لأن الطفل ليس عشباً

مهترئون من الداخل

ابنتي عائشة شيرين
برّاقة وصافية 
مثل الماء المُتدفق من النبع 
موجوعة وحزينة
مثل الماء المُتَفَجِّر من مآقي العين

-مُدِّي يديكِ الصغيرتين إليّ يا ابنتي
تحتاجين من يحميكِ
أنتِ صغيرةٌ جدّاً، وما زلتِ طازجة
لا تتعودي على البكاء من الآن-

تقولين:

أقرأ أشعارك يا أبي
وتعلّمني الحزن
-لا تتعودي على البكاء من الآن يا ابنتي
كيف سأحميكِ من نفسي
أنا الذي جئتُ إلى الدنيا مثل الندبة

أنا وحدةٌ هنا
وأنتِ وحدةٌ هناك

يُقال إن الطفل يكبر مع أمه وأبيه
لأنه ليس عشباً

بقينا في منتصف الدنيا
منعزلين عن العالم، ومغرورين، 
سوداويين، وصدورنا مهترئة من الداخل.

■ ■ ■

الأصفر المجنون

الأرض ليست كُرويّة
والنهر لا يلتقي بالبحر.
الطريق لا يُفضي إلى شيء
والبحر لا تضرب أمواجه الشاطئ.
الشجرة، آه من الشجرة
لا تلامس غصونها السماء.
لا أحد يحب غيره أو يفهمه
ولا أحد يحفظ السِّرَّ الذي في المرآة المعتمة.
إذا نظرتَ من كل جانبٍ لا يتسرّب إليك الفراغ
يدي التي مددتُها لا تصل إلى يديكِ
الأرض ليست كُرويّة
الأرض لا تدور!

■ ■ ■

شجرة طائرة

لو كنتُ مطراً لما أمطرتُ
لو كنتُ نهراً لما طاوعتُ المجرى
لو كنتُ سماءً لما نزلت إلى الأرض
لو كنتُ بحراً لما ارتطمتُ بالشاطئ

لو كنتُ زهرة لما تَفَتَّحْتُ
لو كنتُ قلماً لما كتبتُ
لو كنتُ خبزاً لما أشبعتُ
لو كنتُ كلمةً لما تكلَّمتُ

لو كنتُ حيّاً لما متُّ، 
ولا انتظرتُها نفسي.

■ ■ ■

ابن

هل يمكن للأب أن يخون ابنه؟
ها قد قطع ذراعيه بالبلطة
والبلطةُ عينانِ بعيدتانِ تنظرانِ بضغينةٍ
وبلا رحمة، شقّ ذراعيه لثلاث أو أربع قطع

هل يمكن للأم أن تخون ابنها؟
فطمته أولاً، وها هي تمسحه من قلبها الآن
لم تعطه خبزاً، ولم تتطلع في وجهه بعد ذلك
الأم التي لا تخون أبداً، أدارت ظهرها لابنها 

هل يمكن للأخت أن تخون أخاها؟
ها قد أخذت منه ثأر الأيام الماضية
ومثلما تنسج الخيوط واحدة بعد أخرى
طردتْ أخاها الأكبر 

الآن يتجول الابن وحيداً في الشوارع
عيناه الصغيرتان مبتلتان
أوشكتا على الإصابة بالعمى، وانكمشتا كبُرقُوقَتَين جافتين
أراد أن يضع يديه في جيوبه
لكنه بلا يدين!

* Osman Çakmakçı شاعر تركي من مواليد مدينة طرابزون عام 1965. تخرج من كلية الآداب قسم الفلسفة في جامعة إسطنبول عام 1995. بدأ نشر قصائده منذ بداية الثمانينيات، وصدرت له عدة مجموعات شعرية، منها: "صيد الزقوم" (1991)، و"شجرة طائرة" (1996)، و"الكتابة العمياء" (2005)، و"تشريح العدم" (2011)، و"ابن" (2019). ساهم مع أصدقائه في إصدار مجلتي "الرحّال"، و"أحلام الأرض" الأدبيتين.

** ترجمة عن التركية: أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير

نصوص

التحديثات الحية

أستيقظُ مع الكلمات: قصائد تركية قصيرة