الآثار الجزائرية... ما تجاهله ستيفان غْزيل

الآثار الجزائرية... ما تجاهله ستيفان غْزيل

20 يناير 2021
(نقوش أثرية تعود إلى عشرين ألف عام في طاسيلي ناجر بالصحراء الجزائرية)
+ الخط -

في أيار/ مايو العام الماضي، أعلنت وزارة الثقافة الجزائرية عن بدء العمل على إنجاز خارطة أثرية جديدة تُمكّن من "إحصاء الآثار والممتلكات العقارية الثقافية عبر التراب الوطني"، وبالتالي مِن "التكفُّل الأمثل بها مستقبلاً"، وهو المشروع الذي خُصّصت له لجنةٌ تضمّ باحثين وخبراء ومهنيّين في مجال التراث الثقافي.

ويوم أمس، كشفت الوزارةُ عن الخارطة الجديدة التي قالت إنها أُنجزت من قِبل عددٍ من الهيئات التابعة لها والمختصّة في الآثار؛ وهي: "المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ"، و"المركز الوطني للبحث في علم الآثار"، و"ديوان تسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية"، و"ديوان حماية وترقية وادي ميزاب"، إضافةً إلى الحظائر الوطنية ومديريات الثقافة في مختلف الولايات الجزائرية.

وقال الباحث في الآثار، عبد الرحمن خليفة، الذي أشرف على المشروع، إنَّ هذه الخارطة هي نتيجة جردٍ ميداني شمل 15200 موقع؛ من بينها 7640 موقعاً ذُكر في "أطلس الجزائر الأثري" الذي أنجزه عالم الآثار الفرنسي ستيفان غْزيل Stéphane Gsell عام 1911، أي خلال الفترة الاستعمارية، ما يعني إضافة 7652 موقعاً جديداً.

بهذا الشكل، تبدو الخارطة الجديدة تحييناً لأطلس غْزيل الذي قالت وزيرة الثقافة الجزائرية مليكة بن دودة، خلال الإعلان، إنه يحمل "أبعاداً أيديولوجية وخلفيات استعمارية، لكونه خُصّص فقط للآثار الرومانية المتواجدة شمالَ البلاد"، مضيفةً أنَّ المسح الجديد يُظهر "الحقيقة التاريخية والحضارية للجزائر الممتدّة على مدى 2.5 مليون سنة، والتي تشمل جميع مناطق البلاد، بما فيها الجنوب".

وبحسب المتحدّثة، فإنَّ هذا التحيين "يدخل في إطار الأمن الثقافي والتحرُّر من الخارطة الكولونيالية الفرنسية ومِن الخطاب الثقافي الاستعماري الذي مسّ العديد من المجالات".

ويهدف المشروع، الذي يُقدّم خارطة أثرية مصغَّرة لكل ولاية، إلى "التعريف بالآثار في كلّ منطقة وحفظها عند إنجاز المشاريع التنموية"، بحسب خليفة الذي أضاف أنَّ الخارطة "ستتجدَّد باستمرار، وستُتاح قريباً للجمهور عبر الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة".

اللافتُ هو أنّ المشروع برمّته يأتي بعد أكثر من مئة سنة على أطلس غْزيل، وبعد قرابة ستّين عاماً مِن الاستقلال، وهو ما يكشف عن تقصير فادح في تحيين عملٍ "ذي أبعاد أيديولوجية وخلفيات استعمارية"، بحسب تعبير بن دودة، وقد كان طيلةَ عقود المرجعَ الأساسيَّ في هذا المجال.

اللافت، أيضاً، هو الحديث عن إتاحة "الخارطة التفاعُلية" عبر موقع وزارة الثقافة، وهو أمرٌ يبدو غير واقعي بالمرّة، ليس فقط بالنظر إلى ضعف الموقع الإلكتروني شكلاً ومضموناً (لا يوفّر حتى منشورات الوزارة ومجلّاتها)، بل بالنظر أيضاً إلى الذهنية الرسمية التي لا تزال بعيدةً عن العالَم الرقمي بأشواط.

لنتذكّر هنا، على سبيل المثال، حديث الوزارة قبل أشهر عن عملها على تنظيم "دورة افتراضية" من "معرض الجزائر الدولي للكتاب" الذي أُلغي العام الماضي بسبب الجائحة وعن توفير الكتب عبر منصّات رقمية. حينها، كتبنا في "العربي الجديد" أنَّ تحقيق ذلك سيكون مِن الصعوبة بمكان... وبالفعل، لم يحدث شيء من ذلك.

المساهمون