ملصقات الدراما العربية: تلك الصورة المنسية

ملصقات الدراما العربية: تلك الصورة المنسية

14 ابريل 2021
كأنّنا في سيرك مُتلوّن من الشخصيات الأيقونية (Getty)
+ الخط -

حين ينظر المشاهد إلى الملصقات (البوسترات) الفنية داخل الدراما العربيّة، يجد نفسه أمام أعمال كاريكاتورية وبهلوانية أكثر من كونها تُمثّل مدخلاً فنياً وجمالياً صوب عوالم الفيلم التلفزيوني أو المسلسل الدرامي، خصوصاً أنّ هذا العنصر البصري أضحت له مكانة مهمّة في الآونة الأخيرة، بحكم التحوّلات التقنية والجمالية، التي رافقت الشاشة الصغيرة منذ تسعينيات القرن العشرين.

ولأنّ التلفزيون في العالم العربي، لم يستطع استيعاب هذه التحوّلات البصريّة، التي تجعله يعيش "سلفية وسائطية"، فإنّ الأمر، يبدو مُربكاً للكثير من المحطّات المشغولة بمضامين المسلسل وقصصه وحكاياته، على حساب العناصر الجمالية الخارجة عن العمل الدرامي. وعلى الرغم من الطفرات التكنولوجية في عالم الصورة المُتلفزة، فإنّ هذه المؤسّسات، لم تستطع بلورة هذه المُستجدات التقنية وتكييفها مع طبيعة منتجها البصريّ من أجل تجديده، وجعله في قلب الوسائط البصريّة، بما يمكّنه من تحديث بصريّ وتوليف جماليّ، كما هو الشأن في التلفزيون الأميركيّ، الذي يحتل فيه البوستر مكانة كبيرة في نسيج صناعته الفنية.

بوسترات الأعمال الدرامية، التي تمّ الكشف عنها في الأيام القليلة الماضية، تُعرّي هذا الجرح الغائر في جسد الشاشة الصغيرة بالعالم العربي، إذ رغم مظاهر الحداثة التقنية المُتبدّية على وسائل الإنتاج داخل هذه التلفزيونات، فإنّ العجز الإبداعي يجعل من هذه البوسترات وكأنّها كرنفال بصريّ مُضحك، أو صورة تجريدية صماء، مع أنّ شخصياتها أكثر واقعية ومرارة وسخرية من العمل ككلّ.

يعتبر الكثير من الناس أنّ البوستر، ليس مهمّاً لدرجة تجعل من المخرج ينسى مادته الدرامية للوقوف عن كثب عند صورة تُتّخذ في غالب الأحيان، فقط كوسيلة للإشهار والدعاية للمسلسل الدرامي، وبالتالي، فهو في نظرهم، لا يلعب دوراً كبيراً في صناعة العمل الدرامي ونحت مفاهيمه وحكاياته في وجدان المُشاهد العربي.

في كثير من المرّات نصطدم ببوسترات مُتعدّدة لعمل دراميّ واحد، وكأنّنا في سيرك مُتلوّن من الشخصيات الأيقونية

الأهمّ في نظر هؤلاء، هو الإشهار الذي يُفاقم السطحية في طريقة عرضه وتوسّله بوسائط بصريّة مُتعدّدة من أجل توصيل المنتوج إلى المُشاهد ودغدغة عواطفه، مع أنّ هذه الرسائل المُشفّرة التي يزمع المُخرج توصيلها، لا يُمكن أن تلتهم وتستوعب، من دون التوفّر على بوستر حقيقيّ مُستفز بجماليّاته وخطابه.

غير أنّ المُثير للدهشة، هو أنّ هذه البوسترات أضحت الوسيلة البصريّة الوحيدة خلال شهر، التي تُقدّم إشارات ضوئية إلى عملية التنافس في السباق الرمضاني، لكنّها تُتّخذ فقط كإشهار تجاريّ، وفي كثير من المرّات نصطدم ببوسترات مُتعدّدة لعمل دراميّ واحد، وكأنّنا في سيرك مُتلوّن من الشخصيات الأيقونية، وعادة ما يلج المُخرج العربي إلى عملية سهلة وهجينة تتمثّل في أن يجعل من كلّ أبطال المسلسل في شكل بورتريهات شخصية، فيجري قطعها ولصقها في بوستر واحد، أو يعمل في مرّات كثيرة على أخذ صورة جماعية أشبه بتمارين مدرسية لجميع الممثلين داخل استوديو بخلفية مُلوّنة، حتى يُحافظ على عامل التأثير والصدمة التي تُحدثها عادة الألوان الضوئية المُتداخلة في ما بينها، في عين كلّ من يُشاهدها.


على هذا الأساس، يطالعنا مع بداية كلّ شهر رمضان ركام من البوسترات الهجينة المزركشة بالألوان وغير المُتناسقة فنياً وجماليّاً مع جوهر الحكاية، فهذه الأخيرة وتمثّلاتها الأنطولوجية، هي التي تصنع بشكل خفيّ جماليّات البوستر وتجعله "صورة فنية" مُتخيّلة وليست إشهارية من خلال القبض على روح الفيلم التلفزيوني أو المسلسل في صورة واحدة تُقدّم نظرة عامّة عن الأبطال، من دون اللجوء إلى تمويه بصريّ يستند إلى عملية تقطيع وكولاج لصور الأبطال والعمل على دمجها جماعياً في صورة واحدة تبتعد عن كلّ أشكال مقيتة لا تُشجّع على المُشاهدة وعلى إقامة صرح تلفزيوني ينتمي إلى الحداثة البصريّة التي تبدأ من البوستر وتنتهي بعملية التوضيب والعرض.

المساهمون