تجنيد "قسد" الإجباري: كابوس سوري

تجنيد "قسد" الإجباري: كابوس سوري

18 يناير 2021
تهدف سياسة التجنيد الإلزامي لزيادة أعداد "قسد" (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل الاحتجاجات في مناطق الشرق السوري ضد ممارسات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، خصوصاً ما يتصل بالتجنيد الإلزامي في صفوفها، وهي القضية التي تثير قلق الأهالي، وتجعل سيطرة "قسد" على مناطقهم ثقيلة الوطأة، على نحو يُذكر بسيطرة النظام السوري، وملاحقاته الأمنية. وتصاعدت هذه الاحتجاجات مع نهاية العام الماضي، بعد تكثيف "قسد" حملات الدهم والاعتقال، بحثاً عن الشبان المطلوبين للخدمة الإلزامية، وإعلان "مركز الانضباط"، التابع لها، قائمة أسماء، تضم عدداً كبيراً من العاملين في دوائر مجلس دير الزور المدني، وذلك لسوقهم للتجنيد الإجباري ضمن صفوف ما يسمى "قوات الحماية الذاتية". وقامت الشرطة العسكرية، التابعة إلى "قسد"، بإرسال قائمة أسماء، تشمل العاملين في قطاع التعليم من مواليد العام 1990 وما فوق، للالتحاق بالخدمة الإجبارية، مهددة إياهم بالفصل في حال تخلفهم.

اعتقلت "قسد"، خلال الأيام الأخيرة، عشرات المعلمين جنوب محافظة الحسكة بهدف تجنيدهم بصفوفها

وأثارت هذه القائمة امتعاض الأهالي، الذين توالت تظاهراتهم الاحتجاجية، في العديد من مناطق محافظة دير الزور، وخصوصاً من العاملين في مجال التعليم، الذين قدم بعضهم استقالتهم رفضاً لحملة التجنيد الإجباري. واعتقلت "قسد"، خلال الأيام الأخيرة، عشرات المعلمين خلال حملة أمنية في جنوب محافظة الحسكة بهدف تجنيدهم في صفوفها. كما فصلت "هيئة التربية والتعليم"، التابعة إلى "الإدارة الذاتية"، عشرات المعلمين من وظائفهم، بسبب عدم استجابتهم لطلب الالتحاق بصفوف المليشيات لتأدية الخدمة الإجبارية.

وقال معلم في دير الزور، لـ"العربي الجديد"، إن محاولة تجنيد المعلمين مرفوضة، وقد استقال الكثير منهم لكي يتجنبوا الخدمة العسكرية، و"لا أحد يريد الالتحاق بالخدمة التي تفرضها قسد على الموظفين لديها، مستغلة حاجتهم للعمل". وأشار إلى أن "قسد" غالباً ما تضع أبناء دير الزور في الصفوف الأمامية لأي معركة.

ولا تخص قرارات التجنيد الإلزامي العاملين لدى مؤسسات "قسد" فقط، بل تشمل مجمل الشبان، الذين يحاول بعضهم تجنب اعتقالهم من جانب دورياتها، من خلال ترك أعمالهم والاعتكاف في منازلهم، وهو ما يفاقم من أوضاعهم المعيشية. وفي هذا السياق، قال "فراس م"، وهو بائع متجول لـ"العربي الجديد"، إنه لم يذهب للعمل منذ أيام خشية التعرض له في الطريق، أو العمل، من جانب القوات الأمنية التابعة إلى "قسد"، الأمر الذي يفاقم من وضعه الاقتصادي المتدهور أصلاً بسبب ضعف الحركة في السوق على خلفية وباء كورونا. وأشار إلى أن العديد من الأشخاص ممن يعرفهم جرى سوقهم للتجنيد الإلزامي، وهو لا يريد الالتحاق بالتجنيد كونه المعيل الوحيد لأسرته، كما أنه لا يريد أن يكون مقاتلاً مع أي طرف. وأوضح أن الشبان في العديد من مناطق سيطرة "قسد" يجب عليهم الحصول على دفتري خدمة إلزامية، واحد من النظام السوري، والثاني من "الإدارة الذاتية"، وهو ما يجعل الهجرة إلى العراق أو تركيا الخيار الوحيد المتبقي للعديد من الشبان لكي يتجنبوا الالتحاق بالخدمة العسكرية.

وتشير معطيات إلى أن أجهزة "قسد" الأمنية اعتقلت في الآونة الأخيرة، ضمن مناطق سيطرتها في دير الزور والرقة والحسكة، أكثر من 4000 شاب وفتاة، غالبيتهم من محافظة الحسكة، وذلك لسوقهم إلى التجنيد الإجباري.
ورأى شلال كدو، عضو الائتلاف الوطني السوري عن المجلس الوطني الكردي، وسكرتير حزب اليسار الديمقراطي الكردي في سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن سياسة التجنيد "أدت إلى تهجير عشرات، وربما مئات الآلاف من الأشخاص، من تلك المناطق. والمجلس الوطني الكردي طالب، منذ البداية، بوقف هذه السياسة التي أدت إلى إفراغ بعض المناطق جزئياً من سكانها". وأضاف كدو "نحن لا نرى أي مبرر لهذه السياسة. وطالبنا مرات عديدة خلال المفاوضات بيننا وبينهم بوقفها. وسوف نواصل الضغط لوقف هذه السياسة التي تقود إلى تهجير الناس من مناطقهم".

تسببت سياسات "قسد" في تهجير آلاف الشباب من المناطق الكردية هرباً من التجنيد

وكانت "قسد" أوقفت التجنيد الإجباري مطلع إبريل/نيسان الماضي، بسبب تفشي وباء كورونا في صفوف عناصرها. وعادت واستأنفت هذه الحملات بداية يوليو/تموز الماضي. وحددت قرارات سابقة لـ"قوات سورية الديمقراطية"، مطلع العام 2020، سن الأشخاص المطلوبين للتجنيد الإجباري في صفوفها بمواليد 1 /1/ 1990 وما بعد ذلك، كما أنها تشمل العناصر الذين تم تجنيدهم قبل صدور القرارات. ولم يذكر البيان العمر الأدنى للتجنيد، المعروف بـ18 سنة، وسط اتهامات كثيرة لـ"قسد" بمواصلة تجنيد الأطفال. واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في أغسطس/آب 2018، "قسد" بزيادة وتيرة تجنيدها للأطفال خمسة أضعاف، مشيرة إلى استهدافها أطفال النازحين في المخيمات بغية تجنيدهم في صفوف قواتها. وسبق أن حددت "الإدارة الذاتية" مواليد المطلوبين في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، بمواليد 1986 وما بعد، بينما اختلفت هذه الأعمار في مدن الرقة والطبقة وعين العرب ومنبج. وعدلت "قسد" منتصف العام 2019 قانون التجنيد الصادر في 2015، والقاضي بإلزام شاب واحد من كل عائلة بالخدمة لمدة ستة أشهر، باستثناء الطلاب والابن الوحيد، ومن له شقيق متطوع في صفوفها، ليشمل القانون الجديد جميع الشبان المقيمين في مناطق سيطرتها منذ أكثر من خمسة أعوام.

ورأى متابعون أن سياسة التجنيد الإلزامي التي تتبعها "قسد"، حتى للعاملين لديها، تأتي في سياق مساعيها لزيادة أعداد مقاتليها، وذلك عقب التهديدات التركية باقتحام منطقة عين عيسى شمالي الرقة. ورأى الناشط أحمد العيسى من ريف دير الزور، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قسد" تحاول أيضاً التأكيد على فكرة أنها إدارة متكاملة، مدنية وعسكرية، وأنها تعمل على تشكيل "نواة دولة" أو حكم ذاتي، ما يلزم تطبيع الناس على هذه الفكرة، لتكون مستقبلاً بديلاً عن النظام السوري في تعاملها مع المدنيين على صعيدي الحقوق والواجبات. وأشار إلى الشروط التي وضعتها "قسد" خلال تفاوضها مع النظام السوري بضرورة أن يعترف بها، ويبقي على قواتها ككيان منفصل ضمن جيشه، بوصفها المسؤولة عن حفظ الأمن في مناطق سيطرتها. وأضاف العيسى أن "قسد" تستفيد من سياسة الخدمة الإلزامية أيضاً لناحية ضغط النفقات، لأن راتب المجند إلزامياً لا يزيد عن ربع راتب المتطوع. لكنه رأى أن هذه السياسات ستقوض الاستقرار في المنطقة، وتوسِع الفجوة بين "قسد" والأهالي، ما قد يفاقم من الاحتجاجات والصدامات بين الجانبين.

وكانت "قوات سورية الديمقراطية" تشكلت في أكتوبر/تشرين الأول 2015، على أساس تحالف عسكري متعدد الأعراق والأديان، مدعوم من الولايات المتحدة، وتشكل عمودها الفقري و"حدات حماية الشعب" و"وحدات حماية المرأة" الكرديتان، فضلاً عن بعض المكونات العربية والمسيحية والتركمانية. ومع توسع سيطرتها في محافظتي الرقة ودير الزور، تم الإعلان في سبتمبر/أيلول 2018 عن تشكيل "الإدارة الذاتية" في شمال وشرق سورية، بعد اجتماع في بلدة عين عيسى شمال الرقة، ليعلن بعدها قانون "واجب الدفاع الذاتي" في مناطق شمال وشرق سورية. ورغم التعديلات الطفيفة التي طرأت عليه خلال الأعوام الماضية، إلا أن القانون اتخذ شكله الأخير في يونيو/ حزيران 2019، حين أقرت "الإدارة الذاتية" قانوناً جديداً، يتألف من 35 مادة، مشابها لقانون الخدمة الإلزامية لدى النظام السوري. ويخضع المجند أولاً إلى فحص طبي للتأكد من سلامته من أي أمراض قد تعيق عمله العسكري، ثم يتم فرزه إلى أحد مراكز التدريب العسكرية الثلاثة في الحسكة والرميلان والقامشلي، لإجراء دورة مدتها 45 يوماً، قبل أن يتم فرزه النهائي إلى إحدى القطع التابعة إلى "قسد". وعلى غرار الخدمة العسكرية في جيش النظام السوري، تلعب المحسوبيات والرشاوى دورها في عمليات فرز المجندين إلى المراكز العسكرية، ما بين الخدمة في مراكز المدن والأعمال الإدارية، أو على خطوط الجبهات.

صحافي كردي: ملايين الدولارات تأتي كمساعدات من التحالف الدولي كلما زاد تعداد عناصر قسد

ورأى صحافي كردي، رفض الكشف عن اسمه، أن هذه السياسات تسببت في تهجير آلاف الشباب من المناطق الكردية هرباً من التجنيد، مقابل خوض معارك بالوكالة، إذ يرفض معظم المجتمع الكردي خوض معارك في عمق المناطق العربية، لأن أبناء تلك المناطق أولى بالدفاع عنها. وقال الصحافي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هناك أيضاً منافع اقتصادية، إذ إن ملايين الدولارات تأتي كمساعدات من التحالف الدولي كلما زاد تعداد عناصر "قسد". وأشار إلى أن الزي الذي يرتديه مقاتلو "قسد" عليه إشارات الولايات المتحدة، ما يعني أن واشنطن تدعم سياسة التجنيد الإلزامي. ورأى أنه بعد التخلص من تنظيم "داعش" لم يعد هناك مبرر لسياسة التجنيد سوى المنافع الاقتصادية. ومن جانب آخر فإن هذه السياسة تستهدف نسف الحوار الكردي- الكردي، وخلط الأوراق أمام الكتل الكردية المعارضة لسياسات "قسد" وحزب الاتحاد الديمقراطي.

وتسيطر "قسد" على مساحات شاسعة من سورية، تتجاوز 35 ألف كيلومتر مربع من مساحة البلاد البالغة 185 ألف كيلومتر مربع، بقوام نحو 50 ألف مقاتل، وفق تقديرات مختلفة، أكثر من نصفهم من العرب حسب بيان لوزارة الدفاع الأميركية. وتلقت هذه القوات أسلحة ثقيلة من واشنطن، من بينها ناقلات جنود ومدافع هاون ورشاشات ثقيلة، إلى جانب الذخيرة، رغم المعارضة الشديدة من قبل أنقرة، التي ترى أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي في سورية، ومعه "قسد"، مجرد فرع سوري لحزب "العمال الكردستاني" المحظور في تركيا. كما تقوم القوات الأميركية بتقديم التدريب والتجهيز الكامل لمقاتلي "قسد"، بالإضافة إلى تقديم الاستشارات على الجبهات والدعم الجوي من قبل الطيران الأميركي خلال المعارك. وحسب القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، فإن قواته تسيطر اليوم على أكثر من 30 في المائة من مساحة سورية، حيث زاد عددها بشكل كبير بعد ازدياد العرب الذين شاركوا في تحرير مناطقهم، بحسب قوله.