سقطة نائب تونسي

سقطة نائب تونسي

19 أكتوبر 2020
مواطنة فرنسية تضع وروداً في موقع الجريمة (Getty)
+ الخط -

تجاوزت محادثة رئيس الحكومة التونسي، هشام المشيشي، مع نظيره الفرنسي، جان كاستكس، عبارات التضامن العادية بعد الجريمة التي ذهب ضحيتها، يوم الجمعة الماضي، أستاذ تاريخ فرنسي بالقرب من العاصمة باريس. وذكر بيان رئاسة الحكومة التونسية، أن المشيشي أكد لنظيره الفرنسي "موقف تونس الرافض للعنف ولكل أشكال التطرف والإرهاب الذي لا يمت بصلة للإسلام ولقيمه السمحاء، مشدّداً على ضرورة احترام حرية التعبير وحرية المعتقد". وعبّر عن "تضامن تونس الكامل مع فرنسا جراء هذه الجريمة النكراء، ووجّه له نيابة عن الشعب التونسي عبارات العزاء والمواساة للشعب الفرنسي الصديق".

ولا يحتاج الأمر لجهد كبير لفهم أن هذا التأكيد الرسمي التونسي، جاء بعد الجدل الذي أحدثه النائب في البرلمان التونسي راشد الخياري، بعد نشره لتدوينه على صفحته على فيسبوك قال فيها إن "الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هي أعظم الجرائم، وعلى من يقدم عليها تحمّل تبعاتها ونتائجها، دولة كانت أو جماعة أو فردا". وأفاد نائب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، محسن الدالي، بأن النيابة العامة بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، تعهّدت (فتح تحقيق) أول من أمس السبت، بالتدوينة المذكورة.

وقال الدالي في تصريح لوكالة الأنباء التونسية إن هذه التدوينة "قد تُكيّف قانوناً على أنها جريمة إرهابية، طبق القانون التونسي لمكافحة الإرهاب، لما قد تشكله من تمجيد وإشادة بتلك العملية الإرهابية". وأضاف أن النيابة العامة بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب قد انطلقت في إجراء الأبحاث والتحريات اللازمة في الموضوع.

وتطرح هذه الواقعة أسئلة كثيرة حول كيفية التعاطي مع الاعتداءات الإرهابية عموماً، وبما يتعلق بحرية التعبير والمعتقد خصوصاً، ومن بين ما تؤكد أن العرب والمسلمين مطالبون في كل مرة بالتبرؤ من تهمة الإرهاب، وتجديد التأكيد على أن "هؤلاء الأغبياء الذين يحملون قنابلهم في الحقائب لا يمثلون الإسلام ولا المسلمين في شيء". وزاد عليه رئيس الحكومة التونسية هذه المرة تلميحاً، بأن هذا النائب لا يمثل الدولة التونسية ولا التونسيين، وأن تونس تكتوي بنارهم كما فرنسا.

ولكن الغرابة الكبرى هي في ما أتاه النائب نفسه، ونواب غيره حتى ممن يدّعون في الظاهر تبني الفكر الديمقراطي والحر، إذ ينسون بمجرد جلوسهم على الكرسي أنهم نواب للشعب ويتكلمون باسمه ويصوّتون نيابة عنه. ولكن الشعب يتحمّل في نهاية الأمر وحده تبعات ما يقترفه هؤلاء الذين انتخبهم، وينبغي عليه أن يتحمل مسؤولية ما وضع في صندوقه، وكل صندوق بما فيه يرشح.