"الفتيان في الفرقة"... رغبات على شرفة في نيويورك

"الفتيان في الفرقة"... رغبات على شرفة في نيويورك

29 أكتوبر 2020
العمل مأخوذ عن نص مسرحي صدر في الستينيات (نتفليكس)
+ الخط -

حضور المسرح في السينما هو ليس بأمر غير معتاد، ولكن اللافت هو قدرة بعض الأعمال المسرحية على الاستمرار بالحضور وتحدي الزمن وارتباطها بالراهن وأسئلته، ليتم تبنيها في السينما مراراً. هذا ما يمكن أن تتصف به مسرحية The Boys in the Band للكاتب مارت كرولي Mart Crowley، الذي رحل في شهر مارس/آذار من هذا العام، عن 84 عاماً.

لم تكن لترى هذه المسرحية النور ضمن خطاب الستينيات الكاره للمثليين، لولا إصرار كاتبها الذي استطاع عمله، على عكس التوقعات، أن يحصد الإعجاب ليستمر عرضه على خشبة مسرح Off-Broadway في 1968 لأعوام تلت.

في الشهر الماضي، قدمت منصة نتفليكس فيلماً مأخوذاً عن المسرحية بنفس العنوان "الفتيان في الفرقة". الفيلم من إنتاج ريان ميرفي Ryan Murphy (الذي قدم مسلسل راتشيد، السياسي، هوليود، واغتيال جياني فرساتشي)، وأخرجه جو مانتيلو Joe Mantello، بقيادة فريق التمثيل: جيم بارسونز Jim Parsons، زاكاري كوينتو Zachary Quinto، مات بومرMatt Bomer، وأندرو رانيلز Andrew Rannells.

يدور الفيلم في شقة ذات تراس في نيويورك، حيث يجتمع تسعة من الأصدقاء المثليين للاحتفال بعيد أحدهم، ليتحول الحفل إلى أسوأ حفل يمكن تذكره، وذلك عندما يفاجأ المدعوون بقدوم ضيف ليشاركهم الأمسية. حرص القائمون على فيلم The Boys in the Band على الحفاظ على نص كرولي وتقديم الفيلم بإخراج يعكس روح المسرح.

يستمر الفيلم، كما العمل المسرحي الذي اقتبس عنه، ببث شعور ممض لدى المشاهد. لكن ما يساهم بإضفاء المتعة أثناء متابعة فيلم The Boys in the Band هو البراعة في إعادة إحياء فترة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من خلال الأزياء والحوار والديكور وبناء الدراما. يدور الحدث الرئيسي في شقة مايكل، رغم أن المخرج مانتيلو يقدم الشخصيات بشكل مختصر في عالمها خارج الشقة التي ليست في نهاية المطاف أكثر أماناً بالنسبة للمثليين من ذاك العالم، حيث الحذر هو نمط حياة يومي.

سينما ودراما
التحديثات الحية

من المهم قراءة السياق التاريخي الذي ولد ضمنه العمل المسرحي لفهم دلالاته. فالعرض جاء في فترة كانت المثلية تعتبر فعلاً غير قانوني. كما كان يتم تنميط الشخصيات المثلية في الدراما كشخصيات خسيسة وداعرة، أو يتم تجاهلهم وتهميشهم. ورغم أنه قد يبدو الفيلم لعين المشاهد في وقتنا الحالي كتنميط آخر، حيث تبدو الشخصيات تعيسة وراغبة في الانتحار، لكنها في المقابل شخوص تملك رؤية وأحلاما وتروي قصصها من دون أن يتم تقليصهم لمجرد أنماط. ورغم كون فريق العمل الحالي يملك رفاهية الاعتراف والقبول بجنسانيتهم، في الولايات المتحدة، ليس العمل احتفالاً بالتغيير الذي سمح بذلك، بل هو استعادة لزمن عانى فيه المثليون كأقلية. يحمل العمل طاقة مرهقة من كراهية الذات والدراما المبالغ بها، ليعكس بعضا من الشحنات العاطفية التي تقع ضحيتها الأقليات. 

يلتقي العمل المسرحي مع نص إدوارد ألبي Edward Albee المسرحي بعنوان Who’s Afraid of Virginia Woolf، المشحون بعصبية والذي يعكس مدى قتامة الواقع. يقوم مايكل الكاثوليكي المتدين، الشخصية الرئيسية، بتحضير مفاجأة لصديقه العدو هارولد الذي يشبّهه أصدقاؤه بـ "جنية يهودية قبيحة مثقوبة".

يجتمع في شقة مايكل الضيوف والأصدقاء المشتركون، العشاق السابقون وشركاؤهم الحاليون، إضافة إلى زميل غرفة في الكلية منذ فترة طويلة، غير متوقع قدومه. وما بدأ كأمسية هدفها اللعب والمرح، ينتهي بجو مشحون، حيث يصل الوضع إلى الحضيض عندما يقنعهم مايكل بإمساك الهاتف، والاتصال بأكثر شخص يحبونه، ليخبروه بحبهم له.

هدف مايكل القاسي هو أن يُظهر لهم جميعاً أن حياتهم المثلية لا يمكن أن تكون أكثر من مجرد محاكاة ساخرة للتواصل الإنساني والذي لا يعدو أن يكون أكثر من مزحة سمجة بنظر المجتمع. بهذا، يعرض كرولي القلق الذي تشعر به شخصياته، وهروبهم إلى الكحول والمخدرات، ووحدتهم، وعلاقاتهم السامة.

لكن قبل كل شيء، يشير بإصبع الاتهام إلى الشخص المسؤول عن سوء معاملة المثليين: ألا وهو المجتمع المعادي لهم والذي يعيشون فيه. يأتي الشكل الدرامي المسرحي محملاً بطاقة عالية ليزيد من جمالية الفيلم الذي يذكرنا بأن رفاهية الحاضر لم تأت سوى كنتيجة لتضحيات أجيال سعت لمستقبل أكثر عدلاً.

المساهمون