مساعٍ للحد من التوتر التونسي الفرنسي

مساعٍ للحد من التوتر التونسي الفرنسي

02 نوفمبر 2020
قيس سعيد وماكرون ناقشا موضوع الهجرة غير النظامية السبت الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد العلاقات التونسية الفرنسية حالة من التوتر الواضح منذ أشهر، وزاد من حدته اعتداء نيس الذي نفذه مهاجر تونسي وتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ما قبل الحادثة وما بعدها.

وكان ماكرون اعتبر  مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنّ تونس "كانت أفضل قبل 30 سنة" وأنّ "نظرة التونسيين للإسلام وطرق فهمه وتطبيقه كانت قبل 30 سنة مغايرة جذرياً لما هي عليه اليوم، رغم أن التونسيين يُعتبرون شعبا مثقفاً و متعلماً".

وتحاول السلطات التونسية والفرنسية الحد من هذا الوضع، وجاءت محادثة الرئيسي التونسي قيس سعيد ونظيره الفرنسي، السبت الماضي، لتشدد على "العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين" و"أن بعض الجهات تريد إرباك العديد من المجتمعات، ومنها المجتمع الفرنسي وأن الإسلام براء من هؤلاء".

وتناول الرئيسان، بحسب بيان للرئاسة التونسية "موضوع الهجرة غير النظامية والحلول التي يجب التوصل إليها معاً لمعالجة هذه الظاهرة التي تتفاقم بين الحين والآخر بهدف تحقيق أغراض سياسية". وتم التأكيد على "وجود الكثير ممن يتسترون بالدين الإسلامي في حين أنه يتم تجنيدهم بغرض الإساءة لا للإسلام فقط بل بهدف الإساءة للعلاقات التي تربط بين الشعوب والأمم".

وتعول فرنسا على التحقيقات في تونس لتبين كل خلفيات اعتداء نيس الذي نفذه مهاجر إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية ومنها إلى نيس. وأكدت صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، نقلاً عن مصادر خاصة، أن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان سيزور تونس نهاية هذا الأسبوع.

وقالت الصحيفة إنه "تم اتخاذ هذا القرار عقب الحوار الهاتفي الذي جمع ماكرون بسعيد، الذي تعهد، بتسهيل منح التصاريح القنصلية لمواطنين تونسيين يشتبه بتطرّفهم ويعيشون بطريقة غير قانونية بالبلاد، وهي الوثيقة التي تسمح لهم بالرجوع أو بترحيلهم إلى بلدهم".

وبحسب الصحيفة، فإنه "سيتم بحث ترحيل قرابة 231 تونسياً مقيماً بشكل غير قانوني وتتعلق بهم شبهات تطرف".

ولم تكن هذه الأحداث الأخيرة وحدها سبب هذا التوتر، لأن فرنسا لا تنظر بعين الرضا للتحولات التي تشهدها تونس في الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعد طرح البرلمان التونسي للائحة تقدمت بها كتلة "ائتلاف الكرامة"، لمطالبة فرنسا بالاعتذار للشعب التونسي عن جرائمها خلال حقبة الاستعمار المباشر وبعدها.

ورغم أن اللائحة سقطت، إلا أن الغالبية المطلقة من البرلمانيين كانت متوافقة على أصل العريضة والتنديد بالانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي، وكان التحفظ على توقيت العريضة وشكلها.

ولا تطمئن باريس للتغيرات السياسية في تونس، حيث انضم ائتلاف الكرامة، أكبر مناهضي فرنسا في البرلمان، إلى الجبهة الداعمة لحكومة هشام المشيشي، مع حركة النهضة وقلب تونس، بعد استقالة إلياس الفخفاخ، الحامل للجنسية الفرنسية، ومن قبله يوسف الشاهد، الحامل للجنسية الفرنسية أيضا.

وفي قلب الصراع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتوجس ماكرون من داعمين تونسيين تقليديين لتركيا، النهضة وائتلاف الكرامة، إلا أن المحلل عبد المنعم المؤدب، يقلّل  في تصريح لـ"العربي الجديد" من هذا التحول في البرلمان وتشكيل الجبهة الجديدة.

ويعتبر المؤدب أنها "لن تؤثر على علاقة تونس بفرنسا، لأن مواقف ائتلاف الكرامة لا تتجاوز التعبير البرلماني ولا يمكن أن يتجسم في قرارات ومواقف بسبب حذر حركة النهضة ورصانتها ورفضها التخندق في مسلك مناهض لأي دولة صديقة أو حكومة باعتبارها حزباً حاكماً يبحث عن مواصلة البقاء في الحكم".

ويضيف المؤدب أنه "برغم التطمينات التي انبثقت عن زيارة الرئيس التونسي إلى باريس ومقايضات ماكرون، لم يتحقق التقارب المنشود بل توقفت عند توضيح المواقف وعرابين الصداقة بإعلان صاحب الإليزيه عن نية بلاده إسناد قرض بقيمة 350 مليون يورو لتونس لدعم اقتصادها المتضرر جراء الوباء.

وحسب ماكرون، فإن هذا القرض لا يمثل سوى جزء من مبلغ يناهز 1.7 مليار يورو تعهدت فرنسا بتقديمه لتونس حتى سنة 2022 لتمويل مشاريع في قطاع الصحة وتوفير  فرص عمل، في مقابل ذلك طمس سعيد ضوضاء البرلمانيين المطالبين باعتذار فرنسي وتعويضات عن سنوات الاستعمار، كما عدّل بوصلته الدبلوماسية وخطابه الرسمي نحو فرنسا الصديقة،  خلافا لخطابه الانتخابي الحماسي وشعاراته المناهضة للأنظمة الاستعمارية.

وطرأ ملف خلافي كبير على العلاقات التونسية الفرنسية منذ سنوات، وهو الملف الليبي. وبرأي المؤدب، فإنّ "اختلاف الموقفين التونسي والفرنسي حول الحل الليبي ورفض تونس أي تدخل أجنبي، برغم محاولات باريس جرها لدعم تدخلها في طرابلس، لن يفسد العلاقة بين البلدين".

وأوضح أن "تونس لم تعدل من موقفها الدبلوماسي عما كان زمن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، الذي يعد موقف حياد حذر، رغم الانتقادات التي طاولته بالسلبية لعدم انخراطه نحو أي محور من محاور النزاع". 

لكن لقاء الرئيس سعيد أخيراً بوزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، كشف مرة أخرى عن عمق التباين بخصوص هذا الملف، إذ أكد سعيد لضيفه بوضوح ضرورة أن "يتولى الليبيون بأنفسهم البحث عن الحلول التي تعبر عن إرادة الشعب الليبي وحده".

وأضاف أنه "في حال وجود ضرورة لتتدخل دول أخرى، فليس في هذه المرحلة، لأنه كلما زاد عدد المتدخلين ازدادت الأوضاع تعقيداً"، معرباً عن يقينه "بقدرة الليبيين على اختيار ما يريدون".

ويؤكد هذا الموقف الصريح أن تونس لا تريد تشويشاً على الحوار الليبي الذي ينطلق في 9 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، بينما تبحث فرنسا في تونس والجزائر عن بصيص أمل لتلافي ما فاتها في ليبيا، وتفكر في حوار يجمع دول الجوار الليبي، وهو ما يعد تشويشاً على حوارات تونس التي تنتظرها بفارغ الصبر لإنهاء هذا الأزمة التي طالت وتتسبب لها في خسارات لا يمكن إحصاؤها، اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً.

المساهمون