرنسية وتم الإعلان عن نتائجها في فبراير/شباط الماضي، أن احتمال إصابة المعرضين لجرعات المبيدات بسرطان الدم النخاعي، أكبر بـ 50% مما هو لدى غير المعرضين، وفق بحث استمر على مدار عامين عبر تحليل بيانات علمية منشورة بين عامي 1946 و2020 في 3 قواعد بيانات عالمية، وشملت فحوصات 4 آلاف مريض.

و"تبلغ نسبة الأراضي الزراعية في المغرب، 12% من إجمالي مساحة البلاد، ويتراوح حجمها بين 8 و9 ملايين هكتار"، وفق دراسة "رصد تأثير مبيدات الآفات الزراعية على صحة الإنسان والبيئة" الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في عام 2015، ويشيع استخدام "28 مبيداً 22 منها حشرية و7 أنواع مبيدات أعشاب ومبيد رخويات في البلاد"، وتحذر الدراسة من تأثيرات ضارة جراء عدم اتخاذ الإجراءات الوقائية، ومنها "تلف العين والصداع وفقدان الوعي"، وهو ما يؤكده الحسين بولبرج، القيادي في الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (اتحاد عمالي)، مؤكدا عدم توفر شروط السلامة قبل وبعد رش المبيدات في بعض الضيعات. 

والأخطر كما يرى الخبير الزراعي نعمان عبد الكريم، مدير مؤسسةً نالسيا للتنمية والبيئة والعمل الاجتماعي (غير حكومية) أن تلك المحاصيل الزراعية توجّه إلى الأسواق المحلية، دون احترام المواعيد النهائية لانتهاء مفعول المبيدات السامة، إذ يمكن أن يتم رش المبيد في يوم والجني في اليوم التالي، رغم أن متبقيات المبيدات تحتاج وقتا محددا للتخلص منها، وهو ما يسمى بفترات الأمان الفاصلة بين رش المبيدات وقطاف المحصول، والتي تتفاوت من مبيد إلى آخر تبعاً لتركيبته الكيميائية وتتراوح تلك الفترة من يوم إلى 35 يوماً، كما تختلف فترات الأمان لنفس المبيد من الخضار إلى الفواكه. 

المبيدات المحظورة تهدد حياة الفلاحين والمستهلكين

ويؤكد عبدالكريم أن المنتوجات الموجهة إلى السوق الأوروبية، تخضع لمراقبة دقيقة في محطات التعبئة، ويعتني أصحابها بعدم مخالفة المعايير الدولية والشروط المطلوبة، من خلال احترام فترات الأمان ونوع المبيدات المستعملة والكميات المسموح بها وإلا لن تدخل لبلدان الاتحاد. لكن مسؤولا في المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (طلب عدم الكشف عن هويته، لكونه غير مخول بالحديث للإعلام) يرد بأن المكتب لديه برنامج مراقبة يعتمد على جمع عينات من المزارع وأسواق الجملة لتقييم نسب متبقيات المبيدات، وسبق أن رصد مخالفات وتم تحرير محاضر لمزارع النعناع وإرسالها إلى النيابة العامة. 

استيراد المبيدات المحظورة 

يحظر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا)، استعمال 304 مبيدات للآفات، وفق لائحة محدثة ومنشورة على الموقع الرسمي في يونيو/حزيران الجاري. لكن العديد من الأنواع المحظورة تجد طريقها إلى الأسواق والضيعات الزراعية، وفق بولبرج، قائلا لـ"العربي الجديد": "ملاك الضيعات يستعملون مبيدات منتهية الصلاحية وأخرى غير خاضعة للرقابة لزيادة المنتوج بأقل تكلفة وتحقيق أرباح كبيرة". 

304 مبيدات محظورة بالمغرب بعضها يتسرب للضيعات الفلاحية

الاتجار بالأنواع المحظورة ومنتهية الصلاحية وثقه معد التحقيق عبر جولة ميدانية على الأسواق الأسبوعية ومحلات بيع المبيدات المنتشرة في اشتوكة آيت باها، إذ رصد ثمانية أنواع من المبيدات المحظورة دوليا وتستعمل للمزروعات المخصصة للسوق المحلية ومنها Heliocuivre مبيد فطري يحتوي على مادة النحاس، ومبيد الفطريات الركام Kumulus، ومبيد Soufre (يتكون من الكبريت بنسبة 80%)، بالإضافة إلى مبيدات Cofely top وLussac max وkenociad وInsecticide و Dynamec.  

عمليات تداول تلك الأنواع المحظورة، يؤكدها كيماوي، مشيراً إلى أنها تدخل إلى المغرب عن طريق التهريب من بلدان آسيوية وأوروبية، ما يجعلها خارج الرقابة الصحية، ولا يعلم المكتب الوطني للسلامة الصحية بأمرها وبالتالي، تبقى خارج قائمته للأنواع المحظورة محليا رغم كونها ممنوعة دوليا.

غير أن المشكلة الكبرى تتمثل في موافقة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تصدير 81615 طنًا من المبيدات الحشرية التي تحتوي على مواد محظورة أوروبيا وهو ما جرى في عام 2018، رغم المخاطر غير المقبولة التي تشكلها على صحة الإنسان والبيئة. وعلى رأس الدول المصدرة المملكة المتحدة وإيطاليا وهولندا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا، وفق ما وثقته منصة Public Eye السويسرية (تعنى بالشفافية) في 10 سبتمبر/أيلول 2020 بعنوان: "كيف يصدر الاتحاد الأوروبي مبيدات حشرية شديدة الخطورة محظور استخدامها في أوروبا". 

وتعد المغرب والبرازيل وأوكرانيا والمكسيك وجنوب أفريقيا من بين أكبر عشرة مستوردين لمبيدات الآفات المحظورة أوروبيا، ويحذر خبراء Public Eye من المخاطر الصحية أو البيئية الناتجة عن 41 مبيدا يتم تصديرها من الاتحاد الأوروبي، إذ يمكن أن تؤدي إلى الوفاة بسبب الاستنشاق أو تسبب عيوبا خلقية أو اضطرابات تناسلية أو هرمونية أو السرطان.

واستوردت أفريقيا قرابة 7500 طن من المبيدات الحشرية التي تحتوي على 25 مادة خطرة محظورة في أوروبا، ومن بين عشرين مستوردًا أفريقيًا، استقبل المغرب وجنوب إفريقيا أكبر كميات تليها مصر والسودان والسنغال، وفق المصدر ذاته. 

المغرب من بين أكبر عشرة مستوردين لمبيدات محظورة أوروبياً

ومن بين أعلى الأنواع المصدرة أوروبيا إلى المغرب، مبيد الحشرات "ثنائي كلورو البروبين"، وتعد المملكة ثاني الوجهات الرئيسية لهذا المبيد الذي يذوب في الماء ويتبخر بسهولة ويستخدمه مزارعو الخضروات، رغم حظره من قبل الاتحاد الأوروبي في عام 2007 بسبب المخاطر المرتبطة به على المستهلك، وتلوث المياه الجوفية، والأضرار المحتملة للطيور، والثدييات، والكائنات المائية، وغالبا ما يتم خلط ذلك المبيد مع نوع آخر هو Chloropicrin والذي تم تصنيعه كسلاح كيميائي خلال الحرب العالمية الأولى، وفق  Public Eye.

لماذا تغيب الرقابة الرسمية؟ 

يقتني مزارعون مغاربة مبيدات لا يعرفون مكوناتها وأضرارها، ومن بينهم إبراهيم خويي والذي قابله معد التحقيق بينما كان يهتم بشراء أحد الأنواع الخطرة من سوق شعبي، ويقول لـ"العربي الجديد": "نحن أميون لا نعرف ما هو المكتوب على علبة المبيد، فقط نشتري ما يقول البائع إنه جيد".

وتنتشر الأنواع المحظورة في الأسواق الأسبوعية، بسبب ثمنها الرخيص، إذ يتراوح سعرها بين 100 و150 درهما مغربيا (11 و17 دولارا أميركيا)، حسب خويي، لافتا إلى أن المبيدات المصنعة من قبل الشركات المعروفة تباع بأسعار مرتفعة تصل إلى 2000 درهم (227 دولاراً) وتكفي هكتارا واحدا. 

و"يظل قطاع المبيدات في المغرب من بين أقل المجالات الخاضعة للرقابة، وهو ما يرجع إلى عدم وجود تنسيق بين الجهات المعنية وشركات الاستيراد والموزعين، بالإضافة إلى تسرب هذه المنتجات من الدول المجاورة"، وفق دراسة منظمة فاو التي أشارت إلى أن 90% من سوق المبيدات يسيطر عليها القطاع الخاص، بقيمة 730.4 مليون درهم (82 مليون و895 ألف دولار) أو 0.2% من السوق العالمي".

يطرح ما سبق إشكالا حقيقيا عن كيفية فرض رقابة صارمة لحماية صحة المغاربة، في وقت يفترض فيه أن يقوم المكتب الوطني للسلامة الصحية بتطبيق سياسة الحكومة في مجال حماية صحة المستهلك عبر مراقبة السلسلة الغذائية من خلال رصد المنتجات الحيوانية والنباتية ومراقبة الأدوية البيطرية ومبيدات الآفات الزراعية، وكذلك التدقيق على ما يدخل المغرب منها بكل الطرق، كما يقول بولبرج وكيماوي والذي يرى أن ضعف رقابة المكتب الوطني ترجع لتداخل المهام والاختصاصات مع أكثر من عشر مؤسسات، منتقدا ضعف الرقابة على أسواق الفواكه والخضر المحلية، والتي لا تتوفر على نظام لتتبع المنتجات من المزارع إلى السوق، وهو ما يقره جزئيا، المصدر المسؤول في المكتب الوطني، مؤكدا على معضلة تداخل الاختصاصات مع مؤسسات حكومية أخرى والشح في الموارد البشرية بالنظر لحجم وتعدد المهام الموكلة إليهم.