استمع إلى الملخص
- تعكس هذه الحملات أبعاداً طائفية وسياسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية، حيث تستغلها قوى سياسية ودينية تشعر بخسارة بعد سقوط نظام الأسد، مع وجود 400 ألف سوري في سوق العمل العراقي.
- أدانت الحكومة العراقية الاعتداءات ووصفتها بتصرفات فردية، وأشادت الأمم المتحدة بالإدانة، مؤكدة على الالتزام بالقانون والابتعاد عن خطاب الكراهية.
شهدت الأسابيع الماضية حملات تحريض ضد الجالية السورية في العراق مدفوعة من وسائل إعلام ومنصات مملوكة لجهات سياسية نافذة في البلاد وفصائل مسلحة كانت تملك تمثيلاً في سورية ضمن جبهة إسناد النظام السوري المخلوع، وهو ما استدعى الحكومة العراقية، عدة مرات، لإصدار بيانات نفي لشائعات تستهدفهم. اعتقالات وتهديدات وتجاوزات بالضرب والاعتداءات وصولاً إلى تلفيق التهم الكيدية للسوريين من عمال المطاعم وغيرهم.
وأمس الأحد، اضطرت السلطات العراقية الأمنية لإصدار بيان عاجل ينفي فيه صحة شائعات روجتها منصات إعلامية مرتبطة بمليشيات مسلحة، تتحدث عن نية عمال سوريين في مطاعم بغداد تسميم الطعام في وقت واحد وإسقاط آلاف العراقيين وإرباك الوضع في العراق.
الشائعة التي جاءت عبر وثيقة مزورة منسوبة لقيادة عمليات بغداد، الممسكة بملف أمن العاصمة، استمرت عدة ساعات في مواقع التواصل مع حملات تحريض وخطاب كراهية نفذته حسابات وصفحات على منصتي إكس وفيسبوك تجاه السوريين مطالبة بـ"طردهم من العراق"
ورغم أن تاريخ الوجود السوري في العراق يمتد مع سني الثورة البالغة 14 عاماً، لكن هذه أول مرة يواجهون فيها حملات تحريض ممنهجة بهذا الشكل. وذكرت قيادة عمليات بغداد أن "هذا الخبر (إشاعة مخطط تسميم المطاعم من قبل السوريين) عارٍ من الصحة ولا أساس له، وكل ما يُنشر بهذا الخصوص مجرد شائعات"، وفقاً لبيان نشرته وكالة الأنباء العراقية (واع). إلا أن وسائل الإعلام التابعة للفصائل المسلحة، التي قاتلت بعضها في سورية خلال السنوات الماضية لصالح نظام بشار الأسد، واصلت تأكيد صحة البرقية، معتبرة إياها تهدد الأمن والمجتمع في بغداد، وصاحبتها دعوات لترحيل السوريين.
مع العلم أن العمال السوريين في العراق يُشكّلون شريحة من القوى العاملة التي لجأت إلى البلاد خلال السنوات الماضية، خاصة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011. وقد توزعت هذه العمالة في مختلف القطاعات، لا سيما في مجال الخدمات والمطاعم والإنشاءات، لا سيما في العاصمة بغداد ومحافظات إقليم كردستان. وتصنف شريحة العمال السوريين منضبطةً، وقد حظيت بسمعة طيبة، كما أنها أدت إلى نقلة نوعية في تطوير الأكلات العراقية والمطاعم بشكلٍ عام.
أبعاد طائفية
في السياق، قال عضو في مجلس النواب العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "التحريض واضح ضد السوريين، منذ أن سقط نظام بشار الأسد، وانعكس هذا التحريض على سلوكيات تعامل بعض الجماعات المسلحة التابعة لأحزاب محددة ومعروفة لدى العراقيين للتنكيل بالسوريين والتجاوز عليهم"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "هذه الحملات مدفوعة من قوى سياسية ودينية وفصائل مسلحة، وهذه الجهات الداعمة تشعر بخسارة مريرة ولا يبدو أنها استفاقت من صدمة سقوط الأسد ونظامه بهذه السرعة".
وأكمل النائب أن "الحملات ضد السوريين قد تستمر، وقد تستثمر سياسياً، خصوصاً أن العراق مقبل على إجراء انتخابات تشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، باعتبار أن نحو 400 ألف سوري في العراق، وهؤلاء يشغلون حيزاً في سوق العمل، بالتالي قد نسمع أصوات نيابية وسياسية بضرورة ترحيلهم من أجل تشغيل العراقيين بدلاً منهم"، مؤكداً أن "الحملة ذات أبعاد طائفية، وليست أكثر من ذلك".
والأسبوع الماضي، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهِر مجموعة ملثمة من مليشيا مسلحة تطلق على نفسها اسم "تشكيلات يا علي الشعبية" تشن حملات استهداف ممنهجة ضد اللاجئين والعمال السوريين في العراق. وأظهر المقطع قيام عناصر المجموعة بمداهمة أماكن عمل السوريين، وتفتيش هواتفهم الشخصية، والاعتداء عليهم بالضرب والإهانة إذاعُثر على أي محتوى متعلق بالثورة السورية في ردة فعل انتقامية على تصاعد الأحداث في الشمال السوري.
وقد سارعت الحكومة العراقية إلى إدانة هذه الأعمال مؤكدة أنها تصرفات فردية لا تعكس قيم الشعب العراقي المضياف، وتعهدت بملاحقة المتورطين وتقديمهم إلى العدالة، كما وجه رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني بتشكيل فريق أمني مختص لملاحقة من يرتكب هذه الأفعال غير القانونية.
من جهتها، أشارت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" إلى أن "التقارير المتداولة حول وقوع هجماتٍ ضدّ عمّالٍ سوريين في العراق تشكل مثارَ قلقٍ بالغ لدى بعثة الأمم المتحدة في بغداد".
كما أشادت بـ"الإدانةِ الصريحة الصادرةِ عن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني لاعتداءات كهذه، وتشكيل فريق أمني متخصّصٍ لملاحقة مرتكبي هذه الاعتداءات التي تمس كرامة الإنسان وتنتهك حقوقه، وما يمثله ذلك من مخالفة للقوانين العراقية النافذة". ودعت إلى "الالتزام بالقانون، والتحلي بالحكمة، والابتعاد عن خطاب الكراهية، والمحافظة على الاستقرار ضمن عراق آمن متصالح مع ذاته ومحيطه".
حملة ممنهجة
من جهته، بيَّن الناشط المدني حسين عبد الهادي أن "الحملة ضد السوريين مدفوعة سياسياً بطريقة واضحة، وإلا لماذا وجهت المنصات الإعلامية التابعة لبعض الفصائل هجومها على السوريين في توقيت واحد، وهذا يعني أن الحملة ممنهجة"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "السوريين في العراق بأغلبيتهم يعملون في الأسواق، وقد أثروا السوق العراقية بالعمالة الجيدة ولم يشهد العراق أية حالة اضطراب أمني أو جرائم بسبب السوريين. وعلى الحكومة أن تواجه هذه الحملات وعدم مضايقة السوريين".
وسبق أن أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن العراق يستضيف أكثر من 300 ألف لاجئ، 90% منهم سوريون، عاد منهم ألفان و749 لاجئاً خلال عام 2024 إلى سورية، وأن حركة العودة خلال 2025 بطيئة. وجاء في تقرير المفوضية أن "هناك 338 ألفاً و138 لاجئاً وطالب لجوء مسجلاً عندها في العراق، 90% منهم سوريون بعدد يصل إلى 303 آلاف و611 سورياً.