الطحين العراقي... فضيحة جديدة برسم المسؤولين اللبنانيين

الطحين العراقي... فضيحة جديدة برسم المسؤولين اللبنانيين

05 نوفمبر 2020
حُرِم اللبنانيون من هبة الطحين العراقية (حسين بيضون)
+ الخط -

جريمة جديدة ترتكبها الدولة اللبنانية بحقّ مواطنيها وعلاقاتها مع الدول الخارجية، تفضح مزيداً من الإهمال الوظيفي والعجز. لم تكتفِ السلطة بنهب أموال الشعب وتجويعه وتهجيره، فها هي تستمر في ممارساتها وسوء إدارتها، وقد عمدت إلى حرمان لبنانيين من مساعدات وهبات وصلت إليهم إبّان انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب الماضي.
وفي التفاصيل، كشفت بلدية الغبيري (محافظة جبل لبنان) عن فضيحة طاولت هذه المرّة آلاف الأطنان من الطحين المقدّم كهبة من الحكومة العراقية في إطار المساعدات التي مُنِحَت للشعب اللبناني عقب انفجار مرفأ بيروت، بعد تخزينه في مستودعات مدينة بيروت الرياضية (مدينة كميل شمعون الرياضية) أسفل المدرجات وفي القاعات السفلية من دون أية مراعاة للشروط الصحية، حتى باتت عرضة للمياه والرطوبة والهواء.
ومُنع المراقبون الصحيون في بلدية الغبيري من الدخول إلى المستودع للكشف على المواد الغذائية والطحين المخزّن، بسبب عدم إعطاء وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة التصريح اللازم للقيام بهذه المهمة. في هذا الإطار، يقول مصدر في بلدية الغبيري لـ "العربي الجديد"، إنّ "الطحين المخزن تعرّض بجزء كبير منه للتلف نتيجة سوء التخزين والتوضيب، ودخول الحشرات إليه. وربّما يكون قد أصبح غير صالح حتى قبل دخول مياه الأمطار إلى المستودع. حالياً، ننتظر الكشف عليه من قبل الخبراء وإجراء تحقيق لإظهار الوقائع كافة".

من جهته، نشر نعمة فيديو من داخل المستودع على حسابه على "تويتر"، قال فيه إنه تم "تخزين نحو 7000 طن من الطحين في المدينة الرياضية بشكل مؤقت وبسعي من الجيش اللبناني، وذلك لتوزيعه على مراحل على الأفران والمطاحن ليستفيد اللبنانيون من الهبة عبر زيادة وزن ربطة الخبز، مع أخذ كافة التدابير الوقائية الممكنة للحفاظ على الطحين". أضاف: "توضيحاً للصور التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، فهي تظهر مواد تعرّضت للتلف أثناء عملية تفريغ ونقل البضائع".


ورداً على ما قيل عن منع دخول فريق سلامة الغذاء من بلدية الغبيري للكشف على الطحين في المدينة الرياضية، يوضح: "أولاً، لم يتواصل معي أحد. ثانياً، لم أصدر أي أوامر وأصلاً لست الجهة المنوطة بإعطاء الإذن. وثالثاً: نرحب بأي جهة رسمية تريد الكشف على سلامة البضائع لأنها تساعدنا بمهامنا وليس العكس"!

كف يد وزير الاقتصاد وفرض سياسة دعم صحيحة أصبحا ضرورة ملحة

 

جرم الإهمال
من جهته، نفى مدير عام المنشآت الرياضية رياض الشيخة، في بيان، مسؤوليته عمّا حدث، مؤكداً أنه "لا علاقة لنا به، وأن الطحين مخزَّن لصالح وزارة الاقتصاد لمدّة 25 يوماً إلى حين توزيعه". في هذا الإطار، يقول المحامي علي عباس لـ "العربي الجديد"، إنّ المسؤولية الأساسية تقع على عاتق وزارة الاقتصاد التي ارتكبت جرم الإهمال الوظيفي، وقد تعاطت مع هذه المساعدات التي هي ملك عام، باعتبار أنها وصلت إلى الشعب اللبناني، بطريقة مخالفة للقوانين اللبنانية ومعايير السلامة. ولم يتخذ الوزير الاحتياطات اللازمة لعدم إلحاق الضرر سواء بالمواطن أو حتى علاقته مع دولة خارجية هي العراق، ولا سيما أن الثقة الدولية وحتى العربية، مفقودة بالدولة اللبنانية، وترجم ذلك في امتناع الدول الداعمة عن تقديم مساعدات مباشرة الى السلطات في لبنان، ووضعت جملة إصلاحات قبل أي خطوة لإنهاض البلاد اقتصادياً". 

خبز 2 (حسين بيضون)

 

ويستغرب عباس طريقة تخزين الطحين، واختيار مكان لا يتمتع بأبسط معايير السلامة، ولم يخضع منذ فترة طويلة للصيانة. يقول: "أكثر من ذلك، فهو غير صالح لوضع هذه الكميات الكبيرة من المواد الغذائية، باعتباره عرضة لدخول الهواء والمياه وحتى الحيوانات والحشرات. ولم يصر حتى إلى رشّ المبيدات. وكانت النتيجة تلف وخسارة مساعدات قدّمت إلى الشعب المنكوب في وقتٍ لم تقف الدولة إلى جانبه، ولم تقدم أية إغاثة أو مساعدات".

سوق سوداء
يرى عباس أنّ كل الاحتمالات مفتوحة، ومن ضمنها "صفقة بيع الطحين العراقي إلى السوق السوداء. وربّما يكون الطحين الموجود في المستودع عبارة عن مواد هي أصلاً غير صالحة. وربّما وضعت كميات قليلة من الطحين المقدم من الحكومة العراقية للتمويه. ببساطة، لا ثقة بالدولة اللبنانية وهناك فضائح سابقة مماثلة تجعلنا نشكّك بكل ما تفعله السلطة وإداراتها".
ويشير عباس إلى أنّ ما يعزز هذه الفرضية هو "عدم قيام الدولة بتوزيع هذه المواد على المواطنين. ولم نلمس أي زيادة في زنة ربطة الخبز. من هنا، على القضاء اللبناني أن يتحرّك ويشرف مباشرة على الملف من خلال إرسال خبراء للكشف على المواد قبل إخراجها من المستودع، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، وإلا فإنّ أي تقصير أو مماطلة هو بمثابة فضيحة ثانية، تماماً كما جرى التعامل مع انفجار مرفأ بيروت"، مشيراً إلى إخفاء الأدلة "في وقت ما زال المسؤولون يسرحون ويمرحون من دون توقيفهم أو استجوابهم". 

خبز 1 (حسين بيضون)

 

بدوره، يسأل رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو: "متى يكف وزير الاقتصاد يده عن أموال وغذاء اللبنانيين"؟ مشيراً إلى أنّ "الهبة العينية العراقية التي هي عبارة عن طحين للفقراء تم تخزينها بقرار من الوزير نعمة والمديرية العامة للحبوب تحت مدرجات المدينة الرياضية. والنتيجة أن آلاف الأطنان من الطحين باتت عرضة للتلف نتيجة الرطوبة والمياه. كما أنها عرضة للتعفّن". 

 

الاقامة الجبرية
يقول برو إنّ "جمعية حماية المستهلك طالبت القضاء مراراً بالتحقيق مع الوزير المعني ووزير الصحة أيضاً لمحاسبتهما على تبديد أموال اللبنانيين والآن خبزهم. نكرر دعوتنا للقضاء للقيام بواجباته، وإلا فما نفع هذا القضاء الذي حصل طيلة عقود على امتيازات لا حصر لها"؟ وتوجه الى اللبنانيين قائلاً: "كف يد وزير الاقتصاد وفرض سياسة دعم صحيحة أصبحا ضرورة ملحة. غرق البلد وما زال هؤلاء مصرين على السياسات نفسها. لماذا لا يضع اللبنانيون هكذا وزراء قيد الإقامة الجبرية"؟

مساعدات طحين عراقية تخزن بطلب من وزارة الإقتصاد تحت مدرج ملعب كرة قدم في المدينة الرياضية ليأكلها السوس وتنهشها...

Posted by Ali Abbas on Wednesday, November 4, 2020

إلى ذلك، تفاعل مواطنون وجمعيات ومنظمات غير حكومية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع هذه الفضيحة، معتبرين أنّ الدولة تستمرّ في مفاجأتهم يومياً، في ظل إهمالها المواطن وواجباتها تجاه الوطن والشعب، وممارساتها القائمة على الهدر والفساد، في وقت لا يتحرّك القضاء في وجه أي مسؤول سياسي، رغم هول الكارثة وحجم الجريمة المرتكبة بشكل صريح وعلنيّ.

وأشار ناشطون إلى أنّ وزارة الاقتصاد التي عجزت عن ضبط أسعار السلع والمواد الغذائية، ولم تتمكن من حماية المستهلك في وجه تجار العملة والسوق السوداء، أهدرت اليوم مساعدات هي حق للشعب، في ظلّ أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية تمرّ فيها البلاد، والتي يتحدّث عنها الوزير نفسه في كلّ مناسبة لاسيما معدّلات البطالة والفقر والجوع الذي يرتفع. ومع ذلك لم يقم بواجباته.
في السياق، تقدّمت مجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام" ممثلة بالمحامين جاد طعمة، حسن بزي، هيثم عزو، مازن صفية، بيار الجميل، فرنسواز كامل، جوزيف وانيس، نجيب فرحات، مريم حمدان، والصحافي جوي حداد، بإخبار الى النيابة العامة المالية ضدّ كل من يظهره التحقيق من الوزراء والمديرين والموظفين والمسؤولين المعنيين، بجرم "الإهمال الوظيفي، والتسبب بإتلاف آلاف الأطنان من هبة الطحين العراقي المقدمة للحكومة اللبنانية لتوزيعها على فقراء الشعب اللبناني".

كل الاحتمالات مفتوحة، من بينها بيع الطحين العراقي للسوق السوداء


واقتحم عدد من المواطنين وزارة الاقتصاد للمطالبة بمحاسبة المسؤول عن تخزين الطحين بطريقة مخالفة ومزرية.
يشار إلى أنه في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان نعمة قد استقبل القائم بالأعمال العراقي في بيروت أمين النصراوي، وكادر السفارة العراقية، وكادر الناقلة (بصرة) والمحمّلة بعشرة آلاف طن من الطحين، "كمساعدة للشعب اللبناني الشقيق على تجاوز آثار حادث انفجار مرفأ بيروت الأليم وتجاوز الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها لبنان"، على حدّ قول النصراوي.

المساهمون