يوروفيجن... حين يختلط الفن بالسياسة

يوروفيجن... حين يختلط الفن بالسياسة

16 مايو 2016
جمالا/ غيتي
+ الخط -


بالتزامن مع ذكرى حصول التهجير الكبير الذي قام بها الاتحاد السوفييتي في فترة الحرب العالميّة الثانية في شهر أيار/مايو عام 1944 لسكان القرم من التتار، فازت المغنية الأوكرانيّة، جمالا، يوم السبت الماضي 14 أيار/مايو، بالمركز الأول في مسابقة يوروفيجن Eurovision للأغنية الأوروبية، بأغنية حملت عنوان "1944".

تتناول الأغنيّة عمليات الترحيل تلك، ليثير فوزها بهذه الجائزة، ردود فعل متضاربة وإشكاليّة، تشير إلى أنَّ ثمّة أطرافاً لم تتصالح حتى الآن مع هذه الأزمة. ودخلت ردود الأفعال، كالعادة، في خريطة الانقسامات السياسيّة الحادة الموجودة في أوكرانيا خصوصاً، وشرق أوروبا على العموم.

ومما لا شكّ فيه، فإنّ جوزيف ستالين، لا يزال يمتلك قيمة معنويّة ورمزيّة لدى كثيرٍ من الروس، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالحنين إلى أمجاد الاتحاد السوفييتي. فأبدوا تنديدهم ورفضهم الأغنيّة التي وصفوها بأنها تزور الحقائق التاريخيّة وتشوّه ما حصل.


في حين أكّد آخرون بأنّ فوز جمالا، هو انتصار للمظلومين والمقموعين، ولسياسة حقوق الإنسان والاعتراف بالمجزرة، ومن عانوا من هذه الكارثة التاريخيّة الكبرى. وهذا ما أكّدته جمالا نفسها، في تصريحات خاصّة نقلتها عنها وكالة "الأناضول" التركية للأنباء، فقد أكّدت أنّها تريد أن توصل للعالم رسالة تاريخيّة حول ما حصل من مآس ومجازر في القرم. ووصفت جمالا ما جرى بأنه "تراجيديا".

تسعة متسابقين في الدور النهائي
ومن الجدير بالذكر، بأنَّه كان إلى جانب الأوكرانية جمالا، في الدور النهائي للمسابقة، في يوم 12 أيار/مايو، على مسرح استوكهولم، تسعة متسابقين من ضمنهم متسابق عن روسيا نفسها! تغني جمالا، البالغة من العمر 32 عاماً، بنبرة حزينة قائلة: "حينما أتى الغرباء، جاؤوا إلى منازلكم، قتلوكم جميعاً، وقالوا إنهم ليسوا مجرمين.. ليسوا مجرمين". وفي ذات السياق، قال مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون الأوكرانية في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك إنه "حال فوز رجل اسمه لازافير (ممثل روسيا)، فإن أوكرانيا سترفض المشاركة السنة القادمة في المسابقة" .

.

تهجير على أساس ديني
يقولُ المؤرِّخون، بأنّه في 18 مايو/أيّار من عام 1944، أمر الزعيم السوفييتي الراحل، جوزيف ستالين، بتهجير كلّ تتار القرم المسلمين قسراً إلى سيبيريا ودولٍ أخرى من آسيا الوسطى، مثل كازاخستان، وذلك بتهمة التعاون مع ألمانيا الهتلرية وخيانة روسيا خلال الحرب العالمّية الثانية. تمَّ نقل الناس في قطارات وعربات نقل الحيوانات، ما أدَّى إلى وفاة وفقدان أكثر من 300 ألف شخص. ولم يتمكَّن الباقون من العودة إلى وطنهم الأم، إلا بعد استقلال أوكرانيا في عام 1991، وذلك بعد استفتاء شعبي.

اعتراف رسمي بالجريمة
وبعد أن ضمَّت روسيا شبه جزيرة القرم، سمحت السلطات الأوكرانية لأول مرة لتتار القرم بأن يقيموا سنة 2015 مهرجاناً لإحياء ذكرى التهجير، كما اعتبر البرلمان الأوكراني في جلسةٍ من جلساته سابقاً، أنَّ ما أقدم عليه الجيش السوفييتي، آنذاك، بحق سكان القرم المسلمين، هي جريمة إبادة جماعية، وذلك بعد 71 عاماً من الحادثة.

وجدير بالذكر أيضاً، أنَّ تتار القرم المسلمون يرجعون إلى أصولٍ تركية أقامت في المنطقة منذ قرون قديمةٍ جداً، ويتكلمون لغةً قريبةً جداً من اللغة التركيّة الحديثة. فيما يعيشون اليوم في دول عديدة، مثل أوكرانيا وبولندا وبلغاريا وأوزبكستان ودول أخرى، فيما دخل الإسلام المنطقة في القرن الثامن الهجري على يد قبائل التتار المغولية.

يبقى فوز جمالا الصاخب، انتصاراً لمنظومة حقوق الإنسان، وبأنَّ الإنسان يأتي قبل السياسة. وبأنَّ حق الضحايا بالعدالة، هو أمر غير مشروط على الإطلاق.

المساهمون