عن تطور العبودية وتحول البشر وغباء السعادة

عن تطور العبودية وتحول البشر وغباء السعادة

30 نوفمبر 2020
+ الخط -

ـ "التدرج مسألة لها وجهان، فإلى جانب التطور التدريجي للأفكار الإنسانية هناك تطور تدريجي لأفكار من نوع آخر. على سبيل المثال اختفت القنانة، ولكن النظام الرأسمالي آخذ في النمو، وفي عصر الأفكار التحررية، كما هو الأمر تماماً في عصر باتوخان ـ حفيد جنكيزخان ـ لا تزال الغالبية تطعم وتكسو وتدافع عن الأقلية، بينما تبقى هي نفسها جائعة عارية دون أن يحميها أحد. مثل هذا الوضع يمكنه أن يتواءم تماماً مع أي نزعة أو تيار، وذلك لأن فن الاستعباد يتطور هو الآخر بشكل تدريجي، لقد توقفنا عن جلد الخدم في الاسطبلات، لكننا نكسب العبودية أشكالاً جديدة لبقة. على الأقل يمكننا أن نبررها في كل فرصة تسنح لنا. ليست لدينا سوى أفكار وأفكار، ولكن لو كان في ميسورنا الآن في ختام القرن التاسع عشر أن نلقي بعبء العمل البدني ثقيل الوطأة على عاتق الطبقات العاملة لفعلنا ذلك دون شك، ومن ثم بحثنا بالطبع عن تبرير لفعلنا هذا قائلين: إن أهدر أفضل البشر والمفكرين وأعظم العلماء وقتهم في هذا النوع من العمل، فلا بد وأن يحيق بالتقدم خطر جسيم".

من رواية (حياتي ـ حكاية رجل من الريف) لـ أنطون تشيخوف، ترجمة يوسف نبيل

ـ "المنفى مثمر إذا كان المرء ينتمي إلى ثقافتين في آن واحد، دون أن يتوحد مع أيهما".

من كتاب (فتح أمريكا مسألة الآخر) لـ تزفيتان تودوروف، ترجمة بشير السباعي

ـ "كيف تحول بشر طبيعيون مهذبون بين عشية وضحاها إلى قتلة لا يعرفون الشفقة؟ إن المرعب والمحير بشأن أحداث من هذا القبيل ـ والتي هي للأسف شائعة في التاريخ البشري على نحو لا حد له ـ هو أنها تبدو وكأنها تظهر فجأة من لا شيء. يجيء يوم فيه ينهار بغتة كل ما كان يبدو مستقرا، ويتغير الناس فلا يعود ممكنا التعرف عليهم، وقد أكرهتهم الأحداث على التصرف بأساليب ما كانوا من قبل يتخيلونها على الإطلاق، وكأنما أمسكت بالمقاليد فجأة قوى غامضة، وما من أحد ـ حتى مع كل النوايا الحسنة ـ يستطيع صد مد الأحداث الجارفة".

من كتاب (الذرة الاجتماعية: لماذا يزداد الأثرياء ثراءً والفقراء فقراً؟) تأليف مارك بوكانان ـ ترجمة أحمد علي بدوي

ـ "الزمن يجري بسرعة مذهلة، رقيب غامض يقص شريط الحياة فتتوالى الأحداث بلا فواصل أو مقدمات، كمن يركب قطاراً مات فيه السائق، أرى الأشجار وعواميد الكهرباء والبيوت والكباري، والشوارع تمر في لمح البصر وأحس إحساساً دفيناً بأن النهاية تقترب، أعجز عن تصور المستقبل وأهرب من تذكر الماضي، هكذا أستطيع أن أحيا في الحاضر، كل شيء يتم الآن كأنه جزء من حلم غامض، أنا كالمريض يحقن وريده يومياً بمخدر قوي، فيظل الألم بعيداً في الأعماق، يعجز عن تصور النهاية ولكنه يراها تقترب، أنا إنسان بلا مستقبل أو ماضٍ، يستولي عليّ شعور بالحرية المطلقة، شعور لم أعرف مثله من قبل، فليس لي ماضٍ يجب أن يُعمل حسابه، وليس لي مستقبل أسعى إلى تحديده بشكل أو آخر، أنا على ظهر سفينة في رحلة حول العالم، أستمتع بكل لحظة، أرقص وأحب وأستكشف وأقرأ وألبي كل رغباتي، أنا إنسان يحيا فقط للحاضر".

من رواية (الشبكة) لشريف حتاتة

ـ "إن الحياة خسيسة وغبية عندما تنعم التفكير فيها بعمق. والدليل الذي يقدمه كل الذين شعروا أو فكروا بعمق هو أن الفهم يجلب خيبة الألم، وزيادة على ذلك أنا أؤكد لك هذا انطلاقاً من ذلك التقرير. قليلون جداً يستطيعون أن يعيشوا على عمق معين وحدهم، حيث الألغاز تتوهج تحتهم إلى درجة أنها تشكل ستارة خلفية مترفة لما هو في حالة أخرى، حياة بسيطة، دون الاضطرار إلى تذوق السموم من الأسفل أيضاً، وفي حين إن عمل الفنانين هو أن يتجولوا في تلك الأعماق ويعكسوا جنونها، فلا يُنصح بذلك من أجل عيش حياة طيبة، والنتيجة: لا تغُص واكتف بالعوم وبالسباحة. ابتهج بالغباء، وحين تجذبك الأعماق إلى الأسفل، اهرب إلى ذلك الملاذ الخاص بضحايا الأعماق كلهم: المسكرات".

من رواية (أُطفِئت الأنوار في بلاد العجائب) لـ د. بي. سي. بيير، ترجمة أسامة منزلجي

ـ "الحلم كما حدث لي ولك وللشعوب كلها، لا يرتبط بإمكانات أو قدرات أو خبرات، إنما هو يتشكل في الخيال أمنية تستحضرها، وتظل تستجليها، وتخزن عبقها، حتى ينهار أو يندثر أحدكما: أنت أو الحلم، أو يتحقق أحدكما، أنت فتنسى الحلم تحت ضغوط حلم كاسح وافد، أو الحلم تحت سطوة الواقع الذي أفرز ظروفا صالحة له، لا دخل لك فيها عادة".

من كتاب (الحزينة تفرح ـ من باب مسك السيرة) لمحمد مستجاب

ـ "إليكم شروط نجاح العلاقة بين الرجل والمرأة: لا بد أن يجتازا سوياً طريقاً طويلاً وشاقاً، وأن يوطدا قدميهما على أرض غريبة، بعيداً عن أي مكان يألفانه، لا بد أن يتصديا سوياً لأي شكل من أشكال الخطورة، أو أن يواجها معاً فترة طويلة من الارتباك، على أرض العدو التي يمكن أن تصبح في نهاية المطاف وطناً لهم، فذلك التعب الذي يحل عليهما بعد أن استقرا في الملاذ الجديد، من شأنه أن يوحدهما بطريقة طبيعية وحميمة، لا تضاهيها أي علاقة أخرى، حتى وإن لم تخلُ من مشاعر الحب، "كأنهما يتبادلان الخبز والخمر"، هكذا يصف أحد أصدقائي حميمية الرجل والمرأة".

من كتاب (عن التعب) لـ بيتر هاندكه، ترجمة د. رضوى إمام

ـ "كل شيء في العالم بدأ بكلمة نعم. قالت خلية لخلية أخرى: نعم، فولدت الحياة، لكن ما قبل التاريخ كان هناك ما قبل ما قبل التاريخ، وكانت هناك وعلى الدوام "لا" قاطعة وكانت هناك "نعم". كان هناك دائماً ما لا أدري ما هو، لكنني أدرك أن الكون لم تكن له بداية قط. ولكيلا ينخدع أحدكم، فأنا لا يمكنني التوصل إلى البساطة إلا من خلال بذل مجهود شاق. ما دامت تلاحقني الأسئلة ولا أجد لها أجوبة، سأواصل الكتابة. كيف لي أن أبدأ من البداية، إذا كانت الأشياء تقع قبل وقوعها؟ وإن كانت وحوش نهاية العالم المذكورة في سفر الرؤيا، موجودة مما قبل التاريخ؟ إن لم توجد هذه القصة الآن، فسوف توجد في المستقبل. التفكير فعل. الشعور حقيقة. الاثنان معاً، أنا، أنا من أكتب ما أكتب. الرب هو العالم. الحقيقة دائماً تواصل داخلي لا يمكن تفسيره، حياتي الحقيقية يصعب التعرف عليها، فهي بالغة الحميمية ولا توجد كلمة واحدة للتعبير عنها. قلبي فارغ من أية رغبة ويقتصر على آخر وأول نبض. فلوخز ألم الأسنان الذي يتخلل القصة قبضة شديدة على أفواهنا. لذا فأنا أغني بصوت عال حاد لحناً ذا نبرة موسيقية حادة وهو ذاته ألمي، فأنا من أحمل العالم على كاهلي وتعوزني السعادة. السعادة؟ لم أر قط كلمة أغبى منها، غالباً قد ابتكرتها هناك فتيات شمال الشرق اللائي يجُبن التلال".

من رواية (ساعة النجمة) لـ كلاريس ليسبكتور، ترجمة ماجد الجبالي، تحرير ياسر عبد اللطيف

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.