رحيل محمد المليحي: بعيداً عن أمواج أصيلة

رحيل محمد المليحي: بعيداً عن أمواج أصيلة

28 أكتوبر 2020
محمد المليحي (تصوير: ياسين التومي)
+ الخط -

عن أربعة وثمانين عاماً، رحل اليوم الأربعاء الفنَّانُ التشكيليُّ المغربيُّ، محمد المليحي، في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس؛ حيثُ كان يخضع لفحوصاتٍ طبية، قبل إدخاله إلى العناية المركّزة بسبب إصابته بفيروس كوفيد-19.

ويُعدّ المليحي، الذي وُلد في مدينة أصيلة المغربية عام 1936، أحد الوجوه الحداثية البارزة في المشهد التشكيلي المغربي المعاصر.

درس الفنّانُ الراحل الفنَّ التشكيلي في عدّة مدارس ومعاهد فنية داخل المغرب وخارجه خلال خمسينيات وستّينيات القرن الماضي؛ بدءاً بـ"مدرسة الفنون الجميلة" في مدينة تطوان بين سنتَي 1953 و1955، ثمّ "مدرسة الفنون الجميلة سانتا إيزابيل دي هنغاريا" في إشبيلية عام 1955، فـ "المدرسة العليا للفنون الجميلة سان فرناندو" في مدريد سنة 1956، ثمّ "أكاديمية الفنون الجميلة" في روما بين 1957 و1960 و"معهد إستاتالي للفن" في روما أيضاً عام 1960، ثمّ "المدرسة الوطنية للفنون الجميلة" في باريس بين 1960 و1961. وفي العام 1962، التحق بـ"جامعة كولومبيا" الأميركية التي درس فيها حتى العام 1964؛ سنة عودته إلى بلده.

شكّل مع فريد بلكاهية ومحمد شيبا "جماعة الدار البيضاء" الفنية في الستينيات

وفي المغرب، التحق المليحي بـ"مدرسة الفنون الجميلة" في الدار البيضاء؛ حيث عمل مدرّساً للرسم والنحت والتصوير بين سنتَي 1964 و1969، وهي الفترة التي كان فيها الفنان المغربي الراحل فريد بلكاهية مديراً للمدرسة. وقد شكّل الفنّانان، بالإضافة إلى الفنّان محمد شيبا، ما سيُعرف بـ "جماعة الدار البيضاء" الفنية التي برزت بمنهجيتها العلمية وأسلوبها الحداثي غير المعهود في المشهد التشكيلي المغربي.

الصورة
محمد المليحي - القسم الثقافي
(من أعمال محمد المليحي)

في العام 1966، ستتمكّن الجماعة، التي ركّزت على إدخال الحداثة على الثقافة البصرية المحلّية، من إقامة أوّل معرض لها، وكان ذلك في الرباط، قبل أن تُقيم بعد ثلاث سنوات من ذلك (1969) معرضاً في ساحة "جامع الفنا" بمدينة مرّاكش، حمل عنوان "الفن الواضح"، وشارك فيه عددٌ من فنّاني مدرسة الدار البيضاء، وكان هدفُه إخراج الفنّ التشكيلي من بين جدران الأروقة المغلقة ليلتقي مع الجمهور في الساحات العامّة.

إلى جانب ممارسة الرسم وتدريسه، برز محمد المليحي، أيضاً، في مجال النشر؛ وهو الذي كان أحد الأعضاء الناشطين في رابطة مجلّة "أنفاس" التي صدرت بين سنتي 1966 و1969، وكانت تُعنى بالثقافة والفكر اليساريّيَن. وهنا لا بُدّ من الإشارة إلى اشتغاله في مجال التصميم الغرافيكي. ومن بين أعماله البارزة في هذا المجال، تصميمه غلاف المجلّة نفسها، وأيضاً تصميمه ملصقاً شارك به في معرض الرباط عام 1966، وهو الملصق الذي اقتناه "متحف الفن الحديث" في مدينة نيويورك الأميركية.

الصورة
محمد المليحي - القسم الثقافي
(ملصق معرض الرباط عام 1966)

في مجال النشر دائماً، أسّس المليحي عام 1972 مجلّة ثقافية باسم "إنتغرال" وتولّى إدارتها حتى عام 1977، كما شارك عام 1974 في تأسيس دار نشر "شوف"، والتي تولّى إدارتها أيضاً.

وفي العام 1978، سيُشارك مع محمد بن عيسى في تأسيس "جمعية المحيط الثقافية" وتنظيم "موسم أصيلة الثقافي" الذي استمرّ منذ ذلك التاريخ في عرض جداريات فنية في الهواء الطلق.

الصورة
محمد المليحي - القسم الثقافي
(غلاف أحد أعداد مجلّة "أنفاس" التي كانت تصدر في الستّينيات)

في أعماله التشكيلية التي أنجزها منذ الستّينيات، ظلّ المليحي، الذي شارك في العشرات من المعارض الفنية عبر العالم، وفيّاً لفكرة الأمواج التي كان يرسُمها ضمن أسلوبٍ تجريدي تغلبُ عليه الخطوط الدقيقة والألوان الهادئة، مع إعادة صياغة مستمرّة لها، فيُضيف إليها مجموعةً جديدةً من الألوان والأشكال والرموز، لتتّخذ صياغات جديدة؛ فتارةً تأتي أفقية على امتداد اللوحة، وأحياناً عمودية أو منبثقة من منتصفها. وهذه الأمواجُ، التي تُحيل إلى أمواج مدينة أصيلة مسقط رأسه، ظلّت حاضرةً أيضاً في أعماله النحتية.

الأرشيف
التحديثات الحية

المساهمون