طرابزون... غيوم تلامس رؤوس الأشجار

طرابزون... غيوم تلامس رؤوس الأشجار

14 مايو 2016
أدرجت اللغة العربية مؤخراً في اللوحات الإرشادية (العربي الجديد)
+ الخط -
تنتظر مدينة طرابزون على البحر الأسود في أقصى شمال شرق تركيا سيّاحها العرب، لتستعيد عافيتها من جديد واحدةً من أهم المدن السياحية في تركيا. يعني اسمها "الجدول" باليونانية القديمة، ومدينة الأربع زوايا بلغة أهل الأناضول القديمة. استعدت لسياحها العرب في إجازات الصيف المرتقبة، بإدراج اللغة العربية على اللوحات الإرشادية على الطرق، واستحداث مكاتب استعلامات يتحدث موظفوها العربية لخدمة السياح، وفي تعيين موظفين يجيدون العربية في بعض فنادقها ومنتجعاتها، وتوفير نسخ من القرآن الكريم، وسجاجيد الصلاة وتعيين اتجاه القبلة في غرف نزلاء الفنادق، سعياً إلى جذب سياحها العرب الذين بدأت أعدادهم بالتزايد، حيث تجدهم في منتجعاتها وفنادقها.
يخبرنا أحمد، مدير الاستقبال في فندق رويال في قرية أوزنغول، أنه يأمل أن يشهد الصيف الحالي عودة الحياة إلى منتجعات القرية وفنادقها، بعد أن هجرها السياح الروس، على الرغم من أن موسم الصيف سيبدأ مع شهر رمضان. ويقول "كانت طرابزون وقراها ومنتجعاتها، إلى سنوات قليلة، مجهولة عند السائح العربي. والآن، ننتظر سياحاً من السعودية والكويت، ونعمل أيضاً على جذب سياح من قطر والإمارات وباقي دول الخليج العربي".
تبهرك المدينة بأنهارها الاثني عشر، وأهمها القلعة والسيرا وبلو وسورمان وفلوريدا وبان، وببحيراتها الأربع، وأشهرها أوزنغول التي تحتوي على سمك السلمون المرقّط، لا تخلو من مرتاديها السياح ليلا أو نهاراً، وتدهشك شلالاتها المتراقصة التي تصب في أنهارها، وكذلك غيومها التي تلامس رؤوس الأشجار، فيخيل إليك من سحرها أنها تسير.
يظهر التنوع في طرابزون في المعالم الأثرية التي تعود إلى حضاراتٍ متعددة، إذ مرت على المنطقة، قبل أن تخضع لسلطة الدولة العثمانية عام 1461، على يد السلطان بايزيد الثاني، إمبراطوريات عديدة، ابتداء بالفارسية والمقدونية، مروراً بمملكة البونتوس والإمبراطورية الرومانية وانتهاء بمملكة الكومينوس. وقد نصّب بايزيد الثاني ابنه سليم (السلطان سليم الأول فيما بعد) عام 1461 حاكماً (سنجق بك) على طرابزون، وفيها رزق سليم الأول سنة 1495 بابنه سليمان الذي سيكون السلطان سليمان القانوني.
وثمة مسجد آيا صوفيا والذي يشترك مع المسجد الشهير في اسطنبول بالاسم، وكان كنيسة في الأصل، حيث لا زالت الصلبان تشاهد على أعمدته، كما تحتوي قبته الخارجية على رسوم للسيدة العذراء والمسيح عليه السلام يخفيها الجير.
وتستند طرابزون، لجذب سياحها الذين سيتحولون عشاقاً لها، إلى طقس معتدلٍ، على الرغم من غزارة أمطارها طوال العام، وكذلك إلى تاريخ متنوع، وطبيعة تبهر العقل وتدهش القلب، تتنوع بين تضاريس جبلية وسهلية، فمن جبالٍ خضراء وغابات كثيفة إلى بحيرات وأنهار وجداول مياه وشلالات، فجبالها مكسوّة بغابات أشجار الصنوبر والسنديان والزان، وزهورها البرية تحيط بها من كل جانب، حيث تغطي الجبال والهضاب الخضراء ما مساحته 77% من أراضيها. وتشتهر طرابزون بخبزها بحجمه الكبير وشكله شبه الكروي، وبمعجنات الجبنة التي لا يقاوم مذاقها، وسمك الأنشوجة ذي الحجم الصغير، والذي يعد مقلياً ومشويا ومحشيا، كما تعد منه أنواع من الشوربات، وهو يصطاد من البحر الأسود في الشتاء.
وفي أغنياتهم ورقصاتهم الشعبية، يستخدم السكان آلة الكافال الموسيقية التي تشبه الناي، والمصنوعة من القصب، والزرنة، وهي من الآلات الشعبية في العراق وسورية، كما يستخدمون الكمان. وتتميز طرابزون برقصة الهورون التي يؤديها في العادة الصيادون، بعد فراغهم من الصيد.
إلى جنوب شرق مدينة طرابزون، وعلى مسافة 175 كيلو مترا، تقع بلدة إيدر، على منحدرات جبال كاشكار وسفوحها، حيث الغابات الكثيفة من شجر الزان والشلالات التي تخترق جبالها، وتنحدر نحو وادي الرياح الذي يعد من أهم مئتي منطقة محمية في العالم. ويستمتع السياح فيها بركوب التلفريك اليدوي الذي يخترق الغابات، وبركوب القوارب والتجديف في النهر. وتنتشر على مرتفعات إيدر البيوت الريفية الجميلة التي تكاد تلامس الغيوم الممطرة، كما تشتهر البلدة بحمامات المياه الساخنة التي تعيد الروح إلى المستحمين فيها.
أما أوزنغول (على ارتفاع 1100 متر) وتبعد عن مدينة طرابزون نحو 100 كيلو متر، فهي بحيرة تحتضنها الجبال الخضراء المكسوة بالغابات التي تخترقها الشلالات أيضاً، وعلى بعد مئات الأمتار من البحيرة، تتوزع عشرات المنتجعات والفنادق الخشبية ذات الخدمة الممتازة، والسعر الزهيد في الوقت نفسه.
تشدّك إيدر وأزنغول للبقاء فيها، فأينما وجّهت ناظريك، ثمة طبيعة طاغية، تعصف بقلبك وعقلك، تدعوك للتأمل، وإعادة تعريفك مفهوم الجمال والطبيعة. ومهما كان الوصف، من رأى ليس كمن سمع.
تتحدث الأرقام غير الرسمية عن نحو 60 ألف سائح عربي زار طرابزون عام 2015، وتطمح المدينة إلى جذب نحو 100 ألف سائح على الأقل في الصيف المقبل، خصوصاً بعد أن أعلنت الخطوط الجوية التركية أنها ستبدأ تسيير خط رحلات طيران مباشر بين الرياض ومدينة طرابزون في شمال تركيا في 4 يونيو/ حزيران المقبل، بهدف تسهيل انتقال السياح السعوديين في السفر إلى مدن منطقة البحر الأسود ومحافظاتها، بدلاً من الانتقال إلى إسطنبول ومنها إلى المطارات الأخرى.
وتسعى السلطات المحلية والمعنيون بقطاع السياحة في طرابزون إلى جعل السياحة في المدينة غير موسمية، بل دائمة، وذلك باستقطاب سياح طوال العام، وإضافة عدد جديد من المنشآت السياحية (فنادق ومنتجعات)، بسعة ثلاثة آلاف و218 غرفة، بالإضافة إلى أربعة الآف و80 غرفة جاهزة للاستخدام.

المساهمون