الإعدام في الجزائر... جدل إعادة تفعيل تنفيذ العقوبة

الإعدام في الجزائر... جدل إعادة تفعيل تنفيذ العقوبة

20 أكتوبر 2020
أمام مقر المحكمة العليا في الجزائر العاصمة عام 1992(جان ميشال توربين/ Getty)
+ الخط -

تشهد الجزائر ارتفاعاً في عدد الجرائم خلال الآونة الأخيرة، ما دفع البعض إلى المطالبة بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام، مشككاً في جدوى السجن. إلا أن هذا الطرح يلقى معارضة الحقوقيّين

خلال الفترة الأخيرة، تجدّد الجدل في الجزائر حول عقوبة الإعدام، على خلفية جرائم خطف واغتصاب وقتل وتنكيل مروعة شهدتها البلاد. ويُطالب تيار باستئناف تطبيق حكم الإعدام المعلّق منذ عام 1993، فيما يُطالب ثان بإلغاء تام للعقوبة من قانون العقوبات. ويرى الأخير أن الإعدام ليس حلًّا لمشاكل الجريمة، لكن الحكومة تبدو أقرب إلى إعادة تطبيق محدود للإعدام في جرائم محددة كالخطف والاغتصاب ثم القتل والتنكيل بالضحية. هل يستحقّ قاتل الشابة شيماء الإعدام والقصاص، أو أنه ضحية المجتمع والتنشئة الخاطئة؟ ما فائدة سجنه بعد ارتكابه جريمة قتل وتنكيل ثم حرق جثة الشابة؟ كان هذا جزءا من نقاش شهدته الجزائر خلال الأسبوعين الماضيين بعدما كشف النقاب عن ثلاث جرائم مروعة شغلت الرأي العام في البلاد؛ وهي اغتصاب وقتل وحرق جثة الشابة شيماء في منطقة الثنية قرب العاصمة الجزائرية، ثم خطف وقتل شابة ثانية وحرقها في منطقة سطيف شرقي الجزائر، وخطف وقتل شابة في منطقة تمنراست أقصى جنوبي البلاد، إضافة إلى عمليات خطف أطفال ما زال البحث عنهم جارياً.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ومنذ الكشف عن هذه الجرائم، انحصر النقاش بالإجراءات التي يمكن أن تردع المجرمين عن ارتكاب مثل هذه الأفعال الوحشية، وطرحت أسئلة كثيرة حول ما إذا كان السجن، مهما كانت فترته، كاف لتأديب مجرم أو إعادة تأهيله، خصوصاً وأن بعض القتلة هم ممن سبق لهم ارتكاب جرائم. على الرغم من ذلك، لم ينفع السجن لردعهم، فقاتل الشابة شيماء مثلاً، كان قد قضى ثلاث سنوات في السجن. على الرغم من ذلك، عاد إلى ارتكاب الجريمة مجدداً. وقد تكون بشاعة الجرائم وعدم قدرة السجون على إعادة تأهيل السجناء، من أبرز دوافع التيار الذي يحرض السلطات على تفعيل تنفيذ عقوبة الإعدام. 
وتأخذ هذه الدعوات بعداً دينياً يعرف بـ"القصاص"، وقد انخرطت تنظيمات إصلاحية في حملة المطالبة بالإعدام، استناداً إلى الشرع ومطالب عائلات الضحايا. وطالبت منظمة شباب الجزائر السلطات العليا للبلاد بتفعيل حكم الإعدام ضد جرائم اغتصاب وقتل الأطفال، كما قال المحامي عمار خبابة في ندوة نظمت حول موضوع الإعدام. أضاف أن "عقوبة الإعدام مطلب سبق وأن نادينا بتنفيذه على اعتبار أنه الرادع الوحيد لمن يرتكبون الجرائم حتى يكونوا عبرة لآخرين"، محملاً كل شخص مسؤولية أفعاله، وداعياً إلى أن ينال العقاب. تابع: "تفهّمنا في السابق الأسباب التي جعلت السلطة تجمّد تنفيذ عقوبة الإعدام نظراً للأوضاع الأمنية الصعبة التي عاشتها الجزائر خلال فترة التسعينيات، عندما تم تطبيق العقوبة في جرائم مختلفة. إلا أن الوضع اختلف، ويمكن تطبيق العقوبة في إطار محاكمات عادلة". 
كل هذه الخطوات تُؤشّر على توجه حكومي للعودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام في جرائم محدودة، ما دفع تيار الحركة الحقوقية في الجزائر للمطالبة بإلغاء وسحب عقوبة الإعدام نهائياً من قانون العقوبات، ضمن الحملة الدولية الداعية إلى إلغاء حكم الإعدام. ويحمّل هذا التيار السلطة والمجتمع المسؤولية عن "صناعة الجريمة والمجرمين".

الصورة
إعدام- Getty

من جهتها، تقول المحامية نورية بلبصير لـ "العربي الجديد" إن جرائم الخطف والقتل التي ترتكب بحق الأطفال والشباب تزداد خلال الآونة الأخيرة، ولا يمكن أن نوجزها في مواد قانونية لأنها تحمل أبعاداً سياسية واجتماعية وثقافية، خصوصاً في ما يتعلق بالظروف المحيطة بالجريمة، وحقوق الضحايا، وحقوق المجتمع أيضاً. وتلفت المحامية بلبصير إلى أنه لا يمكن مواجهة هذه الجرائم بالردع فقط، بل أيضاً من خلال تخفيف أسباب تفشيها بين الشباب، ومراعاة المشرع مختلف الظروف المحيطة بالجرائم. تضيف: "اللافت أن مختلف الجرائم التي وقعت أخيراً في الجزائر ارتكبها شباب يعانون ظروفاً اجتماعية صعبة، من بينهم قاتل شيماء الذي حكم عليه بالسجن خمس سنوات لارتكابه جريمة اغتصاب، ثم عرف تخفيفاً للحكم باعتباره قاصراً ويقطن في أحد بيوت الصفيح في أطراف ولاية بومرداس شرق العاصمة الجزائرية". 
في الواقع، ما زالت عقوبة الإعدام قائمة في النص القانوني في الجزائر. وفي تقرير سابق، أعلنت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، عن صدور 750 حكماً بالإعدام في البلاد منذ عام 2008. لكن السلطات توقفت عن تطبيق هذه العقوبة منذ عام 1993 بعد مصادقتها على لائحة الأمم المتحدة المتعلقة بإلغاء حكم الإعدام. وكانت أول دولة عربية تصوت عام 2008 على هذا القرار، من دون أن تتبع هذه الموافقة بإعادة النظر في قانون العقوبات الجزائري. حتى أن المادة 38 المدرجة في مسودة الدستور المنتظر الاستفتاء عليه بداية الشهر المقبل تنص على أن "الحق في الحياة لصيق بالإنسان، يحميه القانون ولا يمكن أن يحرَم أحد منه إلا في الحالات التي يحدّدها القانون". 
ومنذ الاستقلال عام 1962، أصدر القضاء الجزائري أكثر من 2000 حكم بالإعدام حسب تقارير رسمية وأخرى لمنظمات حقوقية، تتعلق غالبيتها بجرائم الإرهاب والقتل العمدي والجاسوسية. وتطالب الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بإلغاء حكم الإعدام من المنظومة العقابية، ودعت الحكومة إلى إيجاد حلول بديلة مثل الحبس المؤبد، معتبرة في السياق أن مطالبها "لا تعني الإفلات من العقاب، لكنها مطالب لتنقية قوانين الجزائر من نصوص اجتهادية تتجاهل أن القانون إنما يوضع لصون الحياة وليس لإهدارها".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

من جهته، يؤكد المحامي طارق مراح أن ملف "عقوبة الإعدام" في الجزائر لم يعد مسألة قانونية بحتة، لأن القانون ينص على هكذا عقوبة بينما تطبيقه معلق بمرسوم رئاسي. ويقول لـ"العربي الجديد" إن "عقوبة الإعدام علقت في الجزائر بمرسوم رئاسي، ولا يمكن العودة لتنفيذها إلا بمرسوم رئاسي أيضاً"، مضيفاً أن الجزائر وبغض النظر عن أية مطالبات بتطبيق الإعدام أو رغبة السلطات في ذلك، فإن هناك عائقا هو المواثيق الدولية التي تنص على الحق في الحياة، والتي ستسبب حرجاً سياسياً كبيراً للجزائر في حال عادت إلى تطبيق هذه العقوبة، كونها تسلب الحياة.

المساهمون