مرتزقة "فاغنر" عقبة أمام تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا

مرتزقة "فاغنر" عقبة أمام تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا

25 أكتوبر 2020
كيف سيتم اخراج المقاتلين الأجانب؟ (عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -

مازال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الموقع من وفدي اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، الجمعة الماضية، يلقى اعتراضا ضمنياً من جانب قادة الأطراف المسلحة من الجانبين، فيما يرى مراقبون أن أعسر بنود الاتفاق على التنفيذ ما يتعلق بإخراج المقاتلين الأجانب، سيما مرتزقة مجموعة "فاغنر" الروسية. 
ولقاء مطالبة المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي، محمد قنونو، أمس السبت الأمم المتحدة بإرسال مراقبين دوليين للكشف عن تواجد مرتزقة يقاتلون في صفوف اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، في سرت والجفرة براك، طالب المتحدث الرسمي باسم قيادة مليشيات حفتر أحمد المسماري، بـ"ضامن نزيه وحقيقي" لنجاح تنفيذ الاتفاق. 

وركز قنونو حديثه حول الاتفاق على ملف المرتزقة، قائلا في سلسلة تغريدات، "لا نثق في قدرة مليشيا حفتر في إخراج أكثر من 5 آلاف مرتزق من عناصر فاغنر ومثلهم من المرتزقة القادمين من سورية والسودان وتشاد"، مضيفا أن سرت والجفرة "أصبحت بؤر تجمع للمرتزقة الأجانب التابعين لفاغنر من روسيا وسورية والعصابات الإجرامية المحلية المتهمة بارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية". 

من جانبه أكد المسماري، خلال تصريح لتلفزيون محلي ليل البارحة السبت، على التزام حفتر بـ"اتفاق وقف إطلاق النار"، لكنه استدرك بالقول إن "الاتفاق يحتاج إلى ضامن نزيه وحقيقي وقوى رادعة لفرضه على المليشيات الإرهابية"، في إشارة لقوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً. 

وطالب المسماري بـ"التصدي" لتصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي وصفها بأنها "تصريحات تغرد خارج السرب". 
وكان أردوغان قد اعتبر، خلال تصريحات نقلتها وسائل إعلام تركية، أن الاتفاق الموقع بين وفدي اللجنة العسكرية مثل "الاتفاقات السابقة"، متسائلا "لا نعلم مدى جدية التعهد بانسحاب المرتزقة كمجموعات فاغنر من ليبيا". 
ومنذ توقيع الاتفاق بين ممثلي طرفي الصراع في اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، الجمعة الماضية في جنيف السويسرية، لم يصدر عن اللجنة أو البعثة الأممية الراعية للاتفاق أي تصريحات جديدة بشأن الخطوات التنفيذية للاتفاق، لكن مصادر ليبية مسؤولة كشفت النقاب عن مواصلة لجان أهلية مشتركة، مؤلفة من أعيان من شرق وغرب البلاد، جهودها للتوصل الى توافقات بشأن تبادل الجثث والأسرى بهدف حث طرفي القتال على البدء في ما اتفقت عليه اللجنة العسكرية المشتركة وقبلها لجان أمنية التقت في الغردقة المصرية نهاية الشهر الماضي. 

وتطابقت معلومات المصادر، حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق، بشأن عزم اللجنة العسكرية المشتركة إنشاء هيئة عسكرية بغرفتين؛ الأولى عسكرية للإشراف على تحديد مواقع عسكرية تنسحب لها قوات الطرفين من نقاط التماس في مدينة سرت إلى خارجها، والثانية أمنية مؤلفة من ضباط في الشرطة لإنشاء فرق شرطية مشتركة للانتشار في المدينة. 
ورحبت روسيا بالاتفاق الموقع بين وفدي اللجنة العسكرية المشتركة، معتبرة أنه "خطوة مهمة في طريق تجاوز الأزمة الحادة المزمنة في ليبيا وبدء حوار سياسي شامل هدفه النهائي إعادة وحدة البلاد وإنشاء أجهزة حكومية فعالة وإحياء البنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية"، وفق بيان للناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا. 
"فاغنر" والجنجويد
من جانب آخر، أكدت مصادر "العربي الجديد" أن وضع منطقة الجفرة لا يزال مستعصيا بسبب وجود قاعدة وعدة معسكرات يتموضع داخلها مئات المرتزقة، مشيرة إلى أن الوضع العسكري في الجفرة لم يتغير حتى الآن بخلاف مدينة سرت التي تتجه الى اتفاق على إخلائها من السلاح. وهي أوضاع يؤكد الخبير العسكري الليبي، الصيد عبد الحفيظ، على صلة بملف المرتزقة الأجانب. 
وفي مقابل اتهامات لتركيا بنقل مئات المقاتلين السوريين إلى ليبيا للقتال في صفوف حلفائها من قوات حكومة الوفاق، أكدت تقارير أممية، تزامنا مع تصريحات مسؤولين أميركيين، استعانة قيادة حفتر بمرتزقة أفارقة ومن مجموعة "فاغنر" الروسية، بواسطة أبوظبي التي تقدم هي الأخرى دعما عسكريا وسياسيا لحفتر. 
وذكر بعض تلك التقارير أن مرتزقة "فاغنر" بلغ عددهم في ليبيا نحو 1200، لكن تصريحات مسؤولين أميركيين سابقة قالت بأن عددهم يقارب 2500 عنصر. 
وذكرت الأمم المتحدة أن 70 رحلة شحن عسكرية هبطت في المطارات الشرقية لليبيا التي تقع تحت سيطرة حفتر، في الفترة ما بين 8 يوليو/ تموز الماضي، و2 سبتمبر/ أيلول الماضي، بمعدل 35 رحلة شهريا. ووفق إحاطة سابقة للمبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز لأعضاء مجلس الأمن، فإن داعمي حفتر أرسلوا له 3 سفن شحن خلال الفترة ذاتها. 
ورغم نفي موسكو أي وجود عسكري لها في ليبيا، إلا أن قادة حكومة الوفاق أكدوا، في تصريحات متوالية، وجود عناصر من مقاتلي "فاغنر" والجنجويد في صفوف حفتر، منذ سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، أثناء مهاجمته لطرابلس، لكن عبد الحفيظ لا يرى أي خطر يترتب على وجود مقاتلي الجنجويد وغيرهم من المقاتلين الأفارقة. 

ويشرح عبد الحفيظ رأيه لـ"العربي الجديد" بالقول إن المقاتلين الأفارقة هم مجموعات متناثرة في أكثر من موقع ويمكن بسهولة إخراجهم خصوصا وأن وجودهم مرتبط بالمال ولا تقف وراءهم أي دواع سياسية عكس "فاغنر" المدفوعة بسياسات دولة كبرى كروسيا.
وعن خارطة توزع مرتزقة "فاغنر" يقول الخبير العسكري الليبي، الصيد عبد الحفيظ، إنها غير ثابتة إلا في موقعين هما قاعدتا الجفرة وبراك الشاطئ المتوفرتين على بنى تحتية إذا تم تطويرها فإنها تحمي من يرغب في التواجد العسكري الثابت. 

وبحسب معلومات عبد الحفيظ فإن بقية المراكز الأخرى التابعة لـ"فاغنر" منها "المواقع النفطية سواء في الموانئ النفطية شرق سرت أو في مواقع الإنتاج في جنوب البلاد"، لكنه أشار إلى تمركزات ثابتة أخرى للمجموعة الروسية في مبان عامة تستقبل الدعم اللوجستي قبل نقله إلى مواقع أخرى، منها المهابط الجوية في منطقة جالو النفطية وفي قاعدة جمال عبد الناصر في طبرق وأيضا في قاعدة الخادم جنوب المرج. 
وحتى الخميس الماضي واصلت عملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، عبر صفحتها الرسمية، الكشف عن الرحلات الجوية التي تسيرها روسيا من قواعدها في سورية إلى مواقع مجموعات "فاغنر" في ليبيا. ويؤكد عبد الحفيظ أن روسيا نقلت منظومات دفاع جوية متقدمة ورادارات مراقبة ما يشعر برغبتها في حماية مواقعها وبالتالي رغبة في البقاء أكثر من المتوقع.

 
وهو ما يتفق معه الباحث السياسي الليبي، مصطفى البرق، مشيراً إلى أن احتواء وثيقة الاتفاق الموقعة بين وفدي اللجنة العسكرية على بند يتعلق بإخراج المرتزقة "مجرد ترف بعيد عن الواقع"، متسائلا "كيف يمكن إقناع دولة كبرى لم تعترف بوجودها العسكري وتحشد له منذ سنة بأن تخرج في ظرف ثلاثة أشهر". وأشار إلى أن الترتيبات العسكرية المنبثقة من الاتفاق لن تتوصل إلى حل قريب بشأن الجفرة التي تسيطر عليها مجموعات "فاغنر". 
ويقول البرق في حديثه لـ"العربي الجديد" إن تغير مواقف عدد من الدول التي كانت تدعم مشروع حفتر أو على الأقل تراجع ذلك الدعم نسبيا مع بقاء مجموعات "فاغنر" يؤكد أن سياسات موسكو تتجاوز حفتر وممثليه العسكريين في اللجنة المشتركة، مضيفا "بالتالي فإن الاتفاق وإن حمل كل ضمانات الاتفاق وتنفيذه لن يمكن حفتر من إقناع الروس بالخروج". 
وتابع البرق بالقول "هناك معادلة على أرض الواقع تؤكد وجود صراع تركي روسي مرتبط بساحات صراع أخرى وتتصل به أطراف تسير في ظل الصراع من بينها واشنطن وعدد من حلفائها في الغرب وبالتالي فالاتفاق لن تنفذ كل بنوده إذا لم يتم التوافق على صيغة بين أنقرة وموسكو". 
ونشرت عملية "بركان الغصب" على صفحتها الرسمية، اليوم وأمس السبت، صورا تظهر "تواصل تقديم الدعم التدريبي للقوات المسلحة الليبية ضمن اتفاقية التدريب العسكري والتعاون بين ليبيا وتركيا"، وهو ما يراه البرق دلالة على صحة تحليله. 

ويقرأ البرق الدور الروسي من خلال تغير مواقع تواجد مقاتلي "فاغنر"، مشيرا إلى أن خارطة انتشار المرتزقة الروس قريبا من مواقع النفط وفي قواعد عسكرية مهمة تعكس الأهداف الروسية في ليبيا. 

ويضيف "طموح روسيا يبدو أنه تجاوز الحفاظ على مصالحها الاقتصادية التي كانت تضغط للحفاظ عليها من خلال ورقة النفط إلى هدف تواجد عسكري رسمي"، مؤكدا أن ملف "فاغنر" ما يزال أعسر الملفات أمام أي توافق ليبي لا يعترف باستمرار التأثير الأجنبي وتحديدا العلاقة المعقدة بين أنقرة وموسكو التي تظهر تقاربا وتخفي صراعا عميقا. 
ويشير البرق إلى أن تصريحات قنونو والمسماري الأخيرة تعكس استمرار تأثير الجانبين في طرفي الصراع المحليين، مؤكداً أن الاتفاق مهما كان الإجماع الليبي حوله لن يكون قادرا على حلحلة أي وجود عسكري أجنبي في ليبيا ما لم يأخذ في حسبانه الصراعات الدولية التي يبدو أن طيفا منها، على رأسه واشنطن التي تسعى للحد من التواجد الروسي في ليبيا، وتمكنت من استثمار دور الأمم المتحدة فيه لصالحها.