"نبلاء" توم سيليك: متفانون في عملهم من أجل خلاص الناس

"نبلاء" توم سيليك: متفانون في عملهم من أجل خلاص الناس

18 يناير 2021
توم سيليك في شوارع مانهاتن (2011) أثناء تصوير "النبلاء" (جيمس دَفاني/وايرإيماج)
+ الخط -

يسهل فهم سبب تغيير عنوان السلسلة التلفزيونية الأميركية من "قانون ريغان (Reagan’s Law)" إلى "النبلاء (إحدى الترجمات العربية المُتداولة للتعبير الإنكليزي Blue Bloods، الذي يعني أيضاً "نسب أصيل")"، بمشاهدة حلقات عدّة من سيرة عائلة ريغان، المنذورة لسلك الشرطة في نيويورك. ورغم أنّ العنوان الأول يعكس معالم عائلةٍ، يجهد أفرادها في خدمة القانون والأخلاق، وفقاً لمعتقداتٍ ومسالك خاصة بهم، لها جذور في ثقافة وتربية "كاثوليكيتين"؛ ارتأى صانعو السلسلة (التي ابتكرها روبن غرين وميتشل بورجِس عام 2010، علماً أنّ حلقات موسمها الـ11 تُعرض منذ 4 ديسمبر/ كانون الأول 2020 على شاشة المحطّة التلفزيونية CBS، مُنتجة العمل) جَعْلَه "النبلاء"، لمزيدٍ من الإقرار بطهارة العائلة وشفافيتها، وبحرصها على تقاليد راسخة في الاجتماع والعلاقات العائلية والمهنية، وفي التواصل مع الآخرين، وفي أنماط الحياة اليومية.

لن يكون عابراً التنبيه إلى أنّ أصول عائلة ريغان تتحدّر من أيرلندا، البلد الكاثوليكي الذي سيُنجب ذات مرة رئيساً للولايات المتحدّة الأميركية، جون كينيدي (1961 ـ 1963)، مع أنّ اختيار ريغان اسماً للعائلة يُحيل، بشكلٍ ما، إلى الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان (1981 ـ 1989)، بما يحمله من ثقافة اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية صارمة ومتشدّدة، بهدف تمتين البلد في سطوته على العالم، لمواجهة الاتحاد السوفييتي السابق، من دون تناسي آليات اشتغاله الداخلي، اقتصادياً واجتماعياً على الأقلّ، وإنْ بشيءٍ من الاحتيال والمواربة وتجاوز القوانين المعتمَدة.

كأنّ مُبتكري السلسلة يرسمان، منذ البداية، الملامح، المطلوب من المُشاهدين التنبّه إليها، قبل الغوص في رحلة، تُثير حلقاتها الكثيرة مللاً لتكرار مفاصلها الأساسية، ما يُحيل إلى روتينٍ يُصيب المتنبّه إليه منذ بداية كلّ حلقة، غالباً. فالأساسيّ في حياة أفراد العائلة، المنتمين إلى 3 أجيالٍ في تاريخ الشرطة النيويوركية كما في التاريخ العائليّ (علماً أن هناك جيلاً رابعاً يظهر بين حينٍ وآخر، رغم عدم انخراطه في المهنة العائلية بعد)، كامنٌ في العشاء الأسبوعي مساء كلّ يوم أحد، وهذا موعد ثابت يستحيل تبديله، ويُمنع على أي فردٍ التغيب عنه أيّاً يكن السبب. عشاء أشبه بلقاء مسيحي، يتبوّأه فرنسيس "فرانك" ريغان (توم سيليك) من جهة، ووالده الشرطيّ المتقاعد هنري (لِن كاريو) من جهة أخرى.

 

صرامة وتشدّد يليقان بعائلة كاثوليكية، تعيش ـ وإنْ بصمتٍ ـ غياب بيتي رايلي ـ ريغان، زوجة هنري ووالدة فرانك، التي يُذكر على شاهِد قبرها أنّها مولودة عام 1925 (18 أكتوبر/ تشرين الأول)، ومتوفاة عام 2001 (2 ديسمبر/ كانون الأول)؛ وماري مارغريت ريغان، زوجة فرانك (1955 ـ 2005)، وجوزف ابن فرانك وماري (1977 ـ 2009)، المقتول أثناء مهمّة سرّية له، تهدف إلى كشف جماعة "فرسان الهيكل" (إحالة دينية مسيحية أخرى، تكشف ـ بشكلٍ أو بآخر ـ شيئاً من التزامات العائلة). موتٌ يُخيّم على عائلة تواجه أشرار العالم (فنيويورك عالمٌ قائمٌ بذاته، إنْ لم تكن العالم كلّه أيضاً) بوسائل "صائبة"، تتخلّلها مخالفاتٌ، وتحميها صلات عائلية، وتصونها روابط تبدو أهمّ من المهنة.

لن يُقلِّل هذا من وقائع تحدث في كلّ حلقة. المحقِّق دانيال (دوني ولبيرغ) يوحي دائماً أنّه الأذكى والأكثر حنكة وفهماً لمسارات الأمور، عند تحقيقه في جرائم قتل، لن يتردّد لحظة عن تسخير كلّ ما لديه من معارف وصلات وأدوات لكشف مرتكبيها وزجّهم في السجن، في زمنٍ قصيرٍ للغاية (وهذا مغاير للواقع تماماً)، تفرضه مدّة كلّ حلقة، إذْ يجب على كلّ حلقة أنْ تنتهي بكشف الجناة (وإنْ يمتدّ زمن أحداث كل حلقة إلى أيامٍ عدّة). شقيقه جيمي (ويل أسْتس) شرطيّ يحاول التوفيق بين انتمائه إلى سلالة عائلية عريقة وراسخة في سلك الشرطة، وبين رغباته وخيباته ومحاولاته الدائمة التكفير عن أخطائه في المهنة والحياة. شقيقتهما إيرين (بريدجت مويناهِن) ـ المطلّقة والمُقيمة مع ابنتها نيكول (سامي غايل)، التي ستغادر المنزل لاحقاً لتعيش حياة مختلفة بعيداً عن عائلة ريغان ـ تعمل في مكتب المدّعي العام.

سينما ودراما
التحديثات الحية

المهنة تلك تحتاج إلى تسهيلاتٍ، لن يتردّد أبناء العائلة بالمطالبة بها، رغم وعيهم بضرورة التزام المسارات القانونية والطبيعية. تكاتف أبناء ريغان بعضهم مع بعض، وإنْ كانت تشوبه خضّات وصدامات ستُحلّ نهائياً إما على طاولة العشاء الأسبوعي أو قبيل العشاء بقليل، يُصبح أهمّ من وظيفة تهدف، أساساً، إلى القضاء على الشرّ، بأشكاله كلّها. فرانك نفسه، المتفاني في صون الأخلاق والعمل وفقاً لها غالباً (أخلاق المهنة طبعاً، لكنْ أيضاً الأخلاق التربوية والاجتماعية والإنسانية والدينية)، لن يتردّد في الاحتيال والمواربة، أحياناً عدّة، لتسهيل أمر، أو لكشف مسألة، أو لحلّ مشكلة، أو لمعرفة معلومة أو التأكّد منها. في حين أنّ حركات وجهه وملامحه ومشيته ونبرته، وأيضاً طريقة تحدّثه مع الآخرين، تقول إنّه الخير المطلق، وإنّه الأب الصالح للجميع، وإنّه متفهّم كلّ شيء وكل أحد، وإنّه المنقذ والملجأ، وهذا كلّه مُغلَّفٌ بفوقية وتشاوفٍ، مُبطّنين غالباً لكنّهما أوضح من أنْ يُفسَّرا أيضاً.

كعادة مسلسلات تلفزيونية، معنية بمهنتي الشرطة والقضاء، يجب على الخير أنْ يغلب الشرّ بأي شكلٍ وبأي وسيلة. وكعادة مسلسلات كهذه، يندرج "النبلاء" في السياق نفسه، فيُقدِّم صورة نقيّة عن عائلة نبيلة تُضحّي من أجل نيويورك وناسها، لمواجهة الصراعات الحاصلة فيها، والتجاذبات السياسية والإعلامية. صورة نقيّة عن رجال شرطة نيويوركيين يبذلون المستحيل لحماية الأبرياء وحقوقهم، بلغة تلفزيونية عادية، لن تخلو من انتقاداتٍ مبطنة ومباشرة. وكعادة تلك المسلسلات أيضاً، يُسرَّع حلّ القضايا الجنائية والقانونية كلّها، للتأكيد على أنّ رجال الشرطة والقانون معنيون بمصالح الناس، ومهتمّون بالقضاء على الجريمة بسرعةٍ، غير ممكنة في الواقع. ومع أنّ زمن أحداث كلّ حلقة يمتد على أسبوعٍ تقريباً، ينتهي بالعشاء المعتاد، فإنّ حلّ الجرائم وكشف المتورّطين بها يحتاج إلى وقتٍ أطول بكثير، يختزله "النبلاء" بـ"لحظات"، فهُم النبلاء، وعلى النبلاء الاجتهاد المطلق لحماية الناس وتأمين حقوقهم، ومطالبتهم بواجباتٍ لهم إزاء المدينة وناسها، وإزاء أنفسهم أيضاً.

المساهمون