السودان: انقسام عميق داخل السلطة الانتقالية

السودان: انقسام عميق داخل السلطة الانتقالية

05 ديسمبر 2020
ضجة عقب إعلان تشكيل مجلس لشركاء الفترة الانتقالية (إبراهيم حامد/فرانس برس)
+ الخط -

تزايدت حدة الانقسامات داخل السلطة الانتقالية السودانية، بعد قرار لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق عبد الفتاح البرهان، بتشكيل مجلس لشركاء الفترة الانتقالية من 28 عضواً، في خطوة عُدت عند الكثيرين محاولة للتغول على صلاحيات مجلس الوزراء والبرلمان المرتقب.

وكانت عضو مجلس السيادة الانتقالي، عائشة السعيد، آخر المنضمين في الساعات الأخيرة لجناح رفض تشكيل مجلس الشركاء ومنحه صلاحيات واسعة، حيث أصدرت بياناً مفتوحاً أعلنت فيها رفضها القاطع للمجلس الجديد، الذي اعتبرته "انقلاباً صارخاً على مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة، سواء في آلية تكوينه وعضويته وصلاحياته".

وأشارت السعيد، في بيانها الذي نُشر على نطاق واسع، أن مجلس شركاء الفترة الانتقالية ينزع صلاحيات وضرورة قيام المجلس التشريعي، وأن "الاتفاق الأولي قضى بأن يكون دور مجلس الشركاء تنسيقيا تشاوريا ويقرب وجهات النظر فقط"، مبينة أن اللائحة المقترحة للمجلس الجديد تمنحه سلطات سيادية وتنفيذية، كما انتقدت بشدة ضعف تمثيل النساء في المجلس.

وكان البرهان قد أصدر، الخميس الماضي، مرسوماً دستورياً بتشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية برئاسته وعضوية 27 آخرين، ممثلين للمكون العسكري وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، والحركات المسلحة.

وجاء التشكيل من 6 من العسكرين، 5 منهم هم أعضاء مجلس السيادة من المكون العسكري، أضيف لهم عبد الرحيم دقلو، نائب ثاني قائد الدعم السريع، شقيق نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وكذلك تسمية رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عضواً بالمجلس، إضافة 13 عضواً من تحالف الحرية والتغيير الحاكم، و8 من الحركات الموقعة على اتفاق السلام الأخير بجوبا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وأعطى المرسوم مجلس الشركاء صلاحية توجيه الفترة الانتقالية بما يخدم المصالح العليا للسودان، وحل التباينات في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، وحشد الدعم اللازم لإنجاح الفترة الانتقالية وتنفيذ مهامها الواردة في الوثيقة الدستورية واتفاق سلام جوبا لسنة 2020، ومنح المرسوم أي طرف من الأطراف حق سحب وتغيير ممثله في المجلس.

ولم تكن عائشة السعيد العضو الوحيد التي رفضت قرار تشكل المجلس المثير للجدل، فقد تواترت أنباء أخرى عن اعتراضات من أعضاء آخرين داخل مجلس السيادة، من بينهم صديق تاور، الذي نُسب إليه احتجاجه على التغول على صلاحيات مجلس الوزراء.

رئيس الوزراء نفسه بدا متحفظاً على المرسوم الدستوري، وأفاد مصدر داخل مجلس الوزراء "العربي الجديد" بعدم رغبة حمدوك في المشاركة في المجلس بعد تسميته، محتجاً على طريقة تشكيله وعدم تسميته رئيساً مناوباً للمجلس، وقلقه من التغول على صلاحياته.

وأشار المصدر إلى أن الصلاحيات التي منحها المرسوم الدستوري للمجلس فضفاضة، ويمكن استغلالها مستقبلاً للتدخل في كل صغيرة وكبيرة في كل المستويات، مبرزا أن "التحالف الحاكم، وفي اجتماع له الأربعاء الماضي مع حمدوك، اقترح تسميته رئيساً مناوباً، وهذا لم يحدث". 

وأكد المصدر أن رئيس الوزراء متمسك بعدم تدخل الجسم الجديد في الأداء التنفيذي والسيادي والتشريعي، وقبل ذلك يرفض طريقة التكوين التي تجاوزت كثير من الجهات.

لم تكن عائشة السعيد العضو الوحيد التي رفضت قرار تشكل المجلس المثير للجدل، فقد تواترت أنباء أخرى عن اعتراضات من أعضاء آخرين داخل مجلس السيادة، من بينهم صديق تاور، الذي نُسب إليه احتجاجه على التغول على صلاحيات مجلس الوزراء

ويوم الجمعة، تحولت اعتراضات مجلس الوزراء إلى العلن، حينما أصدر الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الإعلام، فيصل محمد صالح، بياناً دعا فيه إلى مراجعة قرار تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية وتعديل اختصاصاته بموجب الوثيقة الدستورية، وأكد أن المشاورات، التي تمت في الأيام الماضية، اقتصرت على تحديد دور محدد للمجلس هو التنسيق لحل النزاعات والخلافات بين مكونات السلطة الانتقالية.

وذكر الوزير أن الاختصاصات الواردة في المرسوم الجمهوري تعطي انطباعاً بأن المجلس سيكون وصيا على الأجهزة المختلفة، كما تجاوز التكوين المرأة والشباب، بما يتعارض مع الوثيقة الدستورية الموقعة العام الماضي.

إلى ذلك، اصطف تجمع المهنيين السودانيين (دينمو الحراك الثوري) إلى جانب الحكومة المدنية في رفضها لقرار تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية، وأصدر بياناً وصف فيه الخطوة بأنها "التفاف جديد على آليات مراقبة وتوجيه الفترة الانتقالية، وبطريقة منافية لروح الثورة". 

كما أصدرت لجان المقاومة السودانية في عدد من المناطق السودانية، بيانات رفضت فيها قرار البرهان الذي يتجه لعسكرة نظام الحكم على حساب المدنية.

وهددت اللجان بالتصعيد الثوري بداية من تاريخ 18 من الشهر الجاري، الذي يصادف مرور عامين على اندلاع الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير. وشددت لجان المقاومة على أهمية تشكيل المجلس التشريعي من كل قوى الثورة الحية، ليقوم بمهمة مراقبة الأداء الحكومي وسن التشريعات والقوانين اللازمة، كما استبقت الحركة الشعبية قطاع الشمال، بزعامة القائد عبد العزيز الحلو، الجميع برفضها للفكرة رغم عدم توقيعها على اتفاق سلام مع الحكومة حتى الآن.

ومع تعدد بيانات الرفض والاستنكار، فإن المكون العسكري، وبعض المكونات الأخرى المتحمسة لقيام المجلس الجديد، آثرت الصمت حتى اللحظة، ولم يصدر منها أي بيانات أو تصريحات للرد على الانتقادات الكثيفة التي ووجه بها قرار تشكيل مجلس الشركاء، والاستثناء الوحيد هو تصريح يتيم صادر من المستشار الإعلامي للفريق أول عبد الفتاح البرهان، العميد الطاهر أبوهاجة، لصحيفة "الصيحة" الصادرة اليوم السبت، نفى فيه أن يكون تكوين المجلس "خطوة للتغول على صلاحية جهات أخرى"، وذكر أن المجلس "أملته المرحلة لأجل خلق بيئة صالحة للحوار والنقاش".

وقال كمال كرار، القيادي في الحزب الشيوعي، وهو حزب انسحب قبل أسابيع من تحالف الحرية والتغيير، أن المشهد الحالي يتجه تماماً بكلياته نحو "استرداد الثورة بعد اختطافها في الفترات السابقة"، مشيراً إلى أن "تشكيل مجلس الشركاء ما هو إلا فصل أخير من فصول الاختطاف التي بدأت بفض اعتصام محيط قيادة الجيش قبل أكثر من عام".

وأضاف كرار، لـ"العربي الجديد"، أن "قناعة الحزب الشيوعي، التي بسببها نفض يده عن التحالف الحاكم، أن التغيير الثوري لم يتم بصورة جذرية، وأن النظام القديم باق بأدواته وطريقة تفكيره، وأن بعضا من قوى الحرية والتغيير تماهت مع العسكر، وبعضها أدرك بعد فوات الأوان نوايا العسكر، بمن في ذلك رئيس الوزراء عبد الله حمدوك".    

وأوضح أن "التحالف الجديد لاسترداد الثورة يتكون من الحزب الشيوعي ولجان المقاومة، وحركات الكفاح المسلح التي لم توقع على اتفاق سلام مع الحكومة، وتجمع المهنيين الشرعي"، مراهناً على أن ذلك التحالف "سيحقق هدفه بالتصحيح الكامل لمسار الثورة".

المساهمون