ماكرون ومزرعة الألغام في مالي

ماكرون ومزرعة الألغام في مالي

14 أكتوبر 2020
اضطرت فرنسا لعقد صفقة تبادل لإطلاق سراح رهينة (فرانس برس)
+ الخط -

فرنسا في مالي تشبه السعودية في اليمن، حجم الإنفاق على الحرب في البلدين الفقيرين تحت غايات مختلفة أكبر بكثير مما كانت تتطلبه إمكانية صناعة السلم والتنمية في هذين البلدين. منذ عام 2012 والقوات الفرنسية تقاتل المجموعات الإرهابية المسلحة في شمال مالي، لكنها اضطرت في النهاية إلى عقد صفقة تبادل، فرض فيها تنظيم مسلح شروطه ودفعت خلالها باريس في حدود تسعة ملايين يورو (بحسب صحيفة لوموند)، وأطلق بموجبها 206 من الجهاديين.
في الواقع تثبت صفقة التبادل هذه مع تنظيم "أنصار الدين" في شمال مالي بما لا يدع مجالاً للشك أن العملية الفرنسية المنطلقة منذ نهاية عام 2012 انتهت إلى الفشل ولم تحقق الغايات المعلنة، على الرغم مما توفر لها من وسائل وتمويل، وحتى لو حاولت وزارة الدفاع الفرنسية إنقاذ العملية بالنجاح في قنص أمير تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبد المالك درودكال في يونيو/ حزيران الماضي.

ثمة سؤال يُطرح دائماً، هل فعلاً كانت فرنسا تحارب الإرهاب في مالي، أم أنها كانت تحافظ على اللعبة الأمنية بكل أطرافها بالقدر الذي يبرر لها وجودها في المنطقة، ويسمح لها بنهب ثروات الذهب (تأتي مالي الثالثة أفريقياً من حيث إنتاج الذهب بـ61 طنا)، واليورانيوم المكدس في شمال مالي والفوسفات وغيرها، ومغريات كثيرة دفعت أيضاً الإمارات والسعودية للدخول على خط الطمع الفرنسي، بتوفيرهما 130 مليون دولار دُفعت عام 2017، لتمويل عملية محاربة الإرهاب كغطاء بحثاً عن موقع في الخاصرة الأفريقية؟ اليافطات التي رفعها الشعب المالي في التظاهرات الأخيرة "فرنسا ديكاج" و"ليتوقف النهب الفرنسي لثرواتنا"، كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.

تُظهر الصفقة أيضاً كما لو أن باريس بصدد بسط الورقة الأخيرة قبل الانسحاب من المكان بعد تبدل المعطيات والمتدخلين في المنطقة، ولذلك لم تكن باريس معنية بما تلقى في ساحة المعركة من ألغام، وبما تخلفه وراءها سواء للحكومة المالية أو لدول الجوار المعنية بالمشكلة الأمنية، وأساساً الجزائر. يكشف ذلك أيضاً عن الأنانية الفرنسية التي تعلن عن نفسها دائماً، بكون باريس معنية بمصالحها فقط، ولتذهب مصالح المنطقة وباقي الدول إلى الجحيم، فقد ظهر مسلحو "أنصار الدين" وقد حفروا خنادق لشي العجول والخراف احتفاءً بإطلاق سراح الجهاديين، ولا يُعرف إلى أي وجهة سيتوجه هؤلاء بعد ذلك، وإلى من ستوجّه بنادقهم. بالتأكيد باريس بعيدة عنهم، لكن الجزائر أقرب بكثير وعلى مرمى حجر، وهذا وحده كافٍ لتفسير مخاوف الجزائر من الصفقة المثيرة للجدل.

من حق الجزائريين أن ينظروا بعين الشك وبريبة بالغة إلى العملية الفرنسية الأخيرة، ليس فقط لأن تنظيم "أنصار الدين" مكوّن من تحالف "القاعدة" و"كتائب ماسينا" وجماعة "المرابطون"، وهي كلها تنظيمات متشددة، ولكن لأنها إعادة إنتاج للإرهاب ونموذج لتمويل دولي غير مباشر للإرهاب، ولأن حصول الإرهابيين على أموال الفدية يعني بالضرورة توفير تمويل لشراء مزيد من الأسلحة والمعدات، وتنفيذ خطط استهداف للمصالح الجزائرية أيضاً، لا سيما أن آخر تفجير انتحاري قادم من شمال مالي استهدف ثكنة للجيش الجزائري في بلدة تيمياوين الحدودية حصل في فبراير/ شباط الماضي.

المساهمون