عجائز إسبانيا يواجهون الموت بالرقص

عجائز إسبانيا يواجهون الموت بالرقص

18 مايو 2016
ساحة PLAZA DE PUEBLO في إسبانيا (Getty)
+ الخط -
هي ثقافة مختلفة لحياة مختلفة، تلك التي تسود في أوروبا بشكل عام، وفي إسبانيا بشكل خاص، هذه الثقافة المختلفة والتي تنتج عادات توافقها وتعززها. 

من ضمن ما يدهش الإنسان العربي القادم إلى إسبانيا، هو الوضع العام لكبار السنّ هنا، والذين يشكلون النسبة الأكبر من السكان، والذين تبدي الدولة الإسبانية، برغم دخولها في أزمة مادية، اهتماماً بالغاً برعايتهم النفسية والصحية الكاملة من خلال قانون الضمان الصحي المجاني، الذي يسمح لهم بالعلاج مهما كلف، ومن خلال إقامة مراكز خاصة لهم، توفر لهم نشاطات ورحلات كي لا يشعروا بالوحدة ولا بثقل العمر عليهم. لذا فإنك ترى المرأة الإسبانية التي يزيد عمرها عن السبعين عاماً تخرج دائما بكامل أناقتها من ملابس وحلي وزينة، لا تشعر بالعمر، شعرها مصفف بعناية ودقة، وعطر يسبق إطلالتها لأي مكان، وترى أيضا الحدائق الكثيرة جدا والمنتشرة في كل المُدن والقرى، فلا ينتهي شارع بدون حديقة مُجهزة بعدد كبير من المقاعد التي تسمح لكبار السن بالجلوس والاستمتاع بها.

إن الحياة في إسبانيا، تحديداً، بخلاف معظم الدول الأوروبية، هي حياة نابضة دائما، ولا يوجد فيها أي نوع من الإيقاع البارد، إذ إن الجو المتوسطي الدافئ، والإرث القادم بجزء منه من العرب الذين سكنوها لمدة طويلة ومن الدول اللاتينية التي تحتفي دائما بحالة من الموسيقى والرقص مهما كان الوضع المادي لتلك البلاد، تُقام السهرات في الشوارع، هي ظاهرة منتشرة وتعتبر ظاهرة طبيعية جدا، والغريب أن يكون أكثر الراقصين هم من الأزواج الكبار في السن الذين يرقصون بكل فرح وعفوية وحب، يرقصون بكل حقيقية واحتفاء بما بقي لهم من حياة، كأنهم في أول العمر، كأنهم في أول الدهشة، كأنهم بكامل جمالهم وصحتهم، كأنهم بكامل شبابهم.


السيدة كريستينا دامينغو، التي تبلغ من العمر واحدا وثمانين عاما، والتي تتواجد في مدريد وفي ساحة تُسمى ساحة الجدات أو ساحة "الختايرة" PLAZA DE PUEBLO في حي الكوبندس ALCOBENDAS وتشارك في حفلة بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على أول يوم لديمقراطية حقيقية، والذي يصادف السادس عشر من أيار/مايو في كل عام، حين تنازل الملك الاسباني خوان كارلوس عن السلطة، ووافق أن يصبح ملكا يملك ولا يحكم، ليصبح الحكم دائما بيد شعب عانى من حرب اندلعت لحماية أول تجربة جمهورية ديمقراطية في أوروبا، ومعاناته من فرانكو الديكتاتور الذي انقض عليها وأبقى البلاد في حالة من الرعب الأمني لمدة أربعين عاما لم يستطع الشعب إزالته فيها، بعدما جرب مأساة الحرب الأهلية، حتى مات فرانكو على فراشه، نسأل السيدة كرستينا، التي كانت ترقص مع زوجها إدواردو عن رأيها في الرقص هكذا في الساحة العامة والهواء الطلق على أنغام فرقة تعزف الفلامنكو؟ فتجيب أن الرقص يُعزز الحب الذي لم يزل يعيش بيني وبين زوجي، منذ أكثر من خمسة وخمسين عاماً. تتابع: بالرقص نواجه الموت القادم، بالرقص نؤجله قليلاً، كلما رقصت خجل الموت مني وابتعد.


كريستينا التي عايشت فترة الجمهوريين في إسبانيا وعايشت إعدام الشاعر لوركا، وفقدت شقيقها في الحرب الأهلية، وسُجن والدها أثناء حكم فرانكو، تقول إنها مهما كبرت، تريد وبشدة الرقص في ساحة عامة وفي الهواء الطلق، والاحتفال باليوم الأول للديمقراطية في بلدها الغالي إسبانيا.

المساهمون