داعش في موزامبيق... كيف تمدد التنظيم في مواجهة "فاغنر" الروسية

داعش في موزامبيق... كيف تمدد التنظيم في مواجهة "فاغنر" الروسية

23 نوفمبر 2020
100 ألف نازح بسبب عنف الدواعش في موزامبيق (Getty)
+ الخط -

تتمدد ولاية وسط أفريقيا الداعشية في موزامبيق والكونغو الديمقراطية، إذ تمكن التنظيم الإرهابي من السيطرة على ميناء موسيمبوا دا برايا رغم قلة عدد مقاتليه، فيما فشلت جهود حكومة ماباتو، لمواجهة المتطرفين عبر مرتزفة "فاغنر" الروس.

- يرصد البروفيسور إريك مورييرغينود، المتخصص في تاريخ الحرب الأهلية الموزامبيقية، (بدأت عام 1975 وانتهت عام 1992)، تطورات العنف غير المسبوق والقتال المستمر منذ ثلاثة أعوام شمال المستعمرة البرتغالية السابقة، والذي يسترعي اهتماما دوليا متزايدا، بعد اتساع رقعة التمرد في محافظة كابو ديلغادو الغنية بالموارد الطبيعية، وزيادة وتيرة المجازر بعد إعلان تنظيم محلي قبل عام، عن الارتباط بتنظيم داعش الإرهابي.

وترجع أهمية المنطقة إلى وجود أكبر ثلاثة مشاريع أفريقية للغاز الطبيعي المسال في كابو ديلغادو، وهي مشروع إكسون موبيل / ENI/ CNPC روفوما، بقيمة 30 مليار دولار أميركي، ويليه مشروع توتال بقيمة 20 مليار دولار أميركي، ومشروع كورال إنفي / إكسون موبيل، بقيمة 4.7 مليارات دولار أميركي، وفق ما وثقه تحليل شركة "inonafrica" (مؤسسة استشارات يقع مقرها في جنوب أفريقيا)، المنشور في يونيو/حزيران الماضي بعنوان "واقع قطاع الطاقة في موزامبيق بعد أول تمرد إرهابي في الجنوب الأفريقي". 

كيف ظهر التنظيم المتطرف؟

يقطن المسلمون في شمال موزامبيق، حيث تزيد نسبة الفقر، ويصل عددهم إلى 4 ملايين نسمة أي ما يوازي 18% من إجمالي عدد السكان، وبسبب تردي الأحوال الاقتصادية والتهميش خلال الأعوام الماضية، ظهر تنظيم يسمى أهل السنة والجماعة (ASWJ) ونشط باعتباره طائفة دينية محلية عام 2000، لكنه تأثر بالفكر المتطرف منتصف عام 2010، ثم تحول إلى حركة تمرد عنيفة في عام 2017، ليتم تدويل المعركة والعنف في نهاية المطاف بعد تواجد مرتزقة روس من مجموعة فاغنر، وإعلان التنظيم عن مبايعة داعش في إبريل/نيسان 2019 كما يقول غينود المحاضر في جامعة كوينز بلفاست البريطانية لـ"العربي الجديد".

وتعرف الجماعة محليا باسم "الشباب"، رغم أنها لا علاقة بها بالتنظيم المتطرف الناشط في الصومال، إذ تتبع ولاية وسط أفريقيا الداعشية، والتي تضم المتطرفين المتمركزين في شرق الكونغو. ويتركز التنظيم في بلدة موسيمبوا دا برايا الواقعة في كابو ديلغادو، وفق تحليل مجموعة صوفان TSG (شركة استشارات أمنية) المنشور على موقعها الرسمي في 27 مايو/أيار الماضي، بعنوان "تفشي العنف وعدم الاستقرار يعصفان بشمال موزامبيق". 

استفاد المتطرفون تكتيكياً من تجربة التمرد وحروب العصابات بموزامبيق

ونزح ما لا يقل عن مئة ألف شخص حتى الآن في جميع أنحاء المحافظة التي تسجل زيادة هائلة في الهجمات الدموية وكان العام الحالي الأكثر اضطراباً منذ بدء الأحداث في أكتوبر/تشرين الأول 2017. وفي المجمل، تم تنفيذ ما لا يقل عن 28 هجوماً في المنطقة منذ بداية العام. وانتشرت الهجمات في تسع مقاطعات من أصل 16 في كابو ديلغادو وفق ما أحصته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 

تنامي القدرة القتالية 

بدأ تشكيل التنظيم، على يد أتباع عبود روغوا محمد (متطرف كان مقيما في كينيا، أدرجته الأمم المتحدة في قائمة العقوبات في 25 يوليو/تموز 2012 بسبب دعمه حركة الشباب الصومالية)، وضم 50 شخصا من أبناء بلدة موسيمبوا دا برايا، وزاد عدد الأعضاء ليصل إلى 300 في عام 2017 وفق إفادة جوزيف هانلون، الزميل الزائر في قسم التنمية الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية لـ"العربي الجديد". 

عقب ذلك نمت قدرة التنظيم وأرست أساسا لتمرد مدمر في جنوب الصحراء الكبرى كما تضيف الدكتورة إليانور بيفور، باحثة مشاركة سابقا في برنامج النزاعات والأمن والتنمية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (مؤسسة بريطانية تم تأسيسها في عام 1958)، والتي لفتت إلى ارتباط التنظيم بشكل وثيق مع حركات مشابهة تنشط في دول القارة الإفريقية، مثل تنزانيا والكونغو، وتابعت: "جرى رصد تنقلات لمقاتلين بين الكونغو الديمقراطية وأوغندا وموزامبيق، حيث توجد النقطة الساخنة لتنظيم الدولة الإسلامية في ولاية وسط إفريقيا (ISCAP)".

ولزعماء التنظيم، صلات مع زعماء دينيين ودوائر عسكرية وخلايا متطرفة في تنزانيا وكينيا، والصومال وإقليم البحيرات العظمى، وكان لبعض أتباعهم روابط غير مباشرة مع قادة روحيين من المملكة العربية السعودية والسودان بحسب تقرير "التطرف الإسلامي" في شمال موزامبيق الصادر عن معهد الدراسات الاجتماعية والاقتصادية (IESE) في عام 2019. 

العناصر المتطرفة في موزامبيق تتبع ولاية وسط أفريقيا الداعشية

لكن مصادر أمنية موزامبيقية تؤكد أن عدد المقاتلين الأجانب ممن ينشطون في كابو ديلغادو قليل، ولفتت إلى أن هؤلاء يمكنهم أيضًا الانتشار في تنزانيا المجاورة، لأن منطقة نشاطهم تقع على حدود البلدين، بحسب الدكتور غينود.

وأصبح التنظيم الإرهابي مجهزًا بشكل جيد نهاية عام 2019، بعدما كان أفراده ينشطون في تمرد بدائي ويتسلحون بالمناجل، ما أدى إلى هزائم متعددة للجيش الموزامبيقي، وأبرزها السيطرة على ميناء موسيمبوا دا برايا في إقليم كابو ديلغادو في مارس/آذار، لتنجح حملة حكومية في طردهم غير أنهم عادوا وسيطروا عليه في أغسطس/آب الماضي عبر هجوم أكبر وفق تقرير شركة أنتليز البريطانية المتخصصة في تحليل المخاطر بعنوان "الجهاد في جنوب أفريقيا.. تمرد كابو ديلغادو". 

100 ألف نازح بسبب عنف الدواعش في موزامبيق

لماذا ينشط المتطرفون في الشمال؟ 

يعتبر شمال موزامبيق مكانا مثاليا لتنظيم إرهابي مثل داعش، إذ تتوفر بيئة خصبة من المظالم والتهميش والامتداد الجغرافي إلى شرق أفريقيا وإمكانية تحرك المقاتلين بين دول المنطقة، وهذه البيئة تجعل استراتيجية داعش تتحقق بسهولة من خلال وكلائهم من العناصر المحلية بحسب تأكيد جاسمين أوبرمان المحللة المتخصصة في الشأن الأفريقي لدي مشروع بيانات النزاع المسلح ACLED، والتي تابعت في إفادتها لـ"العربي الجديد": "الدولة الإسلامية تضع عينها على موزامبيق"، ونظرا لأن الموقع الجغرافي للتنظيم في شمال موزامبيق يمثل رأس جسر إلى منطقة أفريقيا الجنوبية، تمكنت خلاياه من التواصل على امتداد دول المنطقة وصولا إلى القرن الأفريقي عبر مسار بحري وبري ممتد؛ وهو ما يوفر بيئة مثالية لتجنيد عناصر على خلفيات أيديولوجية واجتماعية وسياسية؛ بحسب إفادة الدكتور محمد عبد الكريم الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، ومنسق أبحاث وحدة أفريقيا بمعهد الدراسات المستقبلية في بيروت والذي قال لـ"العربي الجديد"، هذه منطقة غنية بالموارد الطبيعية ما يوفر فرصة لفكرة التمويل الذاتي، في ظل هشاشة سيطرة الحكومة الموزامبيقية على الأقاليم الشمالية.

الصورة
تحقيق موزامبيق 22

واستفاد المتطرفون تكتيكيا من تجربة التمرد وحروب العصابات بموزامبيق ثم من خبرة تنظيم داعش الإرهابي، في السيطرة على المدن، بحسب هانلون، والذي تابع قائلا لـ "العربي الجديد" حرب التنظيم تهدف استراتيجيا إلى السيطرة على أقاليم بعينها. 

مرتزقة "فاغنر".. رهان خاسر 

لجأت الحكومة الموزامبيقية إلى مرتزقة فاغنر الروس لمواجهة عنف الإرهابيين، وتزايد دور شركة الأمن الروسية الخاصة، بعد اتفاقات الدفاع والأمن الموزامبيقية الروسية التي تم تنشيطها في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وبالفعل خاص المرتزقة معارك ضد المتمردين في كابو ديلغادو، ولكنهم خسروا عددًا من الأفراد قبل انسحابهم وفق تأكيد جاسمين أوبرمان والدكتورة إليانور بيفور، والتي قالت إن الشركة العسكرية الروسية الخاصة "فاغنر" أرسلت قوة صغيرة لم تتمكن من محاربة المتطرفين بشكل فعال وتم سحب العديد منهم. 

الصورة
تحقيق موزامبيق 21

واتسم أداء "فاغنر" في المنطقة، بالضعف وعدم الاحترافية مقارنة بقوات أمن خاصة من شركة منافسة من جنوب أفريقيا وعناصر من زيمبابوي، بحسب الدكتور محمد عبد الكريم والذي قال: "لم تفهم عناصر "فاغنر"، طبيعة بنية الجماعات الإرهابية في المنطقة وحجم انتشارها"، وأضاف: "في حال عززت روسيا استثماراتها في قطاع الغاز بموزامبيق، يمكن دعم تلك المجموعات لمواجهة التمرد بفعالية"، وهو ما يتوقعه جوزيف هانلون، مؤكدا فشل التدخل الروسي في إخماد التمرد شمالي موزامبيق، لكون المرتزقة الروس لم تزد أعدادهم عن 200 مقاتل وكانوا غير مجهزين بشكل جيد من أجل القتال في الأدغال الكثيفة، كما أن علاقتهم مع قوات الجيش الموزامبيقي ليست قوية. 

ما الذي يتوجب على الحكومة فعله؟ 

اتبعت موزامبيق استراتيجية مرهقة ومضرة في مواجهتها للتمرد، إذ تفتقر القوات الحكومية إلى الخبرة الثقافية واللغوية بالمجتمعات المحلية، مما ينفر أعدادا كبيرة من الأهالي.

وبدلاً من التركيز على تدريب الجيش وتطويره لفهم الصراع المحلي، اعتمدت حكومة موزامبيق على شركات الأمن الخاصة، مثل "فاغنر"، وأخرى من جنوب أفريقيا، وفق تحليل "تفشي العنف وعدم الاستقرار يعصفان بشمال موزامبيق". وبالنظر إلى تجربة تمرد مماثل (بوكوحرام) في نيجيريا، فإن أي استراتيجية فعالة لمكافحة التمرد، ستتطلب مجموعة من الجهود لضمان تلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة. 

علاوة على ذلك، يجب تنفيذ برامج مصممة لمكافحة التطرف العنيف تستند إلى السياق المحلي لتجنب رد فعل عنيف من المدنيين وفق المصدر نفسه، وهو ما يؤيده الدكتور غينود، قائلا إن الحل ليس سهلا، على صعيد الجانب العسكري يحتاج الجيش والشرطة الموزامبيقيان إلى الدعم ومزيد من التدريب وتعاون مع الجيران مثل تجمع تنمية دول الجنوب الأفريقي (سادك)، والاتحاد الأفريقي، على أن تشارك تنزانيا بشكل خاص لأن التمرد نشط على طول حدودها، ويضيف جوزيف هانلون إلى ما سبق، أهمية خلق فرص عمل وإعطاء الشبان المحليين حصة من ثروة إقليم كابو ديلغادو للقضاء على المظالم التي يستغلها التنظيم المتطرف ودمجهم في عملية مقاومته.