مريم صالحة بائعة القطايف في مخيم دير البلح

مريم صالحة بائعة القطايف في مخيم دير البلح

11 مايو 2021
لا تتخلّى عن ابتسامتها (محمد الحجار)
+ الخط -

 

على الرغم من داء السكري وارتفاع ضغط الدم، تواظب مريم صالحة على صنع القطايف في شهر رمضان، وتلاقي إقبالاً إذ إنّها تراعي أوضاع الناس المتردية.

في مخيم دير البلح في وسط قطاع غزة، وتحديداً على مقربة من سوق المخيم، اعتاد سكانه وكذلك أهل مدينة دير البلح  مشاهدة أمّ إياد، مريم صالحة، وهي تصنع القطايف التي لم يتغيّر طعمها ولا لونها على الرغم من كل التغيير الذي طرأ على قطايف رمضان في أماكن أخرى. ومريم صالحة البالغة من العمر 57 عاماً من مواليد مخيم دير البلح، وتعود أصول أسرتها إلى قرية برير المحتلة في عام 1948، وهي أمّ لأربعة أبناء وخمس بنات. إياد هو أكبر الأبناء ويعاني من إعاقة في قدمَيه، في حين أنّ أبناءها الثلاثة الباقين، عمر وديب وحسن، عاطلون من العمل غير أنّهم يساندونها في ما تقوم به.

على مدى 40 عاماً، كان زوجها عبد الفتاح، وهو خباز، يُعدّ القطايف ويبيعها في كل موسم رمضان في الشارع الرئيسي لمخيم دير البلح، وهي رافقته في ذلك طوال 20 عاماً. وبعدما توفيّ قبل سبعة أعوام من جرّاء سكتة قلبية، قرّرت زوجته أن تستمر في هذا العمل مع أبنائهما في شهر رمضان، ففيه يحصلون على رزقهم. وتخبر مريم "العربي الجديد": "عندما توفي زوجي، قررنا الاستمرار في هذه المهنة التي لطالما سندتنا في كثير من الأوقات والأزمات. فزوجي كان يجد نفسه في بعض الأحيان من دون عمل في الأفران، لذا دعمته هذه المهنة. وكانت له سمعة جيدة في مجال صناعة القطايف، ولديه زبائن كثر في المخيم والمدينة على حد سواء. وقد وصل صيته إلى كل محافظات قطاع غزة، لأنّه ظلّ محافظاً على نكهة القطايف التي اعتادها الناس".

الصورة
مريم صالحة صانعة القطايف في مخيم دير البلح في غزة 2 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

وبعدما نقل عبد الفتاح خبرته إلى زوجته، ها هي اليوم تشرف بنفسها على صناعة عجينة القطايف فيما يساعدها أبناؤها وعامل آخر على الإنتاج. يُذكر أنّها رفضت وضع أيّ إضافات على العجينة حتى يصير لونها أبيض، أو إضافة صبغات مثل ما يفعل بائعو قطايف آخرون في قطاع غزة بهدف جذب الزبائن وتطوير النكهة. بالنسبة إليها فإنّ حفاظها على الطعم الأصيل للقطايف يستقطب الذوّاقين الذي يعرفون نكهة رمضان جيداً.

الصورة
مريم صالحة صانعة القطايف في مخيم دير البلح في غزة 5 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

وتوضح مريم أنّ "في بقيّة أيام السنة، نجلس في المنزل من دون عمل"، لكنّها تحاول قدر المستطاع الاستفادة من "الصنعة التي تعلمتها من زوجي. من الصعب عليّ تركها. كثيرون ينظرون إليّ كامرأة تعمل في السوق، لكنّني افتخر بأنّني أكملت مشوار زوجي لمساندة عائلتي، فلا نجوع ولا نضطر إلى مدّ اليد إلى الآخرين". وتحرص على الإبقاء على ابتسامتها، "حتى لو وقعت مصيبة أمامي في السوق، أنا أبتسم للجميع"، لافتة إلى أنّ "الناس هنا في المخيم يحيون أجواء رمضان، على الرغم من انتشار فيروس كورونا الجديد".

الصورة
مريم صالحة صانعة القطايف في مخيم دير البلح في غزة 3 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

ولا تنكر مريم أنّها تفتقد زوجها كثيراً، إذ إنّ "اللحظات التي كنت أرافقه خلالها للعمل في السوق هي الأسعد بالنسبة إليّ". وتحكي أنّها كانت تساعده في إعداد العجيبة ورصف قطع القطايف، بالإضافة إلى البيع في آخر ثلاثة أعوام قبل وفاته، لأنّ حالته الصحية كانت تمنعه من القيام بأكثر من ذلك. وتلفت مريم إلى أنّه "قبل عشرين عاماً، لم تكن تتوفر خلاطات لتسهيل عجن القطايف فكان الأمر يعتمد على اليدَين. حتى الصبّ كان يتمّ بواسطة مغرفة كبيرة. لكنّ الأدوات اليوم تطورت لتسهّل عملية إعداد القطايف، فيشتريها الزبون وهي ساخنة". لكنّ مريم لم تتمكّن من شراء ماكينات كبيرة تُوضع الخلطة فيها وتصبّ القطايف بواسطتها، بالتالي ما زالت تعمد إلى صب القطايف بواسطة إناء بلاستيكي مع تقدير كمية كل قطعة على حدة".

الصورة
مريم صالحة صانعة القطايف في مخيم دير البلح في غزة 4 (محمد الحجار)
(محمد الحجار)

تحب مريم عيشة المخيم وكذلك المنطقة التي تعيش فيها، علماً أنّها كانت قد انتقلت مع زوجها للسكن في مبنى يجتمع فيه أشقاؤه في مدينة دير البلح. هي متعلقة في تفاصيل حياة المخيم وعيشته، وثمّة علاقة مميزة تربطها بنساء المخيم، وقد توطدت العلاقة أكثر بعدما ورثت العمل عن زوجها وصارت المعيلة الأساسية لأسرتها. وهي نجحت في المحافظة على زبائن زوجها الذين اعتادوا شراء القطايف منه منذ عشرات السنين.

قضايا وناس
التحديثات الحية

أحمد البحيصي، جار قديم من سكان المخيّم، ما زال يشتري منها القطايف. يخبر "العربي الجديد" أنّ والده الذي توفي قبل 15 عاماً كان زبوناً لدى زوج مريم، "وكنت أحضر عندما كنت مراهقاً لأشتري القطايف من هنا. وما زلت محافظاً على عادتي هذه في رمضان حتى هذا اليوم. يضيف أنّ "ثمّة نكهات قديمة في المخيم ملتصقة بنا وإن كبرنا"، لافتاً إلى أنّ "وجود أمّ إياد في المخيم وبيع القطايف طقس من طقوس المخيم، على الرغم من كثرة باعة القطايف والتنافس في ما بينهم. لكن من يريد نكهة القطايف الأصلية يقصدها ويرى ابتسامتها ويشتري منها، فيما هي تحدّثنا عن أمهاتنا. فهي تعرف نساء المخيم بمعظمهنّ".

المساهمون