ضغوطٌ سياسية تُفشل حملة حكومة الكاظمي لمواجهة السلاح المتفلت

ضغوطٌ سياسية تُفشل حملة حكومة الكاظمي لمواجهة السلاح المتفلت

23 أكتوبر 2020
تخشى الحكومة صداماً مسلحاً مع المليشيات والعشائر (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تؤكد قوى سياسية عراقية مختلفة، أن حكومة مصطفى الكاظمي فشلت في التصدي لملف السلاح المتفلت، والذي كانت أعلنت هذه الحكومة الشهر الماضي حملةً واسعة ضده في البصرة وبغداد ومدن جنوبية عدة. ويبدو أن هذه الحملة لم تحقق أيّ نتيجة ملموسة، على الرغم من تفاقم الجرائم الجنائية، مع تسجيل البصرة وحدها أكثر من 10 عمليات قتل جرّاء اشتباكات عشائرية وهجمات سطو مسلح ونزاعات مختلفة منذ شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
وأعلنت قيادة العمليات العراقية المشتركة، في الخامس من سبتمبر الماضي، عن سلسلة عمليات أمنية في البصرة وميسان وذي قار، ومناطق عدة في العاصمة بغداد، لحصر السلاح بيد الدولة، لم تسفر عن نتائج مهمة، لا سيما على مستوى السلاح المتوسط والثقيل. وشهدت تلك العمليات مصادرة أسلحة خفيفة وذخائر بكميات بسيطة للغاية، لا تتناسب مع حجم السلاح المتفلت الموجود في تلك المدن، ولا حتى مع تشكيلات القوات المشاركة في العملية، والتسويق الإعلامي الذي خصّصته الحكومة لها.

لم تسفر العمليات الأمنية عن نتائج مهمة، لا سيما على مستوى السلاح المتوسط والثقيل

وقالت مصادر في تحالف "الفتح" في البرلمان العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن ملف ضبط السلاح المتفلت يُحتسب من ضمن إخفاقات الكاظمي الحكومية، بسبب عدم تحقيقه شيئاً حياله، مع الاستعداد لتوجيه استفسار له عبر البرلمان عن الملف. لكن نواباً وسياسيين آخرين يتهمون تحالف "الفتح" والمليشيات الموالية لإيران، بأنها هي من تسبّبت بفشل الكاظمي في تحقيق أي تقدم يتعلق بقضية السلاح، التي باتت تنهك المشهد الأمني في بغداد وجنوبي العراق، كونها توفر حصانة للجهات التي تمتلك هذا السلاح، ونفّذت حملة مضادة للحكومة حيال خطوات جمع هذا السلاح، بهدف منع الكاظمي من تحقيق أي نجاح خلال فترة حكومته.

وقال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عبد الخالق العزاوي، إنه "على الرغم من مرور وقت طويل على انطلاق العمليات الأمنية ضد السلاح المتفلت، لم نلمس أي نتائج حقيقية تذكر". ولفت العزاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "النزاعات العشائرية والأعمال الخارجة على القانون لا تزال متواصلة، والسلاح المتفلت الذي يهدد الدولة وأمن المواطنين لا يزال موجوداً بقوة في الشارع، ولم يتم المسّ به".
ولم يستبعد النائب العراقي مسألة تعرض الحكومة إلى ضغوط وتهديدات لمنع حسم هذا الموضوع، معتبراً أنه "أمر وارد جداً، خصوصاً أن ذلك السلاح تابع لفصائل تتمتع كلّها بغطاء سياسي، وتملك تمثيلاً ونفوذاً في الدولة العراقية، وهذا سبب رئيسي يعرقل أي عمل أمني". وشدد العزاوي على "ضرورة أن يكون العمل الأمني بعيداً عن أي ضغوط وتهديدات سياسية، لنجاحه، إذ إنه في ما خصّ السلاح المتفلت لم يحقق أي نتائج، ما ينعكس بشكل سلبي على الوضع الأمني بصورة عامة". ورأى أن "أي عمليات بلا نتائج، تعطي قوة أكبر لأصحاب السلاح المتفلت".

من جهته، اعتبر النائب عن تحالف "سائرون" علي اللامي، العمليات الحكومية للسيطرة على السلاح "مجهرية (أي لا ترى بالعين المجردة) ولا ترقى لمستوى الطموح". ورأى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "السلاح المتفلت لا يزال حتى اليوم يسيطر ويتحكم بالشارع العراقي"، معتبراً أن "ما نفذته الحكومة هي عمليات متواضعة جداً، ولا ترقى إلى مستوى التحدي الأمني الذي يواجه العراق". ورأى اللامي أن "ما تم الإعلان عنه خلال العمليات الأمنية من ضبط للأسلحة، لا يتناسب مع حجم السلاح الذي تملكه بعض الجهات، والخارج عن سيطرة الدولة، ويهدد أمن واستقرار المناطق، كما يمس هيبة الدولة". وحول ذلك، أوضح النائب العراقي أن "هناك أسلحة متوسطة وثقيلة، تشكل تهديداً حقيقياً للدولة العراقية والمواطنين، ويجب أن تدخل في الحملات الأمنية، وليس أسلحة المواطنين غير المرخصة، والتي من الممكن للشرطة المحلة أن تجري عمليات في كل محافظة لجمعها". ورأى أن العمليات الأمنية، وحجم القوات العسكرية المشاركة، لا يتناسبان مع ما حققته الحملة من نتائج، بل يدلان على إخفاق الحكومة في ملف حصر السلاح بالدولة".

اقتصرت الحملة على استهداف أسلحة مواطنين، وأوكار عصابات لا غطاء سياسي لها 

في المقابل، قال مصدر مطلع في مكتب رئيس الوزراء العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "حملة السلاح المتفلت في البصرة ومدن جنوبية عدة كانت تسير بخطى ممتازة بعدما استغرقت كثيراً في النقاش والتعديل قبل انطلاقها". لكنه أكد تعرض الكاظمي مع إعلان انطلاق الحملة، لـ"الكثير من الضغوط من أجل إيقاف تلك العمليات، ومنع أي صدام مع الفصائل المسلحة والعشائر التي تحمل السلاح خارج سيطرة الدولة".
وأوضح المصدر أن "الكاظمي، بعد الإعلان عن العمليات وسط الدعم والترحيب الشعبي لها، لم يستطع إيقاف الحملة، لذا تم تغيير خطتها، وسارت بشكل غير فعال، وهي تستهدف الأسلحة غير المرخصة للمواطنين، مع تنفيذ عمليات أمنية ضد بعض أوكار العصابات المسلحة، التي لا غطاء سياسيا لها أو دعماً من فصائل مسلحة". وأكد أن رئيس الوزراء "لا يمكنه تنفيذ أي عملية أمنية ضد السلاح المتفلت من دون الدعم السياسي والبرلماني، غير المتوفر، كون غالبية القوى السياسية تملك فصائل مسلحة وتتحكم في السلاح المتفلت، خصوصاً أن هذا السلاح دائماً ما يستخدم لأغراض سياسية وانتخابية".

ورأى الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي محمد التميمي، أن إعلان حكومة الكاظمي عن العمليات ضد السلاح المتفلت "كان الهدف منه إعلامياً، لإيصال رسائل إلى المجتمع الدولي بأن الحكومة عازمة على تنفيذ ما وعدت به المجتمع الدولي في محاربة الفصائل الموالية إلى إيران". وأوضح التميمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الكاظمي لا يستطيع في الوقت الراهن شنّ أي عمليات أمنية من هذا النوع، إذ ستنتهي بصدام مسلح أكيد، لا رغبة لأحد به حالياً، لذا تمّ حفظ ماء الوجه الحكومي باستعراض أسلحة تعود للمواطنين، والتي يمتلكونها أساساً لحماية أنفسهم من اللصوص والعصابات". وأضاف التميمي أن "السلاح الموجود خارج الدولة هو الأقوى اليوم لوجود غطاء سياسي له، وهو جزء من المشروع الإيراني في العراق، ولهذا لا يمكن الاقتراب منه في ظلّ الوضع الحالي لحكومة الكاظمي، كما أن البلاد غير جاهزة لهذه المرحلة اليوم".

المساهمون