أيهما نصدق؟ قول الائتلاف أم فعله

أيهما نصدق؟ قول الائتلاف أم فعله

26 نوفمبر 2020
+ الخط -

أصدر رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في التاسع عشر من الشهر الجاري، القرار رقم 24 القاضي بتشكيل المفوضية العليا للانتخابات. ووفقاً لنص القرار، فإن الهدف الأساسي للمفوضية هو تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية من المنافسة في أي انتخابات رئاسية أو برلمانية أو محلية وتهيئة الشارع السوري لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي.

واجه القرار حالة رفض عارمة وشجب واستنكار شعبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر وقفات شعبية في الداخل السوري بالإضافة إلى بيانات من هيئات ومثقفين سوريين، وكان الارتباك عنوانا لتعامل قيادة الائتلاف مع ردة الفعل الغاضبة من القرار . ففي بداية الأمر حاول الائتلاف استيعاب غضب الشارع من خلال توضيحات وتبريرات وتفسيرات من خلال مداخلات تلفزيونية و بيانات و تغريدات لبعض أعضائه، إلا أنها كلها لم تف بالغرض، خصوصا أن تلك التوضيحات كانت بحد ذاتها بحاجة لتوضيح، ما أجبر الائتلاف على وقف العمل بالقرار، إلا أنه لم يصدر حتى تاريخ تحرير هذا المقال قرارا يلغي قراره الأول، وكان لافتا ما صرح به رئيس الائتلاف عبر تغريدة على موقع تويتر حين أكد عدم إلغاء القرار وإنما إيقافه للتشاور من أجل الوصول إلى صيغة أفضل.

قرار رئيس الائتلاف بتشكيل المفوضية العليا للانتخابات لم يتعارض فقط مع الرغبة والرؤية الشعبية للحل السياسي، بل يتعارض أيضا مع تصريحات مصدر القرار وإحاطته الأخيرة للهيئة السياسية للائتلاف الوطني وإحاطته الشهرية للرأي العام السوري وكذلك خطابه الذي افتتح به اجتماع الهيئة العامة للائتلاف الوطني الأخير. ففي كلمته الافتتاحية لاجتماع الهيئة العامة للائتلاف الوطني الأول في الداخل السوري والتي استمرت لأكثر من ثلاثين دقيقة، خلت كلمته كليا من أي إشارة لضرورة التحضير للاستحقاق الانتخابي أو ضرورة التعاطي مع الانتخابات القادمة.

أما في إحاطته الأخيرة للهيئة السياسية التي تحدث فيها رئيس الائتلاف عن محادثاته الأخيرة مع الروس والمنشورة على قناة الائتلاف الوطني على موقع يوتيوب، غاب كليا أي ذكر لمناقشة الانتخابات مع الجانب الروسي أو عن ضرورة تحضير الشارع السوري للاستحقاق الانتخابي كما جاء في قرار الائتلاف الأخير، بل أسهب الحريري في التأكيد على فشل روسيا في فرض رؤيتها واستمرارها في دعم نظام الأسد. وأضاف الحريري أنه رد متهكما على الطرح الروسي للحل المتمثل ببقاء عمل اللجنة الدستورية دون جدول زمني واضح: "شو رأيك نظل نستنى مية ميتين سنة؟"، ثم أردف بالقول إنه ليس هناك دليل مرئي أو مكتوب أو مسموع يؤكد أن النظام قد وافق على القرار الدولي 2254 أو بيان جينيف 1 لعام2012، وأضاف في معرض تفصيل ما جاء في محادثاته الأخيرة مع المسؤولين الروس "فإلى متى يا روسيا ستبقين على هذه السياسة التي ستفشل في نهاية المطاف؟ ينبغي الاتفاق على خريطة طريق لتطبيق القرار 2254 بجوهره، والقرار 2254 نص على جدول أعمال، أول خطواته تشكيل هيئة حكم انتقالي وخلالها نضع مسودة دستور ثم استفتاء على الدستور ثم انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة".

 

ذهب إلى السخرية أيضا من نتائج زيارة المبعوث الروسي الأخيرة إلى دمشق، مؤكداً أن أسباب فشل الحل السياسي تتمثل بسياسات نظام الأسد المعطلة وبدعم من روسيا لأي جهود للحل السياسي في سورية.

 

أما في إحاطته الشهرية والمنشورة أيضا على موقع يوتيوب، فكان تناقض الحريري أكثر وضوحا، فبعدما أكد الحريري ضرورة الاستعداد الكامل لأي عملية عسكرية مرتقبة لأن الخيار في الصمود والمقاومة ومقارعة النظام لن يتوقف إلا عندما يكون هناك حل سياسي عادل حقيقي وانتقال سياسي في سورية وتوقف النظام عن استهداف المدنيين، ذهب رئيس الائتلاف إلى السخرية من الوضع السياسي الحالي ومن نتائج زيارة الوفد الروسي إلى دمشق وما أعلن عنه بعد الزيارة عن الذهاب إلى الانتخابات في 2021 وكأن شيئا لم يكن في سورية، كما ذهب إلى السخرية أيضا من نتائج زيارة المبعوث الروسي الأخيرة إلى دمشق، مؤكدا أن أسباب فشل الحل السياسي تتمثل بسياسات نظام الأسد المعطلة وبدعم من روسيا لأي جهود للحل السياسي في سورية.

ليعود الحريري في إحاطته لتوضيح رؤيته الثابتة للحل السياسي والمتمثلة بتطبيق كامل لبيان جنيف من خلال هيئة حكم انتقالي أولا ثم دستور جديد وأخيرا انتخابات رئاسية وبرلمانية بإشراف الأمم المتحدة. هذا التأكيد من جانب رئيس الائتلاف على خطوات الحل السياسي وترتيبها من هيئة الحكم الانتقالي ثم الدستور وصولا إلى استحقاق الانتخابات، لا يتناقض فقط مع قرار الائتلاف بتشكيل المفوضية العليا للانتخابات وخطابات رئيس الائتلاف العلنية، بل يتناقض أيضا مع محطات العمر التفاوضي لرئيس الائتلاف، بدءا من موافقته التي أبداها للمبعوث الدولي ديمستورا خلال اجتماع رسمي ضمن مفاوضات جنيف على عضوية "الرئيس" بشار الأسد في هيئة الحكم الانتقالي ثم القبول بالسلال الأربع للحل السياسي، وتفسير القرار الدولي 2254  على أنه يفرض التوحد مع منصتي القاهرة وموسكو والانقلاب على الهيئة العليا للمفاوضات من خلال مؤتمر الرياض 2 وصولا إلى اللجنة الدستورية وتقديم المضي فيها على هيئة الحكم الانتقالي.

وبالنظر إلى كلمة "سورية" التي بات الائتلاف ودائرة إعلامه يستعملانها كترويسة في كل بياناتهم وقراراتهم الصادرة للإشارة للإنجاز المتمثل بالوجود في الداخل، يبدو أن هناك اعتقادا لدى رئيس الائتلاف وفريقه بأن الوجود في سورية وصولا لمشاركتهم في قطاف الزيتون وقراءة الفاتحة أمام قبر عبد القادر الصالح ستوفر الشرعية الضائعة للائتلاف، لكن ردود الفعل الغاضبة من القرار تقول عكس ذلك، بعد أن بات واضحا ذلك الفارق بين ما تقوله قيادة الائتلاف محاولةً دغدغة مشاعر جمهور الثورة، وبين ما تقدم عليه محاولة توفير مستلزمات بقائها على رأس مؤسسات المعارضة.

 أطاح رد الفعل الشعبي على قرار رئيس الائتلاف بالقرار، وتجاوز ذلك للإطاحة بكل جهود تصدير الائتلاف بوضعه الحالي والتأثير الإقليمي فيه على أنه مؤسسة يعتمد عليها ثوريا وشعبيا، وربما إذا ما استمر الغضب الشعبي بالتفاعل فقد يطيح بأصحاب القرار أنفسهم.

مدون من سورية
أسامة أبو زيد
ناشط سوري ومعتقل سابق. حاصل على بكالوريوس حقوق من جامعة دمشق، وماجستير في العلاقات الدولية، متحدث واستشاري سابق لدى المعارضة السورية