يومان حاسمان أمام الحريري لتشكيل الحكومة اللبنانية

سعد الحريري/ حسين بيضون
30 أكتوبر 2020
+ الخط -

تعدّدت اللقاءات بين الرئيس اللبناني ميشال عون وسعد الحريري، منذ تكليف الأخير في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بتشكيل الحكومة، في ظل أجواء يعلن عنها بعنوان "الإيجابية" العريض، مع الحديث عن احتمال أن تبصرَ الحكومة العتيدة النور في نهاية الأسبوع، وهو ما كشفه رئيس البرلمان نبيه بري خلال حوار جمعه مع وفد طالبي من جامعة القديس يوسف، الأربعاء الماضي.
وقال مصطفى علوش، القيادي في "تيار المستقبل" الذي يتزعمه الحريري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "المناخات الإيجابية تستند إلى اللقاءات التي يعقدها الرئيسان عون والحريري، والتفاهم بينهما، والتقدّم الحاصل في المشاورات، خصوصاً أنّ الكلّ بات مقتنعاً بأن لا حل إلا بتشكيل حكومة تعالج الأزمات وتوقف الانهيار"، داعياً إلى انتظار "الـ48 ساعة المقبلة، وما ستحمله من تطوّرات".
وشدد علوش على أنّ "الأخبار التي تُنشَر عبر وسائل الإعلام عن توزيع حصص أو مقاعد وزارية بين القوى السياسية، وكل ما يُشاع من معلومات بشأن مسار تشكيل الحكومة غير صحيح، ولا يمت للحقيقة بأي صلة، وسبق أن نفى الرئيس الحريري هذه السيناريوهات".
ودعا إلى انتظار "لحظة إعلان الأسماء الوزارية التي معها ستتّضح الصورة أكثر"، لافتاً إلى أنّ "هذه الحكومة ليست كسابقاتها، وستنجح في مهمتها في حال كانت هناك رغبة حقيقية من الأفرقاء السياسيين بإنقاذ البلد وإعطاء الحكومة فرصة العمل، من هنا أهمية النوايا، ونحن كفريق سياسي نيتنا واضحة بوقف الانهيار، على أمل ألا تكون هناك رغبة مقابلة بتدمير البلد".
وبشأن ربط ملف التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية بالاستحقاق الحكومي، خصوصاً من جانب "حزب الله"، إضافة إلى الانتخابات الأميركية المنتظرة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، رأى علوش أن الرابط موجود. وقال إن "هناك أطرافا دائماً ما تربط القضايا الداخلية بأوضاع المنطقة والاستحقاقات الخارجية، مثل حزب الله، الذي سنرى ما إذا كان مستعدا لتخريب مسار الحكومة في حال كانت ترغب إيران بذلك، وتريد تحويل لبنان إلى ساحة للمواجهة، أم هناك رغبة حقيقية بتجاوز الصعوبات الخارجية وتشكيل حكومة توقف الانهيار".

عملية التشكيل تدور في حلقة ضيّقة جداً بين الرئيسين عون والحريري، بتناغم كبير ووسط تكتّم شديد حول التفاصيل ومسودة الأسماء الوزارية

في السياق نفسه، يرى النائب ماريو عون، عضو "تكتل لبنان القوي" الذي يتزعمه النائب جبران باسيل، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّه "دائماً ما تربط استحقاقات لبنان بملفات المنطقة، وكأن العالم ليس لديه سوى لبنان، واهتماماته كلها تصبّ في الداخل اللبناني، وعلى الرغم من وجود ملفات كبرى، لكن لا أرى أن هناك رابطا بينها وبين تشكيل الحكومة".
حكومياً، أشار ماريو عون إلى أنّ "عملية التشكيل تدور في حلقة ضيّقة جداً بين الرئيسين عون والحريري، بتناغم كبير ووسط تكتّم شديد حول التفاصيل ومسودة الأسماء الوزارية"، متوقعاً أن "يخرج الدخان الأبيض في اليومين المقبلين (إعلان ولادة الحكومة)". ولفت إلى أنّه باستثناء وزارة المال التي حُسِمَت لـ"حركة أمل"، التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، فإنّ الوزارات الأخرى هي عرضة للمداورة، وقد يتراوح حجم الحكومة بين 18 و20 وزيراً.

بدوره، أكد النائب محمد خواجة، عضو "كتلة التنمية والتحرير" التي تمثل "حركة أمل" نيابياً، لـ"العربي الجديد"، أنّ هناك عملاً جدياً لتشكيل الحكومة، لكنه محاطٌ بالكتمان بعكس المرّات السابقة، في ظلّ وجود إحساس لدى الجميع أن الوضع لا يحتمل التأجيل وهدر الوقت، ويحتّم خفض سقف المطالب ورفع مستوى التعاون بين الأفرقاء. وأوضح أن "التواصل مستمرّ بين الرئيسين عون والحريري، من دون لحظة انقطاع، في حين أن الرئيس بري لم يبخل أيضاً بأي جهدٍ حتى تبصر الحكومة النور في أسرع وقتٍ ممكن".
وأشار إلى أن بري أكد ذلك صراحةً بقوله إنّ "التشكيل قد يتم قبيل موعد الانتخابات الأميركية، تفادياً لبروز أي معطى يقلب وجهات النظر أو يؤخر ولادة الحكومة".
ولفت خواجة إلى أنّ الحديث يرتكز على تشكيل الحكومة في اليومين المقبلين أو مطلع الأسبوع المقبل، واللبنانيون متشوّقون لحكومة جديدة تعمل بنمط وذهنية مختلفة. 
ومضى قائلا "برأيي الشخصي، إن فكرة الاختصاصيين المستقلّين النقية هي وهمية، باعتبار أن الحكومات هي صناعة سياسيات، ولبنان بلد ديمقراطي أنتج في الانتخابات كتلا نيابية وأكثريات، ويعطي المجلس النيابي صلاحية منح الحكومة الثقة، وضرورة تعاون السلطتين التنفيذية والتشريعية بشكل دائم وخصوصاً على صعيد مشاريع القوانين، من هنا لا يمكن للرئيس المكلف أن يشكل حكومة من فراغ ويدير ظهره للكتل النيابية، وفي المقابل، يجب ألا تتشكل الحكومة على طريقة المحاصصات السابقة".

الحريري يحرص على أن تضمّ المسودة التي يقدّمها في الساعات القليلة المقبلة كما يُشاع، أسماء من أهل الاختصاص غير مستفزّة

وأشار خواجة إلى أنّ الكتل النيابية قد تضع بصمتها على التشكيلة الوزارية، لكن حتماً سيكون الاختيار من الاختصاصيين لا الحزبيين أو الوزراء السابقين، واعتماد معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة، التي بتوفرها تنجح الحكومة في عملها بعيداً من الكيدية والحسابات الضيقة.
وأوضح عضو "كتلة التنمية والتحرير" أنّ حقيبة وزارة المال لم تحسم لـ"حركة أمل" تحديداً بل للطائفة الشيعية "نظراً لحجمها، فهي مكون أساسي في البلد، والرئيس بري وضعها خارج التداول، وعندما نذهب إلى دولة مدنية عندها يمكن فصل الطوائف عن كلّ مواقع الدولة والسلطات والرؤساء الثلاثة".

وتجرى محاولات لتسمية مختصين من قبل الأحزاب السياسية وتقاسم الوزارات، وخصوصاً على صعيد المال، والداخلية، والطاقة والخارجية، والأشغال، والدفاع، والصحة، والاتصالات، وهي خطوة يضعها مصدر مطلع على أجواء المفاوضات، لـ"العربي الجديد"، في إطار "نسخة ثانية من حكومة حسان دياب، مع فارق واحد هو اتساع دائرة الأحزاب الممثلة فيها والمظلة الخارجية".
ولفت المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، إلى أنّ الحريري يحرص على أن تضمّ المسودة، التي يقدّمها في الساعات القليلة المقبلة كما يُشاع، أسماء من أهل الاختصاص، غير مستفزّة، والأهم تتمتع بسمعة دولية حسنة، وليس فقط فرنسياً وأوروبياً، بل أيضاً أميركياً، نظراً لأن موقف الولايات المتحدة حاسماً لناحية العقوبات التي تستمرّ بالوتيرة نفسها، وبإشارتها إلى أن أي حكومة يكون فيها "حزب الله" صاحب القرار لن تحظى بدعمها.