لماذا فشلت ديمقراطية مصر ونجحت ديمقراطية أميركا؟

لماذا فشلت ديمقراطية مصر ونجحت ديمقراطية أميركا؟

24 يناير 2021
+ الخط -

اسمحوا لي قبل أن أكتب إجابتي عن السؤال، أن أتجول معكم بين أبرز تغريدات المصريين تعليقا على يوم تنصيب الرئيس الأميركي الجديد. أعدت قراءة بعض التغريدات عدة مرات فقط لأتأكد أني قرأتها بشكل صحيح؛ فهي إما صدرت عن أناس كانوا في رحلة إلى القمر أثناء أحداث ثورة يناير وما بعدها؛ أو أنهم يتجاهلون الثوابت مع سبق الإصرار، ويستعذبون قلب الحقائق.

نجحت عملية خلع ترامب الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية، وتنصيب بايدن؛ وأسميها (عملية خلع) لأني نوعا لم أقتنع بفوز بايدن، ولا أنبهر كثيرا بشعار دولة المؤسسات بعد كل ما نقرأه عن جماعات الضغط والمال، كذلك لا أتفاءل بتنصيب ولا أتشاءم بزوال، فالديمقراطي والجمهوري يتصارعان كأخوين، عدوين، تجمعهما المحافل وتفرقهما المصالح.

غرد الدكتور البرادعي شامتا في ترامب، مادحا الحل الديمقراطي بسلام نفسي يحسد عليه، وهو من تزعم مدنيا انقلابا عسكريا على أول تجربة ديمقراطية مصرية، ناشرا قاعدته الذهبية، وهي أن من يستطيع النجاح في الوصول للحكم يكون مستغلا للثغرات، باحثا عن منفعته الشخصية، يستحق جحيم السجن، طالما كان منافسا؛ ومتجاهلا أن همجية ترامب قد تكون مجرد لحظات طيش بجانب همجية قادها بنفسه. أفهم أن يصم كل حزب الآخر بما يحلو له، فكل أحزاب العالم تفعل ذلك، لكن أن يتحد فصيل مع من ثار ضده ليقتل رفيق ميدان الثورة كما فعل زعيم جبهة الإنقاذ المغرد، فهنا المعضلة؛ وما قد يصيبك بارتجاج في المبادئ أن يدافع ذات الفصيل عن ديمقراطية مفقودة، ودماء مسفوكة، ويأسف على أنف مصر الذي أمعن في دسه في التراب!

بعد تنصيب بايدن، أصبح البيت الأبيض أقرب لمقام ولي من أولياء الله الصالحين، يطوف به حملة الشموع، ويتمسح بأسواره المريدون أملاً في فك الأعمال الانقلابية، ورد الديمقراطية

تمنى بعض المغردين يوما يتحرر فيه المصريون وينالون شرف انتخاب من يمثلهم كأميركا المتقدمة! فشعرت وكأنني كنت أعيش في مصر أخرى غير التي يتحدثون عنها! ألم يخرج الشعب المصري في الحر والبرد ليدلي بصوته في خمسة استحقاقات انتخابية حقيقية لأول مرة في تاريخه ليختار ممثليه سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي؟ لماذا يتعمد البعض تجاهل نصف الشعب الذي اختار من لا يرغب؟ ولماذا يستخف باختياراته؟ ترى أي نوع من الديمقراطية يتعاطى؟ وماذا لو أتيحت الفرصة وطابق الاختيار المستقبلي للشعب اختياره السابق؟ تحتاج بعض النخب أن تتعلم من أحزاب الغرب التي تبهرهم كيفية تقبل الهزيمة، والتخطيط بهدف تحقيق فوز.

في مفارقة عجيبة وجدت من يضع صورة مدرعات جيش وشرطة منتشرة في شوارع واشنطن معبرا عن إعجابه بالانتقال السلمي للسلطة في أميركا! يا هذا! هل لاحظت المدرعة في الصورة؟ هل لفت نظرك وجود جنود؟ يا من لمت يوما على الرئيس المنتخب في مصر ضعفه، ينبهك مشهد تسليم السلطة في أميركا إلى أن الكلمة في النهاية لمن يملك السلاح الثقيل، وإذا أردت الدقة، فهي للأموال المدفوعة له.

مررت بمن ينهشه الأسى ولا يجد غير جلد الذات متنفسا وسط عوادم وزحام شاحنات عملاقة تنقل ما باعه المنقلب لكل من يثبت عرشه بمسمار؛ ينقم الجلاد على الشعب المصري ويتهمه بالجمود والجبن! وكأن غضبه أعماه عن حقيقة أن الشعب خرج بالفعل رافضا الانقلاب على الديمقراطية في الميادين والشوارع والحارات، في المدن والريف، فسحقه صمت من كانوا يقرضون الشعر انبهارا بوعيه أثناء ثورة يناير؛ ثم تبدل ولاؤهم فوضعوا تظاهراته في خانة طمع منافسيهم في كرسي الحكم، فأسلموا حراكه، ورضوا بزجه في قوائم الإرهاب، وقالوا لتذهب الديمقراطية إلى الجحيم إن أتت بالخصم.

هناك من شبهوا اقتحام الكونغرس الأميركي بمشهد الاتحادية في مصر، وتناسوا أن من تسوروا القصر الرئاسي وخلعوا بابه بـ"ونش"، وفتح لهم جنود حراسته السلك الشائك ليمروا بأمان، لم يكونوا مؤيدين بل معارضين للرئيس الذي لم تنته ولايته.

أما الفقرة الكوميدية فكانت من نصيب من شبهوا مشهد تسليم ترامب السلطة لبايدن، باستلام السيسي من عدلي منصور.

بعد تنصيب بايدن، أصبح البيت الأبيض أقرب لمقام ولي من أولياء الله الصالحين، يطوف به حملة الشموع، ويتمسح بأسواره المريدون أملا في فك الأعمال الانقلابية، ورد الديمقراطية، ومنهم من يتوسل لبايدنه أن يصنع حجابا أو يخرج الجني.

ولنعد لإجابة السؤال، لماذا فشلت ديمقراطية مصر ونجحت ديمقراطية أميركا؟

وأجيب بأن التلاعب بمفهوم الديمقراطية المصنع خصيصا للشرق هو السبب في ما آلت إليه الأوضاع في مصر؛ فإذا ما فاز الحزب المراد يصبح الصندوق هو الفيصل، وإذا فاز غيره يصير التوافق هو الحل.

فشل التيار العلماني في أن يحصل على أغلبية كراسي التشريع والتنفيذ بالصندوق، لذا أراد فرض التوافق عبر تنازل منافسه؛ تصرف بطفولة فلم يستغل المتاح ليتدرج لمستويات أعلى مع الحفاظ على مكتسبات الثورة؛ بل إنه وجه كامل طاقاته لهدم خصمه حتى لو كانت خسارة الثورة هي الثمن؛ كانت أمام هذا التيار فرصة ذهبية عندما عُرض على ثلاثة من كبار رموزه رئاسة الوزراء، وعلى بارزين فيه حقائب وزارية؛ كان بإمكانه السيطرة على البرلمان الجديد بعد نجاحه في تشويه خصمه، ومن ثم تعديل الدستور، وربما إسقاط الرئيس.

بعد الانقلاب أجمعت الآراء على فشل الإخوان وفشل العملية الديمقراطية، لكني أرى العكس.. في رأيكم من الفاشل؟ من يستثمر كل الفرص ويرفع العلم، ثم يقيده جيش، وتدهسه دبابة؟ أم من يطلق سراح المارد ويبيعه روحه في مقابل أن يصير ملكا، فيتحرر الجني ويسجنه مكانه؟

7048540C-B765-4399-A999-CB7869F215E2
رانيا مصطفى
باحثة مهتمة بالتاريخ والسياسة والأدب والعلوم الإنسانية. تقول: كل فكرة فى مقال ماهى إلا رسالة فى زجاجة ملقاة فى بحر تتقاذفها أمواج الأيام حتى تصل إلى من يهمه الأمر

مدونات أخرى