الثقافة التونسية في مواجهة الموجة الثانية

الثقافة التونسية في مواجهة الموجة الثانية

20 أكتوبر 2020
من الوقفة الاحتجاجية للمسرحيين في "مدينة الثقافة" (تـ: محمد المي)
+ الخط -

بعد عودة جزئية خلال الصيف للتظاهرات الثقافية، جرى إلغاء كل التظاهرات الثقافية في تونس بقرار حكومي، بداية الشهر الجاري، وسرعان ما أثار القرار حفيظة المشتغلين في قطاعات الثقافة، وعلى رأسهم المسرحيّون الذين قرّروا تنظيم وقفة احتجاجية في "مدينة الثقافة" في تونس العاصمة (5 تشرين الأول/ أكتوبر)، انضمّ إليها وزير الثقافة وليد الزيدي وأعلن عن تضامنه مع المحتجّين، وهو ما انجرّ عنه إقالته في اليوم نفسه، وتسليم مهام إدارة الشأن الثقافي إلى وزير السياحة بشكل مؤقت، وهو ما فتح سجالاً جديداً لا يزال مستمراً إلى اليوم مع الصمت الحكومي حول مصير وزارة الثقافة، وصولاً إلى وقفة احتجاجية أمام مقرّ الحكومة.

بالعودة إلى السبب الأول للاحتجاج، فإن الناشطين في القطاع الثقافي يرفضون نزعة الحلول السهلة التي تتعامل بها الحكومة مع الشأن الثقافي، حيث إن قرارات الإلغاء لم تمسّ قطاعات أخرى - الرياضة أو السياحة ومختلف المهن الأخرى - في ما عدا منع استعمال الكراسي والطاولات في مقاهي تونس العاصمة

يرى المسرحيون مثلاً أن هذا القرار الحكومي اعتباطيّ بالكامل ولا يراعي قطاعاً للمشتغلين فيه التزماتُهم المادية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، خصوصاً مع وجود حلول في هذا الاتجاه، كالإبقاء على العروض مع اعتماد إجراءات الوقاية من العدوى بتقليل عدد الحاضرين وتوفير مواد التعقيم وفرض ارتداء الكمّامات، وهو ما تمّ بالفعل في عدد من التظاهرات المسرحية التي نُظّمت خلال الصيف، ولم يحدث أن مثّل أحد المهرجانات بؤرة للعدوى.

إثر الموجة الأولى، لم تشهد تونس أي تفكير حول مستقبل الثقافة

مع ارتفاع معدّلات الإصابة في تونس مؤخراً، ناهيك عن إيقاع السجالات السياسية والاجتماعية في تونس، يبدو أن صوت المحتجّين ذهب أدراج الرياح، ولا نجد أي أثر لتفاعل من الحكومة مع مطالب أهل الثقافة على بساطتها. ومقابل ذلك، نجد خطاباً رسمياً من قبل عدد من مسؤولي وزارة الثقافة يتبنّى مطالب المحتجّين وكأن الوزارة ليست مؤسسة ضمن الجهاز الحكومي. ولا ننسى أن مدينة الثقافة التي احتضنت الاحتجاجات وشارك موظّفوها فيها هي مؤسسة رسمية أيضاً.

وإذا كانت الموجة الأولى من كورونا قد أثبتت أن الثقافة في تونس تعيش في معظمها بفضل أجهزة التنفّس الاصطناعي التي تؤمّنها وزارة الثقافة، فإن الموجة الثانية تشير إلى أن القطاع الثقافي لم يأخذ الدرس من الموجة الأولى، إلا في القليل النادر، مع ظهور بعض المبادرات الافتراضية، لكنها لا تستطيع أن تغطّي الإيقاع الطبيعي للإنتاج الثقافي كما يحدث في بعض البلدان الأخرى.

على مستوى ثان، لم تعرف تونس حركة تفكير إبداعي - جماعيّ بالضرورة - جرّاء انعكاسات كورونا على قطاعات حيوية من الثقافة، مثل إلغاء معارض الكتب بالنسبة لقطاع النشر، وإلغاء المهرجانات الكبرى بالنسبة للمسرح والموسيقى، وإغلاق الغاليرهات بالنسبة للفنون التشكيلية. فإذا لم يفكّر أحد في مستقبل الثقافة زمن الموجة الأولى، فما جدوى تبادل الاتهامات واللوم حين تجد الثقافة نفسها في عطالة مع الموجة الثانية.

المساهمون