سحب منتظر لنقاط المراقبة التركية جنوبي إدلب

سحب منتظر لنقاط المراقبة التركية جنوبي إدلب

19 أكتوبر 2020
جنود أتراك ونازحون مدنيون في إدلب (فرانس برس)
+ الخط -

أثارت المعلومات المتقاطعة من مصادر في فصائل المعارضة السورية، وأخرى تركية سياسية، عن نية الجيش التركي سحب عدد من نقاط المراقبة التابعة له جنوبي "منطقة خفض التصعيد" (إدلب ومحيطها)، تساؤلات عدة حول توقيتها وهدفها وتداعياتها. وتركز القلق في أوساط المدنيين في إدلب، النازحون منهم على وجه التحديد، خصوصاً أن تلك المنطقة باتت محاصرة من قبل قوات النظام والمليشيات الحليفة لها، المدعومة من إيران وروسيا، خلال المعارك الأخيرة. ويخشى النازحون من الانسحاب إذا حصل، لأنه يطوي ملف عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي خرجوا منها، بعدما انتشروا شمالي إدلب وسط ظروف صعبة، في ظل نقص المساعدات وفرص العمل والاكتظاظ السكاني. مع العلم أنه سبق للنظام أن قضم مع حلفائه مساحات واسعة من "منطقة خفض التصعيد"، تحديداً شمالي حماة وغربها، وجنوبي إدلب وشرقها، وجنوبي حلب وغربها. في السياق، أكدت مصادر تركية رفيعة لـ"العربي الجديد"، أن هناك نية بالفعل للانسحاب بشكل تدريجي وهادئ من نقاط المراقبة الثلاث في مورك والصرمان وشير المغار. وعزت ذلك إلى تبلّغ أنقرة من موسكو عدم تمكنها بعد الآن من توفير الحماية لهذه النقاط، مع إدراك تركيا أنه لم يعد هناك أي تأثير وفعالية ميدانية لهذه النقاط، ولن تكون ذات نفع لفصائل المعارضة المدعومة من قبلها. واعتبرت المصادر أن الاحتفاظ بهذه النقاط، كان من أجل استخدامها كأوراق ضغط تفاوضية مع الجانب الروسي خلال المباحثات، سواء لفرض الاتفاق الشامل، أو في إطار عودة النازحين.


يسعى الأتراك لتوسيع المنطقة الآمنة شرقي الفرات

ولكن عدم وجود فعالية لهذه المناطق وانتفاء دورها، وعدم الحديث عن ضمانات حقيقية لانسحاب النظام من المنطقة تمهيداً لعودة النازحين، قلّلت من أهمية تواجد نقاط المراقبة هذه، وتحولت إلى عبء على تركيا. وأضافت المصادر نفسها أن تركيا التي عززت تواجدها الميداني في إدلب بشكل كبير ومكثف، كانت ترسل تعزيزاتها لجنوب وشمال الطريق الدولية "أم 4"، من دون تعزيز نقاطها المحاصرة، ودعمها بشكل كاف. وبالتالي كانت هذه النقاط موضوع تفاوض مع الجانب الروسي، ومن خلال تلك المفاوضات، ونتيجة للتطورات الحاصلة والتعزيز العسكري في إدلب، والرسائل والمطالب الروسية التي جاءت في هذا الإطار، كانت خطوة الانسحاب.

من جهتها، ألمحت مصادر تركية أخرى، إلى وجود صفقة تركية روسية جديدة في المنطقة بشكل جزئي، كاشفة أن انسحاب القوات التركية من النقاط الثلاث، ستُقابَل بسيطرة فصائل المعارضة السورية بدعم تركي على بلدة تل رفعت والقرى التسع المحيطة بها، وتأجيل حسم موضوع بلدة منبج إلى وقت لاحق. وبالتالي فإن الاتفاق الجزئي الحالي الذي ألمحت له المصادر، يقضي بسحب تركيا نقاط المراقبة الثلاث، مقابل حصول المعارضة على تل رفعت وريفها. كل ذلك ضمن إطار استراتيجية تعزيز تركية، للسيطرة على شمال الطريق الدولية حلب اللاذقية "أم 4"، على أن يشمل السعي التركي بلدة منبج لاحقاً، وتوسيع المنطقة الآمنة شرقي الفرات. من جهته، أكد مصدر عسكري في "فيلق الشام"، أكثر فصائل "الجبهة الوطنية" المقاتلة في إدلب قرباً من أنقرة صحة المعلومات، مشيراً إلى أن المسؤولين العسكريين والأمنيين الأتراك، بحثوا ذلك مطولاً مع فصائل المعارضة المقاتلة في إدلب، منذ نحو الشهر. ونوّه المصدر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "اجتماعات مكثفة عقدت لبحث هذه المسألة، وقد أبلغنا نية الجيش التركي سحب النقاط الواقعة تحت سيطرة النظام منذ حوالي 15 يوماً، وتم التأكيد على ذلك في اجتماع آخر منذ ثلاثة أيام". وأضاف أن "الانسحاب سيكون بشكل تدريجي، بدءاً من نقطة المراقبة الموجودة في مورك شمالي حماة، ومن ثم نقطتي شير المغار شمالي حماة أيضاً والصرمان جنوبي إدلب". وألمح القيادي في "الفيلق" إلى إمكانية لجوء تركيا إلى سحب كل النقاط المحاصرة من قبل قوات النظام وحلفائه بشكل تدريجي في الأيام المقبلة. ونقل القيادي تخوّف الجانب التركي من بقاء النقاط تحت سيطرة قوات النظام وحلفائها بالقول: "أبلغنا المسؤولون الأتراك بأنهم يخشون في حال تجدد المعارك بقاء النقاط في مناطق سيطرة النظام والمليشيات. وهذا ما سيشكل نقطة ضغط كبيرة عليهم وتهديد للجنود داخل تلك النقاط، من الانتقام والمهاجمة من دون التمكن من الإمداد والوصول إليهم. وهو ما سيجعل خيارات المبادرة الهجومية ضعيفة". وأكد أن سحب النقاط، سيكون بتراجعها إلى مواقع متقدمة على خطوط التماس مع قوات النظام، في جبل الزاوية جنوبي إدلب. وأكد القيادي أن عملية الانسحاب، التي وصفها بإعادة التمركز والانتشار، ستبدأ بسحب نقطة مورك إلى قرية قوقفين بجبل الزاوية. وكان الجيش التركي قد استطلع قبل أيام تلة مرتفعة في قرية قوقفين لغرض إنشاء نقطة جديدة عليها، وبالفعل أشارت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إلى أن جرافات الجيش التركي سوّت الأرض تمهيداً لتمركز النقطة عليها. وكان المدنيون والنازحون على وجه التحديد يأملون أن تتمكن تركيا من إجبار قوات النظام على الانسحاب إلى ما وراء نقاطها المحيطة بـ"منطقة خفض التصعيد" بناء على الخريطة الجغرافية لاتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا، تمهيداً لإعادة حوالي 1.7 مليون نازح اضطرتهم هجمات النظام وحلفائه على مدنهم وقراهم للخروج منها. وكان مسؤولون أتراك، في مقدمتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هدد قوات النظام بالانسحاب إلى ما وراء النقاط التركية المنتشرة في "خفض التصعيد"، وإلا فإن قوات بلاده ستجبرهم على ذلك من خلال عملية عسكرية يشنها الجيش التركي لهذا الغرض.

كانت النقاط التركية موضوع تفاوض مع الجانب الروسي
 

وجاء ذلك على خلفية مقتل حوالي 30 جندياً تركياً بقصف استهدفهم في جبل الزاوية في فبراير/شباط. بعدها بدأت العملية التي أسمتها تركيا "درع الربيع" في 27 فبراير الماضي، التي كبّد خلالها الجيش التركي والفصائل، قوات النظام وحلفاءه خسائر كبيرة. لكن العملية توقفت بتدخل روسي، تمّ بموجبه صياغة اتفاق مع تركيا، أوقف إطلاق النار. وتطرق الاتفاق إلى مسألة إعادة النازحين، ولم يعد المسؤولون الأتراك يتحدثون عن انسحاب النظام، رغم بقاء 15 نقطة تركية في المناطق التي سيطر عليها خلال العمليات، منها نقاط مراقبة رئيسية والباقي نقاط انتشار. وتنتشر نقاط المراقبة حول إدلب أو "منطقة خفض التصعيد الرابعة"، التي أقرتها مباحثات أستانة في مايو/أيار 2017 وتم تثبيت حدودها باتفاق سوتشي بين بوتين وأردوغان في سبتمبر/أيلول 2018. وتضم تلك المنطقة كامل محافظة إدلب وأجزاء من أرياف حماة الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي واللاذقية الشرقي. لكن النظام ضرب بالاتفاقيات عرض الحائط وتقدمت قواته إلى جانب المليشيات الممولة من إيران وبدعم جوي ولوجستي روسي كبير، لتقضم مساحات واسعة من "خفض التصعيد" في معارك امتدت منذ إبريل/نيسان 2019، وتوقفت مع إعلان وقف إطلاق النار المبرم بين روسيا وتركيا في الخامس من مارس/آذار الماضي.

المساهمون