الذكرى السابعة لختم دستور الثورة التونسية.. في انتظار استكمال أحكامه

الذكرى السابعة لختم دستور الثورة التونسية... في انتظار استكمال أحكامه

27 يناير 2021
المرزوقي وبن جعفر والعريض لحظة الإعلان عن الدستور الجديد عام 2014 (Getty)
+ الخط -

تحيي تونس، اليوم، الذكرى السابعة لختم دستور الثورة، في 27 يناير/كانون الثاني 2014، ليتواصل إهدار فرص إرساء المحكمة الدستورية والهيئات المستقلة الحامية لمكاسب الثورة التونسية والضامنة لاحترام أسس النظام الجمهوري الديمقراطي.
ويذكر التونسيون هذا اليوم جيدا، الذي توج مخاضا طويلا من المناقشات في المجلس الوطني التأسيسي (أول برلمان عقب الثورة)، قبل أن تتم المصادقة على ثاني دستور للبلاد، لينهي سنوات من استبداد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي حكم لأكثر من عقدين بقبضة من حديد بواسطة أحكام الدستور السابق، بعدما نجح في تطويعه ليجعله نظاماً رئاسياً واسع الصلاحيات على حساب بقية السلطات التي حولها لمؤسسات شبه صورية.
ونجح الدستور الجديد، رغم الهنات التي بدت عند تنزيل بعض أحكامه وتفعيل بعض أبوابه، في توزيع الصلاحيات والاختصاصات والسلطات بين مؤسسات الحكم مع فرض رقابة وتكامل بينها، ليمنع أي تغول من السلطة التنفيذية على بقية السلطات، ومؤسسا لهيئات دستورية مستقلة تسهر على تكريس الحقوق والحريات الفردية والعامة، ومحكمة دستورية تفصل في الخلافات بين المؤسسات لحماية النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي.

ويتفق الساسة والأحزاب والخبراء على أن غياب المحكمة الدستورية اليوم وبقية الهيئات الدستورية المستقلة تسبب في ارتباك المشهد السياسي وخلق أزمات دستورية مسترسلة.
ويطرح اليوم بقوة دور المحكمة الدستورية ومكانتها لحل الخلاف بين رئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة ورئيسي الحكومة هشام المشيشي والبرلمان من جهة أخرى، من خلال تأويل أحكام الدستور في ما يتعلق بامتناع الرئيس التونسي عن استقبال الوزراء لأداء اليمين بعد حصولهم على ثقة البرلمان، وهو ما فتح أبواب مأزق دستوري وأزمة سياسية حادة.

تعطل إرساء المحكمة الدستورية منذ 6 سنوات، رغم أن الدستور ينص على وجوب إحداثها بعد سنة من المصادقة عليه

كما يطرح غياب هيئة حقوق الإنسان أيضا إشكالية متابعة الانتهاكات المسجلة في الساحات والميادين وفي السجون ومراكز الإيقاف ومدى التزام السلطات بمواثيق حقوق الإنسان، برغم وجود هيئات ومنظمات أخرى تسهر على ذلك.
وتعطل إرساء المحكمة الدستورية منذ 6 سنوات، رغم أن الدستور ينص على وجوب إحداثها بعد سنة من المصادقة عليه، ولم ينجح البرلمان سوى في انتخاب عضو وحيد، وهي القاضية روضة الورسيغني، وبقي في عهدته 3 أعضاء آخرين، في حين يستوجب القانون تعيين 4 أعضاء من قبل المجلس الأعلى للقضاء و4 آخرين من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد حتى تكتمل تركيبة المحكمة الدستورية بـ12 عضوا.
وحاول البرلمان في دورات انتخابية، منذ المجلس السابق، انتخاب بقية أعضاء المحكمة، ولكن لم يتوصل إلى ذلك بسبب الأغلبية المعززة المطلوبة والتي تتطلب توافق ثلثي أعضاء البرلمان على الأقل (145 من جملة 217 نائبا).
كذلك عجز البرلمان عن انتخاب أربع هيئات دستورية أخرى منصوص عليها في البند 124 من الدستور، وهي هيئة حقوق الإنسان، وهيئة الاتصال السمعي البصري، وهيئة التنمية المستدامة وضمان حقوق الأجيال المقبلة، وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، لتبقى أربع هيئات من خمس رهينة الخلافات السياسية والحزبية، في وقت نجح فيه بإحداث هيئة دستورية وحيدة، وهي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي تسهر على تأمين الانتقال السياسي وتنظيم الانتخابات بمختلف محطاتها الرئاسية والتشريعية والبلدية.
وقال رئيس اللجنة الانتخابية بمجلس نواب الشعب سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد": "يتفق الجميع حول الحاجة إلى المحكمة الدستورية، وعلى أن غيابها يفتح الباب لضياع فرص عديدة في حل الأزمات".

يطرح غياب هيئة حقوق الإنسان أيضا إشكالية متابعة الانتهاكات المسجلة في الساحات والميادين وفي السجون ومراكز الإيقاف

وتابع ديلو قائلا "ولكن يختلف كثيرون في أسباب عدم إرسائها؛ فهناك من يرجع ذلك إلى قانون المحكمة الدستورية الذي يفرض أغلبية للتصويت يصعب الوصول إليها في ظل تشظي الوضع البرلماني والسياسي، والذي يرجع بدوره إلى القانون الانتخابي، بينما يرى الطرف الآخر أنه من الطبيعي جدا الاحتياط في إفراز المحكمة الدستورية كي لا تكون مرآة للتوازنات السياسية ويسيطر عليها طرف حزبي أو ائتلاف برلماني".

وأكد ديلو أن الحل اليوم في "الحوار والتوافقات"، مستطردًا: "المغالبة بتحوير القانون لا أرى فيها حلا، لأن تنزيل الأغلبية المعززة (145 صوتا) إلى الأغلبية المطلقة (109 صوتا) أو غيرها من الأغلبيات الانتخابية لن يحل المشكل، إذ سننتقل من تحالفات صعبة إلى تحالفات ممكنة ولكنها قد تمس بمصداقية المحكمة الدستورية وبمشروعيتها، وبالتالي أنا مع الحوار الذي يؤدي إلى توافقات حول شكليات لا يثار غبار حولها وتتوفر فيها شروط النزاهة والكفاءة والمصداقية وعدم الولاء لأي طرف سياسي أو حزبي".
وبيّن رئيس اللجنة الانتخابية بالبرلمان أن أسباب تعطل إرساء بقية الهيئات الدستورية مختلفة عن المحكمة الدستورية، مشيرا إلى أن "ملف الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ذو خصوصية، تبدأ من مسألة التوافق حول النص القانوني المحدث للهيئة"، وأضاف "بالنسبة لبقية الهيئات الأخرى لا علاقة للأمر بالتوازنات السياسية والبرلمانية، ولكن لها علاقة بصعوبة الحصول على الترشحات الكافية، ودأبنا على إعادة فتح باب الترشحات مرارا وتكرارا نظرا للعزوف عن الترشح، لأن هذا العمل يتطلب تضحيات كثيرة وبعض الكفاءات لا يناسبها التخلي عن وظائفها، وهنا الجانب المادي أيضا له دور".
ولا تزال تونس إلى اليوم غير قادرة على تحقيق ما تضمّنه الدستور من أحكام، على غرار تغيير شعار البلاد الرسمي الذي ينص على إضافة عبارة الكرامة التي رفعت خلال الثورة التونسية إلى الشعار القديم ليصبح: "حرية، كرامة، عدالة، نظام".

المساهمون