إما مباركة عربدة إسرائيل أو تهمة التشبيح لإيران؟

إما مباركة العربدة الإسرائيلية أو الاتهام بالتشبيح لإيران؟

01 ديسمبر 2020
+ الخط -

جدل وحروب اجتاحا الفضاء الإلكتروني عقب عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، والتي لم تعلن حتى كتابة هذه السطور أي جهة عن مسؤوليتها عنها، رغم أن أصابع الاتهام تتجه لإسرائيل.

وبدلا من الحديث عن العملية ذاتها وقراءتها بموضوعية، يصر مغردون ممن يستعرضون العضلات الوطنية على إقامة محاكم التفتيش لكل من يعبر عن رأيه، في مواقف مسبقة تعطل العقل لصالح التصفيق لنتنياهو نكاية بإيران!! هذه العقلية في التحليل تسمى عقلية المكايدة، وهي لا علاقة لها بالتحليل السياسي، وإنما بـ"كيد النساء".

فكرة شرعنة ومباركة العربدة الإسرائيلية ليست مقبولة، انتقاد سياسات إيران وتنمرها وجرائمها شيء، والموافقة على سياسة الاغتيالات والتدخلات التي تنفدها إسرائيل شيء آخر... لا يمكن أن تقدم تل أبيب ترياق حياة لخصوم إيران، كما أن تبرير عملية اغتيال العالم الإيراني معناه موافقة مسبقة على أي عمليات اغتيال واستباحة قد تقوم بها إسرائيل في الساحات العربية، و"شيك" على بياض لدولة أكثر خطورة وتهديدا للأمن القومي العربي والإسلامي من طهران، القاتل لا يمكن أن يقبل به شرطيا.

لماذا لا توجد مقاربة تجمع بين انتقاد إيران ورفض تدخلاتها وجرائمها واحتلالها لأربع عواصم عربية، و بين رفض المشروع الصهيوني وكل ما تمارسه إسرائيل، لماذا يصر "شبيحة السوشيال ميديا" على مطالبتنا بأن نعتبر إيران هي الخطر الوحيد، ونوافق على الاستعانة بالشيطان لمواجهتها، وأناقش أولئك القوم بعقليتهم: فهل قدّم الشيطان يوما طوال صراعه الأزلي مع الإنسان شيئا خيّرا للبشرية؟

إن المشروع الذي يعمل عليه بعض المهرولين للتطبيع بتعميد إسرائيل شرطياً في المنطقة لهو أخطر من المشروع الإيراني ذاته

بطبيعة الحال فإن حجم الألم الذي خلفته إيران ومليشياتها وعصاباتها والجرح الغائر في سورية والعراق واليمن ولبنان، لا يمكن نسيانه، لأنه يتجاوز البشاعة في إجرامه، ولأن نزيفه مستمر، ولا يمكن أن ندافع يوما عن مشروع إيران الطائفي الاستئصالي، لكن في غمرة ذلك ينبغي تذكر أن ما كان لإيران أن تعربد في المنطقة لولا النظام الإحلالي العنصري الذي زرعه الغرب ليقصم ظهر الأمة العربية والإسلامية، ويمنع وحدتها، ويعطل من فرص تولد قيادات وطنية عربية ومشروع عربي يقطع الطريق على إيران وغيرها، فلم يكن ممكنا  لإيران أن تعربد في الساحات العربية لولا حالة التشظي العربي التي انتهت إليها المنطقة جراء نظم ديكتاتورية لم تفكر يوما لا بمواجهة إيران ولا غيرها، وإنما يتلخص برنامجها ومشروعها في مواجهة شعوبها وقمعها، فلا يمكنني اليوم أن أصدق أن تلك النظم الديكتاتورية التي قتلت مواطنيها بكل وسائل القمع، تريد أن تتحالف مع إسرائيل لحماية شعوبها من الخطر الإيراني؟  كما أني لا أستطيع تصديق أن نظم الممانعة التي تحالفت مع طهران ومليشياتها ومرتزقتها فعلت ذلك لتحمي مواطنيها من الخطر "الإمبريالي العالمي". باختصار كلهم يتحالفون مع قتلة من كل صوب في هذا العالم للحفاظ على كراسيهم لا أكثر ولا أقل.

إسرائيل والمشروع الإيراني والحلف العربي المتصهين كلها خطر على هذه المنطقة، لكن ينبغي أن نتذكر أن أخطر تلك المشاريع هو المشروع الصهيوني، لأنه مشروع سرطاني، سريع القتل، وظيفي يعمل كقاعدة متقدمة للغرب، يصعب حصاره، دون يقظة. إيران أولا وأخيرا دولة في الجوار يمكن أن يتم توقيفها عند حدودها إذا ما انتصرنا على السرطان الإسرائيلي، وحررنا القرار العربي، وصنعنا مشروعا صلبا،  أما العكس فليس صحيحا.

مرضنا يكمن في غياب مشروع عربي يتصدي للعربدتين الإيرانية والإسرائيلية، ويقف في وجه المطامع الغربية والإقليمية، فهذه منطقة تزخر بالموارد والطاقات، حباها الله بكل شيء، فطبيعي جدا أن تتحول لميدان صراع إقليمي ودولي عنوانه المصالح، لكن غير الطبيعي هو أن يتقاتل العرب في ما بينهم، وأن يعادوا بعضهم فيما يتصالحون مع عدوهم ويتحالفون معه؟ من غير الطبيعي الحديث عن المشروع الإيراني، والمشروع التركي، والمشروع الصهيوني، ولا يوجد مشروع عربي، وإنما قفزات بلهاء لبعض الدول في الحضن الصهيوني، هذا لا يسمى مشروعا، بل انحدارا للهاوية.

إن المشروع الذي يعمل عليه بعض المهرولين للتطبيع بتعميد إسرائيل شرطيا في المنطقة لهو أخطر من المشروع الإيراني ذاته، لنتذكر أن المشكلة ليست في إيران، إنما في الغياب العربي بل التواطؤ العربي الذي فتح لها أبواب العواصم العربية التي تحتلها، من خذل سورية واليمن وقبلهما فلسطين، هم العرب، لو دعموا ثورة السوريين واليمنيين لما استباحت إيران تلك العواصم، فعندما كان السوريون يصرخون طالبين النجدة العربية، كانت الدول العربية التي تقول اليوم إنها تحارب إيران تصنف الثوار السوريين كإرهابيين، تذكروا أن من خذل سورية واليمن هو الذي سهل مهمة إيران.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.