القلقون من بايدن

القلقون من بايدن

02 نوفمبر 2020
+ الخط -

دعك من أن الرئيس المرجّح للولايات المتحدة، بعد 20 يناير/ كانون الثاني، جو بايدن، كان، في ثماني سنوات، نائبا للرئيس السابق، باراك أوباما. لهذا المعطى أهميتُه في محاولة استكشاف ما ستكون عليه سياسته، والفريق الذي سيختاره للعمل معه رئيسا، ولكنه ليس جوهريا ولا مركزيا تماما. ببساطة، لأن الرجل لن يواصل مسارا ممتدّا في البيت الأبيض، بل سيتعب كثيرا في معالجاتٍ لأوضاعٍ وخياراتٍ وسياساتٍ استجدّت في أربع سنوات مضت، في غضون ولاية الرئيس ترامب الذي أحدث ما لا تزيّد في حسبانها قطيعةً، في غير شأن، مع سياساتٍ تقليديةٍ للولايات المتحدة، أكان الرؤساء السابقون جمهوريين أم ديمقراطيين. وواحدةٌ من وجوه هذا الأمر الإسنادُ المهول الذي دعم به الرئيس الراهن مستبدّين وأنظمةً سلطويةً في غير بلد، بذريعة أنه بذلك يصون مصالح أميركا، الأمنية والاقتصادية، وهو الذي حسد رئيس الصين، شي جين بينغ، لأنه أصبح حاكما بلدَه مدى حياته، كما أنه سمّى عبد الفتاح السيسي دكتاتوره المفضل، والتقى رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، من دون أن يقبض ثمنا سياسيا أو معنويا. ولم ينطق بأي مفردةٍ، ولو من باب التعاطف الإنساني مع اليمنيين المدنيين، بشأن فظاعات الحرب النشطة في بلدهم، ولا قال شيئا عن مساجين رأي بلا عدد، في الإمارات ومصر والسعودية وغيرها، وإنْ طلب من السيسي الإفراج عن الناشطة آية حجازي، وبعد أن امتثل هذا، استقبلها في البيت الأبيض. أما أداؤه بشأن جريمة قتل جمال خاشقجي فتفاصيله معلومة.

ما يعد به الرئيس المرجّح، بايدن، يوحي بأسلوبٍ مختلف، بل نقيض، ليس فقط لأن برنامج الحزب الديمقراطي للعام 2020 يقول إن "لا مصلحة للولايات المتحدة في مواصلة سياسة ترامب، التوقيع على بياض، أو التساهل مع الدوافع الاستبدادية أو النزاعات الداخلية، أو الحروب الكارثية بالوكالة، أو جهود إجهاض عمليات الانفتاح السياسي في جميع أنحاء المنطقة"، وإنما أيضا لأن بايدن، قبل اعتماد الحزب ترشيحَه لمنازلة ترامب، قال إنه لن يتسامح مع أي دولةٍ تنتهك مواطنيها، وجاء على الصين والسعودية مثليْن. ولمّا صار مرشّحا، وفي ذكرى مقتل خاشقجي، قال إن "الولايات المتحدة لن تركن قيمها جانبا مقابل بيع أسلحة أو شراء نفط، وسيكون لالتزام الولايات المتحدة بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان أولوية، حتى مع أقرب شركائنا الأمنيين". وفي أرشيف الرئيس الأميركي المرجّح، السيناتور العتيد، المنتخب عضوا في مجلس الشيوخ ست مراتٍ منذ 1972، كلامٌ له كثيرٌ يدلّ على ما يمكن حسبانه "تموضعا" خاصا للعربية السعودية في ذهنه، في مسألة حقوق الإنسان تحديدا. 

لقائلٍ أن يقول إن الكلام المسترسل في تظاهراتٍ انتخابيةٍ ومماحكاتٍ مع "مهرّجٍ كذاب"، كما نعت المرشح بايدن غريمَه ترامب، لن يكون برنامج العمل السياسي والدبلوماسي لعلاقات الولايات المتحدة مع هذه الدولة ذات النظام السلطوي والمستبد أو تلك. ولقائلٍ أن يقول إن بايدن لن ينتقد إسرائيل على الذي تمارسه ضد الفلسطينيين وحقوقهم وأرزاقهم، فالمؤشراتُ غير قليلة على فائضٍ من الصهيونية متوطّنٍ في مداركه، غير أن هذا كله وغيره لا ينفيان أن لغةً أخرى ستكون للرئيس بايدن في موضوعة حقوق الإنسان والديمقراطية، في الشرق الأوسط مثلا. ولأن أمره هو هذا، ولأسبابٍ أخرى، يصير التحسّب والقلق الكثيران في مصر والعربية السعودية والإمارات (هل نضيف البحرين؟) من أن يغادر ترامب البيت الأبيض مفهوميْن تماما، فأجندة القادم بديلا عنه معاكسة. وإذا كان مروّعا بالنسبة للحاكمين في هذه البلدان (وغيرها) أنه سيعيد الاتصال مع إيران، وسيحيي الاتفاق النووي معها، فإن إلحاحَه على قضايا حقوق الإنسان ومسألة سجناء الرأي سيكون مبعث قلقٍ آخر لهم. 

للناخب الأميركي في تصويته لبايدن أو لترامب حساباتُه، كما أن لغير حاكمٍ في غير بلد في الكون حساباتِه بشأن هذا أو ذاك. وفي بلادنا العربية الزاهرة، ومنها الخليجية، ثمّة حاكمون ربما يؤدّون صلوات استخارةٍ في قصورهم من أجل أن يبقى الرجل البرتقالي في البيت الأبيض أربع سنواتٍ أخرى، فيما أممٌ في المعمورة لا يعنيها جو بايدن بشيء، سوى أن بقاء ترامب سنواتٍ أربعا مضافةكابوسٌ ثقيل تتطيّر منه. وأيضا لأن كلام الرئيس المرجّح عن حقوقٍ إنسانيةٍ مهدورةٍ هناك وهنا ربما يكون له بعض النفع والجدوى.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.