أنجلينا جولي... بين التمثيل والإخراج والعمل الإنساني

أنجلينا جولي... بين التمثيل والإخراج والعمل الإنساني

15 يونيو 2016
أنجلينا جولي (Getty)
+ الخط -
بعد ثلاثة أفلام تُحقِّقها كمخرجة، وتمثِّل في ثالثها في الوقت نفسه، وهو بعنوان "عن طريق البحر" (2015)، مع شريكها في الحياة، براد بيت، تخوض الممثلة والمخرجة الأميركية، أنجلينا جولي، (1975)، مفاوضات، للحصول على دورٍ أساسيّ في المشروع السينمائي "جريمة قتل في قطار الشرق السريع"، النسخة الجديدة للفيلم الذي أنجزه، سيدني لوميت (1924 ـ 2011)، في عام 1974، بالعنوان نفسه. كسابقه، يُقتبس المشروع عن رواية الإنجليزية، أغاثا كريستي (1890 ـ 1976)، الصادرة في عام 1934، التي تعرف طريقها إلى الشاشة الصغيرة مراراً. 

وإذ تتناول جولي، في "عن طريق البحر"، قصّة لقاء بين راقصة سابقة وكاتب أميركي في فرنسا، فإنها تبدأ رحلتها الإخراجية في سراييفو، مع "في أرض الدم والعسل" (2011)، عبر سردها حكاية حبّ مستحيل بين مسيحي من صرب البوسنة ومسلمة تُعتَقل لديه، في حين أن ثاني أعمالها الإخراجية، "غير مكسور"، يستند إلى قصّة حقيقية، يعيشها اللاعب الأولمبي الأميركي، لويس زامبيريني (1917 ـ 2014)، الذي تسقط الطائرة التي يقلّها مع 7 أشخاص آخرين ذات يوم من أيام عام 1942، فيُقتل 3 منهم، ويصارع الناجون من أجل البقاء أحياء، على متن قارب نجاة، لـ 47 يوماً، قبل أن يأسرهم جنود البحرية الإمبراطورية اليابانية، ويفرضون عليهم أشغالاً شاقّة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وهزيمة اليابان.

بالنسبة إلى "جريمة قتل في قطار الشرق السريع"، وبحسب الموقع الإلكتروني المتخصّص بالسينما "ديدلاين"، فإن جولي "أول ممثل/ ممثلة" يخوض المفاوضات تلك، للمشاركة في الـ "كاستنغ". لكن، لم يُحدَّد بالضبط الدور الذي يُتوقَّع أن تحصل عليه، في حين أن المؤكَّد في الخبر يُفيد بأن البريطاني، كينيث براناه، يتولّى إخراج النسخة السينمائية الجديدة هذه، إلى جانب عمله كمنتج له، مع مواطِنَيه ريدلي سكوت وسيمون كينبرغ، والأميركي مارك غوردن.

تسرد الرواية حكاية المفتّش البلجيكي المشهور، هركيول بوارو، الذي يُقرِّر السفر من إسطنبول إلى لندن، على متن القطار الفخم "أورينت إكسبرس". في أثناء الرحلة، يُعثر على جثة ثري أميركي، فيُكلِّف بوارو نفسه بمهمة التحقيق في القضية الغامضة. هذا الاختزال العام للنصّ، لن يفي المشروع حقّه. فالاقتباس السينمائيّ الأول (تمثيل: ألبرت فيني ولوران باكال وجاكلين بيسّيه) ـ الذي شاهدته أغاثا كريستي في العرض الافتتاحيّ الأول في صالة سينما ABC في جادة "شافتسبوري" في لندن، بحضور الملكة إليزابيث الثانية، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 1974 ـ مُكثَّفٌ بتقنيات التشويق البوليسيّ، المعقود على سلاسة السرد المرتكز، في تفاصيل عديدة منه، على اشتغالٍ بصريّ على نفسيات وحالات وعلاقات متنوّعة.



لن تتردّد أغاثا كريستي، حينها، عن التعليق على الفيلم، بقولٍ ساخرٍ، على الرغم من اعترافها أنْ لا شيء "يُزعجها" في الاقتباس السينمائي. قولٌ مفاده أنها ـ إلى جانب امتلائها بالنصّ ومساراته ومناخه الدرامي الضاغط ـ لم تجد شاربيّ هركول بوارو على الشاشة "أكثر روعةً مما تخيّلتُه في أثناء كتابتي الرواية". أما الناقد الموسيقي الفرنسي، رونو ماشار، فيرى أن موسيقى الفيلم، لمؤلّفها ريتشارد رودني بينيت، تُشكّل "التوقيع الصوتي" للفيلم، الذي يجعله "مشهوراً" على المستوى الدولي. 

إلى ذلك، وفي انتظار البتّ في المفاوضات هذه، تُصوِّر أنجلينا جولي فيلمها السينمائيّ الرابع كمخرجة، في اقتباس بصريّ لكتاب "أولاً قَتلوا والدي: ابنة كمبوديا تتذكّر" (2000)، للكاتبة والناشطة الكمبودية، لونغ أونغ، الناجية من فظائع الجرائم التي ارتكبها نظام "الخمير الحمر" (1975 ـ 1979) في بلدها. بهذا، تُكمِل جولي مساراً سينمائياً لها كمخرجة، يرتكز على بحث سينمائي في شقاء الحياة، ورغبة الفرد في الانتصار لذاته في مواجهة أشباحه أو جلاّديه، وسعي الإنسان إلى ابتكار أنماط عيشٍ مختلفة، وإنْ على حافة الخراب، أنماط عيشٍ، تحاول جولي في أفلامها كمخرجة أن تعكس نضارتها في مقاربة الحكايات، وأن تحوِّلها إلى متتاليات سينمائية، لن تكون كلّها بديعة الاشتغال الإخراجيّ، لممثلة تنخرط بكلّيتها في العمل الإنساني حول العالم أيضاً، خصوصاً مع اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان، في الأعوام القليلة الفائتة. 
في تصريح لوكالة "أسوشييتدبرس"، مؤخراً، تقول أنجلينا جولي إن المشروع السينمائيّ الجديد سيكون "أهمّ فيلم" في حياتها المهنية، مضيفةً أن المُميَّز في "القصّة الاستثنائية" هذه، كامنٌ في أنها "مرويّةٌ من منظور فتاة في الـ 5 من عمرها"، وأنها تستند إلى "انفعال تجربة طفولية في أثناء الحرب". وترى جولي، في التصريح نفسه، أن القصّة "تُلقي ضوءاً ليس فقط على تجربة الأطفال خلال الإبادة الجماعية في كمبوديا، بل أيضاً على تجارب الأطفال جميعهم، الذين يعانون من أهوال الحروب"، مشيرةً إلى أنها تشعر بـ "اتصال عميق" بكمبوديا، ومعبّرةً عن رغبتها في إعلان احترامها "تاريخ" البلد وناسه، ومعتبرةً أنها تريد جلب الفيلم إلى العالم "كي يُشاهد مَشَاق الحرب"، وأيضاً كي يتنبّه إلى "كرامة الناس وصمودهم"، أولئك "الذين أحترمهم كثيراً". 

وبكلّ الأحوال، ليس جديداً اهتمام أنجلينا جولي بالشأن العام، أو بالعذابات التي تعرّضت لها الشعوب على مدار التاريخ. فهي، فعلاً، تتميّز بحساسية إنسانيّة رفيعة تجاه مآسي الشعوب. وهذه الحساسيّة الصادقة، بعيدة عن الاستثمار الإعلامي والتجاري الذي يتخذه الممثلون عادةً.

المساهمون