تداعيات كاراباخ على شرق المتوسط: تصالح أم سباق تسلح؟

تداعيات كاراباخ على شرق المتوسط: تصالح أم سباق تسلح؟

24 نوفمبر 2020
دعمت تركيا أذربيجان عسكرياً (الأناضول)
+ الخط -

أثارت مجريات المواجهات العسكرية الأخيرة التي اندلعت في إقليم ناغورنو كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا في أواخر شهر سبتمبر/أيلول الماضي، واستمرت شهراً ونيّف، تساؤلات حول ما إذا كانت ستلقي بظلالها على أزمة شرق المتوسط، خصوصاً بعدما لعبت أنقرة دوراً مؤثراً في المعارك، والتي انتهت بقبول يريفان بشروط باكو. وتدور أزمة شرق المتوسط من جهتها، حول حقوق التنقيب عن الغاز في مياهه، وذلك بين تركيا واليونان، فيما تقف دول أوروبية وإقليمية إلى جانب أثينا. ووقفت تركيا إلى جانب أذربيجان في جولة التصعيد العسكري الجديدة بينها وبين أرمينيا، حول الإقليم المتنازع عليه جنوب القوقاز، وذلك لاعتبارات عدة، منها ما يرتبط بالبعد القومي والعرقي، حيث يُنظر في تركيا إلى الشعب الأذري على أنه شعب شقيق، وحيث تسود مقولة "شعب واحد في دولتين". كما تترابط المصالح الاقتصادية بين البلدين، وخصوصاً في مجال الطاقة. ولهذا حصل الدعم التركي، والذي استخدمت فيه أنقرة الطائرات المُسيّرة والأسلحة النوعية، والتي حسمت المعركة في النهاية.

تنتظر أزمة شرق المتوسط السياسات الأميركية الجديدة التي ستعتمدها إدارة جو بايدن

ووجهت تركيا، عبر دعمها العسكري النوعي المقدم لأذربيجان، رسائل قوية إلى اليونان، والدول الداعمة لها، خصوصاً في ما يرتبط بالتطورات الأخيرة في ملف شرق المتوسط، والتي وصلت إلى مرحلة الإعلانات المتبادلة بين الأطراف المختلفة، عن إرسال سفن للتنقيب عن الغاز، ترافقها قطع حربية وطائرات، مع إجراء تدريبات عسكرية.
ويسود اعتقاد اليوم بأن منطقة شرق المتوسط في مرحلة تحتمل خيارين، وهي تنتظر السياسات الأميركية الجديدة التي ستعتمدها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن فور تنصيب الأخير في شهر يناير/كانون الثاني المقبل، لتتبلور وتتوضح بشكل أكبر.
ويقوم هذان الخياران على الدفع إما باتجاه الحوار أو التصعيد. ويدفع الخيار الأول الأطراف المتصارعة للتوافق وإيجاد الحلول، وهو ما تعلن الأطراف جميعها استعدادها له، سواءً من قبل تركيا أو دول الاتحاد الأوروبي، مبدية رغبتها في التوافق. أما الخيار الثاني، فهو مزيد من التصعيد، قد يدفع بسباق تسلح جديد، لتقوية يد اليونان في وجه تركيا، التي وجدت بدورها في معركة كاراباخ فرصة لاستعراض العضلات. ويأتي ذلك على الرغم من أن أنقرة وأثينا منضويتان في حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما يدفع إلى اعتماد مزيد من الهدوء، لمنع انزلاق الأوضاع إلى المزيد من التدهور. كما أن الدور الروسي أيضاً قد يظهر كوسيط في الملف، وربما أن الدول المتشاطئة في المنطقة تعمل على بلورة مزيد من التوافقات وحماية مصالحها، ومنها توافقات قد تحصل بين تركيا وإسرائيل.

وحول انعكاسات معركة ناغورنو كاراباخ على ملف شرق المتوسط، أعرب أستاذ العلاقات الدولية التركي سمير صالحة، لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن "ما جرى في كاراباخ سيكون له حتماً الكثير من الارتدادات على العديد من التوازنات الإقليمية، وتحديداً في منطقة شرق المتوسط". وحول أسباب ذلك، اعتبر صالحة أن "كلّ طرف سيذهب الآن بمنحى قراءة هذا الملف، ومحاولة استخلاص الدروس السياسية والعسكرية والميدانية والاستراتيجية منه، وقد يدخل الجميع في مرحلة إعادة تموضع جديدة حيال هذه التطورات".
وأوضح الباحث التركي أنه "بالنسبة لتركيا، فإن معركة كاراباخ وموقفها الصريح والواضح إلى جانب أذربيجان قبل انطلاق المعارك، والتنسيق العسكري بين أنقرة وباكو لاحقاً، والدعم بالسلاح النوعي، والطائرات المُسيرة تحديداً، كلّها عوامل عزّزت ورفعت من مستوى الدور التركي في الملف". كما شدّد على أن "التنسيق التركي - الروسي كان ذا أهمية، حيث تمّ بحث الملف بين موسكو وأنقرة أكثر مما تمّ بحثه مع مجموعة مينسك (فرنسا وروسيا والولايات المتحدة)". وباعتقاده، فإن "موسكو ربما قرّرت أن تكون أنقرة شريكتها في الملف لأسباب عديدة، من بينها التباعد في ملفات كثيرة بين أنقرة والعواصم الغربية والأوروبية". وبرأي صالحة، فإن "التنسيق ونتائج المعركة والتنسيق الروسي - التركي، كلّها عوامل ستنعكس على ملفات شرق المتوسط، وربما تدخل روسيا على أكثر من خطّ وسيناريو". وتساءل صالحة في هذا الإطار حول "ما إذا كانت موسكو ستدخل مثلاً على خطّ الوساطة بين تل أبيب وأنقرة، خصوصاً أن تل أبيب قالت أكثر من مرة أنها تبحث عن تموضع براغماتي في المنطقة، وأنها مستعدة للتباحث مع الدول المتشاطئة".

الدور الروسي أيضاً قد يظهر كوسيط في الملف، لا سيما بين تركيا وإسرائيل

وحول الموقف اليوناني واحتمالات التأثير عليه شرق المتوسط، لفت الباحث التركي إلى أن "اليونان مثلها مثل غيرها من الدول المعنية، ستحاول الخروج باستنتاجات من تطورات كاراباخ، خصوصاً أنها راهنت على الجانب الأرميني، وشاركت مثل فرنسا في دعم يريفان ربما عسكرياً، وبعيداً عن الأضواء". وأكد أنه "سياسياً وإعلامياً، وقفت اليونان، مثل دول عدة، إلى جانب أرمينيا، وحاولت لعب ورقة المرتزقة"، لافتاً إلى أن "هذا الملف لا نسمع أحداً يتحدث عنه حالياً، فيما ركزّت عواصم أوروبية عدة، بالإضافة إلى القاهرة وأبوظبي عليه خلال المعارك وقبلها، لكنها وصلت إلى طريق مسدود بعد الحسم العسكري السريع للجيش الأذري".
كما ذهب صالحة إلى احتمالية حصول سباق للتسلح شرق المتوسط لتسليح اليونان من قبل الدول الداعمة لها، حيث شدّد على أن "الأطراف المعنية في الملف، وخصوصاً الجانب الأوروبي، سيكون أمامهم خياران: إما مراجعة سياستها حيال أنقرة، أو الذهاب بمنحى تصعيدي شرق المتوسط، يزيد من حجم الدعم العسكري وإعادة تسليح اليونان". ولفت إلى أن كلا السيناريوهين يرتبطان بما الذي تريده هذه العواصم الأوروبية تحديداً. كما استطرد بقوله إنه "بما أن الولايات المتحدة قد تكون معنية بالموضوع أيضاً، فهل الهدف هنا هو كسب أنقرة، أم الابتعاد عنها من خلال قطع الطريق عليها، لا سيما للدخول إلى الاتحاد الأوروبي". كما أن سؤالاً آخر يُطرح حول "ما إذا كانت هذه العواصم تشعر أنها خسرت أنقرة استراتيجياً لصالح روسيا والصين، وما إذا كانت ستجري قراءات استراتيجية". ولذلك، فإن المسألة برأي الباحث، "مرتبطة في خيارات شرق المتوسط بحسابات الربح والخسارة، لكن المؤكد هو أنه إذا قررت اليونان وحلفاؤها التصعيد، فستزيد أنقرة بدورها من تصعيدها، وكذلك من انفتاحها على روسيا والصين".
ولفت صالحة أخيراً إلى أن "النقطة الملفتة، والتي تحتاج إلى رصد ومتابعة، هي الموقف الإسرائيلي من كاراباخ وارتداداته على العلاقات التركية الإسرائيلية، فإن حصلت اصطفافات، ربما تدخل روسيا للوساطة بين أنقرة وتل أبيب". ليبقى السؤال، برأيه، هو ما إذا كانت إسرائيل مستعدة لمثل هذا النوع من الاصطفافات، معتبراً أن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، ربما قد يساعد من خلال وضوح سياساته، في توضيح الخيارات الإسرائيلية وطريقة تعاملها مع هذه السياسات".